أضحى ملاذاً للهاربين من حرب العراق وثورة سورية

لبنان يقطف ثمار «الربيع العربي» انتعاشاً وسياحة

السياحة اللبنانية استعادت أمجادها مستفيدة من ظروف المنطقة. أرشيفية

تعيش العاصمة اللبنانية حالة من الازدهار والنمو الاقتصادي والانتعاش السياحي، تعكسها وتشجعها حالة من الامن والاستقرار، في وقت تكتوي فيه جارتها سورية بنار «الربيع العربي» منذ أكثر من عام. وما ذاك الملعب الحديث لكرة القدم، وخليج زيتوني الذي تم تطويره وتوسيعه طبقاً لأحدث المعايير والمواصفات إلا مجرد حلقة او اثنتين في الجهود اللبنانية لاستعادة أمجاد الستينات من القرن الماضي وما قبل الحرب الاهلية، حينما كانت النجمة الفرنسية بريجيت باردو دائمة الحضور الى بيروت بشكل منتظم، وكانت هذه المدينة عاصمة لأحدث خطوط الموضة وصرعات الازياء، وهي ملاذ آمن للزوار العرب الباحثين عن الامان والاستقرار، والهاربين من المخاوف والشكوك التي تلف المنطقة.

وتقول العراقية نور الطائي، بتنورتها الجلدية القصيرة وحذائها ذي العنق الطويل، وسترتها الفرو: «يجمع لبنان بين ما هو أوروبي وشرق اوسطي، ويجتمع فيه الشرق والغرب، ولهذا كان من المنطقي أني اخترت الاستقرار فيه حينما هربت من العنف والفلتان الامني في العراق، فهنا جو دافئ وودي للغاية».

ونادراً ما يتوقف البيروتيون في خليج زيتوني على الخط الفاصل بين بيروت الشرقية والغربية لتذكر أيام الحرب الاهلية التي عصفت بلبنان 15 عاماً. وبالنسبة لكثير من العقول الغربية تبقى صورة لبنان مجمدة في لقطات وصورة قديمة، مثل عمليات القتل الجماعي الطائفية الطابع، والاجتياح الإسرائيلي، وتصاعد سحب الدخان الكثيفة المتصاعدة من الواجهات البحرية والرهائن المحتجزين. وبالنسبة للاثرياء والميسورين، فإن لبنان استعاد منذ وقت طويل روحه المرحة واحساسه العالي بالفكاهة والمرح والتسلية وسحره الخاص، كما أن حياة الليل في بيروت لا تهدأ ولا تعرف الكلل أو التوقف، لكنها لا تكفي لتبديد المخاوف المتزايدة من ذلك النزاع الذي يطحن سورية المجاورة. وبالنسبة للعرب الذين أصابهم التعب من القصف الذي تعرضت له حمص وغيرها من المدن السورية، والازمة المالية الخليجية، والقلق السياسي في مصر، تبقى بيروت واحة سلام.

وقالت اختصاصية علم النفس السورية سونيا بيلوني: «هذا البلد لبنان لا يتغير، وشعبه يحب الحياة». وقد زودت الحرب الاهلية التي انتهت 1990 لبنان بكل ما كان من عداء وتناقضات وانقسامات بين اللبنانيين بتحصين إزاء ثورات «الربيع العربي». وقد انتهت تلك الحرب بعد انقسامات وتجاذبات طائفية وعرقية للسلطة والنفوذ بين اللبنانيين الذين لايزالون يخضعون لنظام المحاصصة الطائفية، الذي يبقى على جسد البلد وكيانه، لكن في حال من الضعف تجعله عاجزا عن فرض ارادته وتخويف الآخرين. هناك حالة من انعدام الثقة بين الاطراف اللبنانية، وليس هناك نمط أو شكل واحد ومعين من السلطة يمكن الاحتجاج ضده. ووسط حالة من التمزق بين الاسى واليأس من التغيير والخوف ما قد يترتب عليه تسود حالة من الامان والسلام.

وطبقاً لارقام وتقديرات شركة «ارنست ويونغ» للخدمات السياحية، فإن نسبة اشغال الفنادق في لبنان شهدت تراجعاً خلال العام الماضي، إذ بلغت 55٪ خلال الاشهر التسعة الاولى من ،2011 مقارنة بـ 68٪ في الفترة ذاتها من .2010

ويعتقد كثير من الغربيين بأن لبنان لن يبقى آمناً ومستقراً وواحة للترفيه والتسلية، لان السياح والزوار العرب والايرانيين يخشون قيادة سياراتهم عبر الاراضي السورية. ويلجأ الى لبنان لبنانيو المهجر والسعوديون والاردنيون وغيرهم من الهاربين من الحرارة الشديدة، لينضموا الى اثرياء بيروت التي تشهد اسواقها ومطاعمها ومقاهيها انتعاشاً كبيراً وحركة كثيفة، حتى ان بعضهم قال إن الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان لم تكن غير انقطاع مؤقت لموجة الازدهار والنمو والاستقرار.

وكان الركام الذي خلّفه القصف الجوي والمدفعي الاسرائيلي لايزال متناثراً في شوارع بيروت حينما بدأت المطاعم والمقاهي والنوادي الليلية تفتح ابوابها. ومما لا شك فيه أن هناك الكثير مما يجنيه لبنان من كونه ملاذاً وملجأ للباحثين عن الدعة والاستقرار والاستمتاع بالحياة. فالسوريون الهاربون من العنف والقصف والباحثون عن الامان والهدوء ساعدوا في زيادة نسبة إشغال الفنادق، وانعشوا حركة الاسواق، على حد قول وزير السياحة اللبناني فادي عبود لصحيفة «ديلي ستار» البيروتية. كما أن بيروت وجهة مناسبة لرؤوس الاموال، إذ عمد كثير من رجال الاعمال والتجار السوريين الى نقل اموالهم إلى البنوك اللبنانية، ما ساعد على بقاء اسعار العقارات مرتفعة.

فالاختصاصية النفسية الطائي قالت إنها نقلت مع شقيقها أرصدتهما وأموالهما وحساباتهما المصرفية من بغداد الى بيروت في ،2004 بعد أن تحولت بغداد إلى ساحة مواجهة بين القوات الاميركية والمسلحين المقاومين لها. وأضافت انها لم تعد تشعر بالمزيد من الامن في بلدها العراق، بينما تمارس حريتها كاملة في الزينة والحركة والتنقل في بيروت.

وعاشت بيلوني في بيروت سنوات مع زوجها اللبناني، وهي تعمل حالياً على استقدام اقاربها من حلب الى لبنان: « فقد مر السوريون بكل ما هو سيئ، ووجودنا في لبنان يعني انه لا مزيد من المشكلات». ومع استمرار القلاقل والفوضى في سورية المجاورة يتوق اللبنانيون الى الاثارة والتجديد في بلدهم الذي يبقى ساكناً وفاسداً، رغم كل ما فيه من مرح وتسلية.

وعن سبب غياب ربيع لبناني يقول صحافي لبناني «نحن كسالى وطائفيون»، غير ان القادة اللبنانيين يتسابقون للابقاء على التعايش والسلام السياسي، بينما يجاهر «حزب الله»، الحزب الاقوى والاكثر تنظيما ونفوذا في لبنان، بدعمه للرئيس السوري بشار الاسد ونظامه، بينما تساند قوى وأحزاب لبنانية اخرى منافسة المعارضة السورية، بل ان وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، شريك «حزب الله» في الائتلاف الحاكم يهاجم الاسد بشدة، ويصفه بـ« الجزار».

وفي شارع الحمرا، أشهر احياء بيروت الغربية الذي تغص نواديه الليلية بروادها من المراهقين والمراهقات يتبرع كثيرون لمساعدة اللاجئين السوريين، كما يفاجئ المغني اللبناني فضل شاكر جمهوره بظهوره في مسيرة حاشدة مؤيدة للثوار السوريين، الى جانب إمام سلفي يعتبره كثيرون متطرفاً. وعلى كورنيش بيروت على شاطئ البحر تزدحم حركة العائلات، حيث الفتيان يقودون الدراجات الهوائية والعشاق يتمشون قبيل غروب الشمس، بينما يقوم المهاجرون السوريون بتلميع الاحذية وتقديم القهوة. وعلى أريكة في مقهى «كاكايا»، يشاهد شابان وهما يتبادلان انفاس الشيشة لقطات فيديو مصورة على هاتفيهما النقالين عن مشاهد القتل والتعذيب والدمار الذي لحق بالمنازل في سورية، بينما يغص مقهى آخر يسمى مقهى «يونس» بالمثقفين والاكاديميين الذين يتمترس كل منهم خلف جهاز حاسوبه المحمول (اللاب توب)، وترتفع الاصوات في مناقشات لا تنتهي عن الاوضاع في سورية. ويقول وائل الفار، احد الرواد، وهو متعهد تموين للمطاعم: «يبدو أن مقاهي خليج زيتوني استفادت من الازمة في سورية، ففي اوقات التوتر يبدي اللبنانيون رغبة أكبر في الأكل والشرب والانفاق».

تويتر