«الجنون» ليس سبباً لقتل 16 مدنياً أفغانياً
أشعر بالضجر من قصة الجندي «المختل عقلياً»، لكنها كانت متوقعة طبعاً. وما كاد هذا الجندي الذي يحمل رتبة رقيب وقتل 16 مدنيا افغانيا، بينهم تسعة اطفال، يعود الى قاعدته قرب مدينة قندهار هذا الاسبوع، حتى انبرى خبراء الدفاع الى الاعلان انه كان رجلاً مختلاً. انه ليس شريرا ولا شيطانيا، او ارهابياً فاقد الصواب، وهو ما يمكن ان يكون عليه الوضع طبعا، لو انه كان افغانيا، خصوصاً من «طالبان».
وكانت هذه الترهات نفسها التي استخدمت لوصف الجنود الاميركيين القتلة الذين ارتكبوا الفظائع في مدينة الحديثة العراقية. وكانت هي الكلمة ذاتها لوصف الجندي الاسرائيلي باروخ غولدشتاين الذي قتل 25 فلسطينياً في الخليل أثناء صلاة الفجر.
وقال صحافيون ان الجندي «ربما فقد عقله»، وقالت صحيفة الغارديان ان الجندي «ربما تعرض الى نوع من الانهيار». وقالت «فاينانشال تايمز» انه «جندي مارق»، وقالت صحيفة نيويورك تايمز «الجندي الذي اصيب بهيجان»، في حين قالت «لي فيغارو» الفرنسية «ارتكب الجندي عملا جنونيا». فهل ذلك حقيقي؟
هل من المفروض بنا ان نصدق ذلك؟ بالطبع اذا جن الجندي فعلا فعندها ربما يقتل 16 جنديا من الاميركيين، لكنه اختار ان يقتل الافغان فقط، اذ هناك فعل الاختيار في هذه العملية. لكن لماذا قتل الافغان؟ علمنا، امس، ان الجندي شاهد احد رفاقه وقد تضررت ساقه اثر انفجار، لكن، هل هذا مبرر حتى لو حدث ذلك؟ القصة الافغانية كانت قد خضعت للتحوير من اولئك الذين كانوا يحاولون تفسير هذه المجزرة المرعبة في قندهار. وتذكروا احراق نسخ من القرآن الكريم عندما قام جندي في قاعدة باغرام الافغانية برمي القرآن في النار، ومقتل ستة من جنود «الناتو»، منهم اثنان من الاميركيين، والتي تلت نتيجة لذلك. ولكني اراهن ان الافغان لم ينسوا، عبارة مهمة من قائد القوات الاميركية في افغانستان الجنرال جون الين، قبل 22 يوما بالضبط.
هذا ينطبق على جميع حالات القتل الاخيرة. وكان هذا التصريح غير عادي لدرجة اني اقتطعت كلمات الين من صحيفة الصباح، واحتفظت بها في حقيبتي من اجل المستقبل.
كان الين قد أبلغ رجاله انه «ليس الوقت للانتقام الآن من اجل مقتل اثنين من الجنود الذين قتلوا خلال اعمال التي اندلعت يوم الخميس الماضي»، واضاف انه يتعين عليهم « مقاومة اية محفزات تدفعهم للرد»، بعد ان قام جندي افغاني بقتل جنديين اميركيين. وواصل الين حديثه «ستكون هناك لحظات مشابهة عندما تبحثون عن معنى هذه الخسارة»، واضاف «ستكون هناك لحظات مثل هذه عندما تكون عواطفكم قد باتت مشحونة بالغضب والرغبة في الرد. والآن ليس وقت الانتقام، الآن انه الوقت الذي يجب ان تنظروا في اعماق أرواحكم، وتذكروا مهمتكم، وتذكروا انضباطكم، وتذكروا من تكونون».
روبرت فيسك - صحافي في صحيفة « الإندبندنت»