توقعات بدخول العلاقات المصرية - الإسرائيلية «الطريق التركي»
تعهدت مجموعة من المحتجين المصريين بأن تطلي نصباً تذكارياً لقتلى إسرائيل في حرب 1973 بألوان العلم المصري، مع كتابة عبارة «سيناء.. مقبرة الغزاة»، في ذكرى اليوم الذي استعادت فيه مصر شبه جزيرة سيناء من إسرائيل.
وستكون هذه البادرة واحدة من أبرز مظاهر التعبير العلنية عن الغضب من إسرائيل منذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك، ويمثل ظهوراً للعداء الذي يشعر به كثير من المواطنين المصريين تجاه إسرائيل، الذي ظل مكبوتاً زمناً طويلاً.
لكن في حين أن بعضاً من نوعية جديدة من الساسة الذين ظهروا بعد الثورة يسعدهم جداً استغلال هذه المشاعر، لاتزال هناك أسباب قوية تجعل زعماء التيار الرئيس غير مستعدين لاحراق كل «المراكب» مع إسرائيل.
وقال رئيس جماعة «ثوار سيناء» سعيد القصاص «نقول أنه بعد قيام ثورة 25 يناير سقط النظام، وسقط معه كل ما يتعلق بالمعاهدات والبروتوكولات».
وتعهدت جماعته بتغطية صخرة ديان، وهي صخرة عالية نصبت في الصحراء وحفر عليها أسماء الطيارين القتلى من القوات الجوية الإسرائيلية.
وقال دبلوماسي غربي رفيع إن الجيش والإسلاميين من التيار الرئيس وغيرهم من الساسة البارزين يدركون مزايا إبقاء معاهدة السلام التي جعلت الهدوء يسود الحدود طوال 30 عاماً. ومضى يقول «لكن ليس هناك أي قدر من التراجع داخل المجتمع على نطاق أوسع»، مضيفاً أن هذا قد يشجع الإسلاميين على اختبار مدى دفع حدود هذه العلاقات.
وقال الباحث من معهد بروكينجز الدوحة شادي حميد «تتعلق الديمقراطية بالاستجابة لنبض الشارع، ونبض الشارع ليست لديه رغبة تذكر في الإبقاء على علاقة حقيقية مع إسرائيل». وأضاف أن «مصر من الممكن أن تتبع خطى تركيا، التي تدهورت فجأة علاقاتها التي كانت وثيقة للغاية مع اسرائيل، بعد أن قتلت قوات كوماندوس اسرائيلية تسعة من النشطاء الأتراك في مايو عام 2010 بعد مهاجمة سفنية كانت تحمل مساعدات إلى قطاع غزة».
وقال «ما يجب على الناس التركيز عليه هو كيف ستغير التطورات الداخلية في مصر سياستها الخارجية. أعتقد أن النموذج هنا ربما يشبه نوعا ما طريقة تعامل تركيا مع اسرائيل، وهو الإبقاء على التعاون الدبلوماسي، لكنْ هناك قدر كبير من الانتقادات لاسرائيل واللفتات الرمزية».
ومن بين تلك البوادر قرار هذا الأسبوع بإلغاء اتفاق مدته 20 عاماً تم التوصل إليه عام 2005 لتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى اسرائيل، ولقي القرار إشادة من المصريين، لكن كلا الجانبين قال إن الخلافات التجارية وليست السياسية وراء هذه الخطوة.
وقال الأستاذ بجامعة تل أبيب أوزي رابي، إن قرار اتفاقية الغاز يشير إلى أن المنطقة أصبحت «تصغي أكثر للشارع».
وأضاف: «نحن في خضم تدهور مستمر للعلاقات الاسرائيلية المصرية. علينا أن نأمل أن تتغلب المصالح على لغة التصعيد».
وكانت اتفاقية الغاز تلقى انتقادات منذ زمن طويل من الإعلام المعارض ومن المواطنين، حتى عندما كان مبارك�في منصبه. وقالوا إن الغاز كان يباع بثمن بخس، وإن بطانة مبارك هي التي كانت تحصد كل المزايا. وتعرض خط الأنابيب لهجمات متفرقة، لكن عدد الهجمات تصاعد منذ الانتفاضة التي أطاحت بمبارك، وتم تفجير هذا الخط 14 مرة في تلك الفترة، ما أدى إلى وقف تدفقه أغلب الوقت، كما حوكم مسؤولون وأفراد سابقون في نظام مبارك كانوا وراء الاتفاقية بتهمة الفساد. وسارع الإسلاميون الى الإشادة بإلغاء اتفاقية الغاز، وكانوا الأكثر انتقاداً لاسرائيل، لكن هذا الانتقاد يصدر عن الساسة من كل التيارات السياسية في البلاد.
وقال القيادي المتحدث باسم جماعة الاخوان المسلمين محمود غزلان «هي مجحفة للطرف المصري في نصوص كثيرة، هي تقيد السيادة المصرية على سيناء كلها، وتمنع الحكومة المصرية من إنشاء مطار سواء كان عسكرياً أو مدنياً». لكنه قال إن كل المعاهدات سـ«تحترم».
وأشار إلى قيود فرضت على حجم القوات المسموح بوجودها في سيناء منذ أن أتمت إسرائيل الانسحاب من المنطقة في الثمانينات، كما شكا من السماح بدخول الاسرائيليين إلى تلك المنطقة المصرية من دون تأشيرات.
وتبرز الصراحة التي يتحدث بها الساسة المصريون شعوراً عميقاً بالغضب تجاه إسرائيل، لكنه يظهر أيضاً رغبة منذ الإطاحة بمبارك في التأكيد على الهوية، وإنهاء ما اعتبره كثيرون خضوعاً من جانب الرئيس السابق لسياسات الولايات المتحدة والغرب. وكثيراً ما يتردد في الخطاب السائد حالياً الحديث عن استعادة «كرامة» مصر. ويهدد أي خطأ في الحسابات بإثارة غضب الساسة الأميركيين الذين سرعان ما سيحتشدون للدفاع عن اسرائيل، وأيضاً إغضاب جهات مانحة رئيسة لها قوة كافية لإبعاد الاستثمارات والدعم الدولي.
وقال حميد من معهد بروكينجز الدوحة «الأمر لا يتعلق بالسياسات الصريحة أو خطة رئيسة ما يملكها الاخوان، لكن كيف أن إصدار أحكام خاطئة يؤدي إلى إصدار أحكام خاطئة أخرى»، مضيفاً أن هناك احتمالاً في أن تسيء مصر أو إسرائيل أو الولايات المتحدة الحكم على الأحداث. وأبدى بعض المسؤولين الاسرائيليين مؤشرات قلق متزايدة وهم يرقبون تطور الأحداث في مصر.
وقال عاموس جلعاد وهو مساعد كبير لوزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك هذا الشهر إنه كان «قلقا» على مستقبل العلاقات مع مصر، وقال إنه «ليس متأكداً» من مدى التزام جماعة الاخوان بالسلام في الخروج عن الموقف المعتاد المتفائل بحذر». ونقلت صحيفة اسرائيلية عن وزير الخارجية افيجدور�ليبرمان، قوله إن مصر أكثر خطورة على اسرائيل من إيران التي تتهمها الدولة اليهودية بالسعي لصنع أسلحة نووية. ولم يؤكد ليبرمان تلك التصريحات عندما سئل لاحقا.
ووصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الوضع في سيناء بأنه «يشبه الغرب الاميركي»، في إشارة إلى وضع منطقة الغرب الأميركي خلال فترة غاب فيها القانون.
وتدرك اكثر الأصوات معارضة لاسرائيل داخل مصر فيما يبدو «الخطوط الحمراء» التي يجب عدم تجاوزها في ما يتعلق بمعاهدة السلام التي أعادت لمصر سيناء المليئة بمنتجعات سياحية فاخرة مطلة على البحر الأحمر يختلط فيها سياح إسرائيليون بزوار آخرين.
وقال القصاص إن جماعة (ثوار سيناء) كانت ترغب في بادئ الأمر في تدمير صخرة ديان لكنها قالت إنها ستطليها فقط بألوان العلم المصري وإن هذا سيكون كافيا. وقال القصاص «سنكتفي بذلك... لكننا ندعو لإزالتها».