سورية مهــددة بمصير البوسنـة والهرسك
هناك أوجه تشابه بين الوضع الحالي في سورية وحرب البوسنة والهرسك، فهل سيكون مصير سورية كمصير دولة البلقان؟ إن مقاتلي «الجيش السوري الحر» في مدينة حمص يعتقدون بأن الحملة العسكرية التي تتعرض لها حمص ليست نهاية صراع بقدر ما هي بداية حرب اهلية تخيّم على سورية. وما قد يعتبره نظام الرئيس السوري بشار الاسد إعادة للسلام والاستقرار في حمص، ربما يكون بداية صراعات مسلحة اوسع، فنجاحه في طرد المسلحين من مكان ما لن يحول دون مهاجمتهم القوات السورية في أماكن أخرى.
وإذا ما قدر لنا أن نقول إن أصوات المدافع والاسلحة قد صمتت في حي بابا عمرو وحمص، فما كان ذلك إلا كما قال المؤرخ الروماني القديم تاكيتوس: «أوجدوا الارض اليباب والخراب وقالوا انه سلام»، ومما يتفق عليه المراقبون أن ما تتعرض له حمص ومناطق سورية أخرى سيذكي الصراع، إذ سيحرص كل طرف من أطراف الصراع على تأمين امداداته بالسلاح، بينما يتميز دعم العالم لكل طرف بالانقسام، تبعاً للمصلحة، كما حدث في يوغوسلافيا السابقة.
أما أحد الحلول المطروحة بشأن تسليح المعارضين السوريين فهو غير ممكن الآن، نتيجة حظر السلاح الى سورية من ناحية، وعدم معرفة حجم التمرد على نظام الاسد، إضافة الى أنه يبدو من غير الممكن القبول بممارساته، هذا الى جانب أن الصين وروسيا اللتين استخدمتا «الفيتو» ضد القرار الاخير لمجلس الامن الدولي لن تسمحا بتدخل حاسم في سورية، كما أن البحث عن حل آخر غير عسكري أو تسليحــي للوضع في سورية يعني العمل بكل هدوء وصبر على التسريع بنهاية نظام الاسد، وإضعافه، وتقويضه من خلال التدخل الإنساني والضغوط الاقتصادية. ويبدو أن بكين وموسكو قد تؤيدان قرارا جديدا لمجلس الامن لفرض التدخل الإنساني والسماح بالإغاثة في كل أنحاء سورية.
وبالنسبة للضغط الاقتصادي فإنه يتوجب على جاري سورية، وهما لبنان والعراق، تضييق الخناق على سورية، وحتى تركيا التي تتصرف بجدية كبيرة مطلوبة يمكنها القيام بالمزيد، ومع ذلك، يظل احتمال تكرار سيناريو البوسنة في سورية قائماً وممكناً، حسب تقدير «ديلي تلغراف» التي اشارت الى وجود تعدد عرقي وطائفي وتنوع مصالح في سورية، إذ يوجد المسيحيون والأكراد والدروز والعلويون والأغلبية السنية.
وفي معرض الحديث عن خطورة الوضع في حي بابا عمرو في حمص، فإن أهالي بابا عمرو «كتبوا وصاياهم»، وحذّروا من حدوث مجزرة بسبب تواصل قصف القوات النظامية واقترابها من اقتحام المنطقة، وان وسائل الاتصالات التيلفونية وخدمات الإنترنت مقطوعة في تلك الضاحية التي تشهد تظاهرات حاشدة تطالب بسقوط نظام الأسد.
كما أشارت إلى الأزمة الإنسانية الحادة في المناطق المحاصرة التي تشهد قصفاً من القوات الحكومية، وتسببت في نقص المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الضرورية.
تقول متحدثة باسم الصليب الأحمر إن هناك مخاوف من وجود عدد كبير من المصابين بجروح خطرة في بابا عمرو، وهناك إدراك لمدى خطورة الوضع على الأرض، وكم هو مثير للقلق. وبعد أكثر من ثلاثة اسابيع من القصف الوحشي العنيف والحصار قالت القوات الحكومية إنها نجحت في تطهير احياء حمص من المسلحين والارهابيين، لكن الايام ستثبت أن إعلان هذه القوات «الانتصار» يقوم على الوهم، لأن الثوار المسلحين سيضربونها من خلفها ومن حيث لا تحتسب في مناطق أخرى.
وثمة حقيقة مؤلمة للغاية، وهي أن سورية تقف على حافة خطر بلوغ آلام شعبها ذروتها التي تذكرنا ببقع الدماء التي كانت تسيل في كل مكان من البوسنة والهرسك، في صراع عرقي وطائفي قاس لا يرحم، وكل طرف يتمترس خلف قوى تسانده وتمده بالسلاح وكل شيء، وتوفر له الدعم السياسي.
لكن لاتزال هناك فرصة لتجنب طامة أو كارثة في سورية من خلال قدر تشتد الحاجة اليه من الواقعية وهو التحلي بالصبر مع العمل الدؤوب في كل اتجاه الأمر الذي يقلل العنف ويزيد من تسارع نظام الاسد نحو نهايته، لاسيما إيجاد ممرات ومداخل للمساعدات الإنسانية والاغاثة في كل مناطق سورية، إضافة الى زيادة الضغوط الاقتصادية على ذلك النظام.
وفي تغيير ملموس في موقفيهما، تقول روسيا والصين هذه الأيام، إنه يتعين على دمشق السماح لمبعوثة الامم المتحدة للشؤون الانسانية البارونة آموس، بزيارة سورية للتباحث مع مسؤوليها حول إيجاد تلك المداخل والممرات لمختلف وكالات المساعدات الإنسانية الى مختلف المدن والمناطق السورية.
ومهما تشعب الحدث عن سورية وطال، سواء كانت هناك أوجه شبه بينها وبين البوسنة والهرسك أو لبنان أو العراق أو غيرها من البلدان التي اكتوت بالحروب، يبقى السؤال الأساسي: إلى متى يستمر القتل والدم في سورية؟