الجزائر تغلـق الباب أمام «الربيع العربي»
في الشمال الشرقي من الجزائر استطاعت تونس أن تسقط أسرتها الحاكمة البغيضة، وأضحت نموذجاً للانتقال الديمقراطي السلس، والى أقصى الشرق تمكنت ليبيا من إزاحة (الزعيم السابق معمر) القذافي على الرغم من انها لاتزال تكافح في الوقت الراهن من اجل الاستقرار، وفي ذات الوقت تموج مصر في حالة من الفوضى، وإلى الغرب من الجزائر أصدر الملك المغربي محمد السادس تفويضاً بتشكيل حكومة منتخبة يقودها الاسلاميون للمرة الاولى في التاريخ.
وفي الوقت نفسه، فشلت الأحزاب الاسلامية الجزائرية التي شاركت في الانتخابات البرلمانية الخميس الماضي في استثمار موجة الربيع العربي، ولم تحقق نتيجة تستطيع بها اللحاق بركب الاسلاميين الذين سيطروا على سدة الحكم في الدول المجاورة. ويتساءل البعض عن عدم خروج الجزائريين الى الشوارع على غرار الدول الاخرى التي شهدت الربيع العربي.
لقد ظل الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي يتزعم جبهة التحرير الوطني منذ عهد الاستقلال، والبالغ من العمر 75 عاماً، على رأس السلطة لـ13 عاماً، حيث استطاع أن يؤمن لنفسه ولاية ثالثة عام 2009 بعد ان غير الدستور ليسمح له القيام بذلك، كما استطاع أن يحرز 90٪ من عدد الأصوات في تنافس مع خمسة مرشحين، ووصف الخصوم الانتخابات آنذاك بـ«تسونامي هائل من التلاعب وصل إلى نطاق صناعي».
ولاتزال البلاد تديرها مجموعة متآلفة من المدنيين والعسكريين الذين يصنعون القرارات من ضمنها ما يتعلق بنتائج الانتخابات بعيداً عن مرأى الاعلام، وعلى الرغم من أن تركيبة هذه الدائرة الداخلية التي يطلق عليها «السلطة» تغيرت قليلاً على مر العقود، فإن المبادئ ظلت كما هي، ولهذا السبب وباختصار لم يحدث ربيع عربي في الجزائر، فإذا كانت البطالة بين الجامعيين تعتبر السبب الرئيس للثورة في تونس، فإن الجزائر تعاني الامراض نفسها لكن مع اختلاف في الاسباب.
وتساعد عائدات الهيدروكربون التي تمثل 70٪ من مجموع الضرائب النخبة الحاكمة على الاستمرار في الهيمنة على السلطة، وفي الوقت نفسه لا توفر صناعة النفط والغاز على الاراضي الجزائرية فرصا للعمل إلا لواحد من كل 100 مواطن. وتشير ارقام صندوق النقد الدولي إلى أنه على الرغم من انخفاض معدل البطالة بشكل ملحوظ في العقد الماضي الى نسبة 10٪ بسبب تدني معدل المواليد، فإنها - أي البطالة - تظل عالية وسط الشباب الجزائري بمعدل 21٪.
تمخض عن انتحار البائع التونسي، محمد البوعزيزي في ديسمبر 2011 نسخ عديدة من الانتحارات ومحاولات الانتحارات المماثلة في المدن الجزائرية، ولعل مأساة حمزة رقلة من أحدث المآسي في هذا الصدد، فقد أشعل النار في نفسه بعد أن صادرت الشرطة الطاولة التي كان يبيع عليها بضاعته في مدينة جيجل الساحلية، وتوفي الشاب بعد أن عانى الحروق ليومين، وأدى ذلك الى اشتعال التظاهرات في الشوارع الى ان طلبت أسرة حمزة، بإيعاز من السلطات، من المتظاهرين الهدوء.
وتتوالى الاحداث في الجزائر انعكاساً لما يحدث في تونس المجاورة فكل يوم ترد أنباء عن إغلاق المجتمعات الريفية الفقيرة للطرق مطالبة بتوفير المياه وإمدادات الغاز والسكن الكريم. ويستعر الجدل في هذا البلد النفطي حول المبررات التي تجعل الناس يعيشون في مدن عشوائية بعد نصف قرن من نيل البلاد استقلالها من المستعمر الفرنسي عام .1962
ومع كل هذه الأسباب والمبررات يتساءل البعض عن عدم زيارة الربيع العربي لهذه البلاد مثلما هو الحال مع جيرانها، وكما اشار المعلقون كثيراً فإن المواطنين لايزالون مصدومون بما جرى لهم من كوابيس في تسعينات القرن الماضي التي قضى فيها أكثر من 100 ألف مدني، وبدأ ذلك الصراع الداخلي عام 1992 عندما تحرك الجيش للحيلولة دون وصول الإسلاميين للسلطة في انتخابات بدا فوزهم فيها مؤكداً. ومع حلول 1999 وصلت حصيلة القتلى الى 70 ألف مدني، وارتفع العدد الى 150 ألفاً وأكثر من ذلك بعد ان تولى بوتفليقة زمام الامور في البلاد، ولهذا السبب بدا الجزائريون ينبذون أي وسيلة من وسائل العنف للوصول إلى الديمقراطية.
يضاف الى ذلك، وكما عبر بعض الناخبين، أن عهد بوتفليقة شهد بعض التحسن في الوضع الاقتصادي ونهاية العنف، فقد شيدت الحكومة مساكن جديدة ووفرت مساكن للطلبة، كما صارت النساء المطلقات يحصلن على ترتيبات مالية أفضل من ذي قبل، وتقدم الحكومة مساعدات للشباب العاطل لتأسيس عمله الخاص به. ويبدو بوتفليقة ضعيفاً باستمرار ولا يجتذب حزبه سوى أصوات الجيل القديم، بيد انه استطاع ان يتحاشى معظم الانتقاد الحاد الموجه الى رئيس وزرائه أحمد أويحيى.
ولاتزال الدوائر الحاكمة هي التي تحدد القدر الأعظم من النغمة الإعلامية، بما في ذلك القناة التلفزيونية الوحيدة المملوكة للدولة. وشهد العام الماضي تعديلاً لقانون الصحافة، حيث أقر القانون الجديد عدم حبس الصحافي اذا تحاشى بعض الخطوط الحمراء في تعليقه على حالة الدولة، إلا ان الغرامة الهائلة التي حلت محل الحبس أصبحت رادعا كافيا للصحافي في عدم تطرقه لمثل هذه الموضوعات. ولايزال طاقم قناة الجزيرة محظوراً من العمل داخل الجزائر كما كان عليه الحال في الايام الاولى من عهد بوتفليقة.
وعلق أويحيى على الربيع العربي الاسبوع الماضي قائلاً «لا حاجة لنا لدرس في الديمقراطية نستقيه من الربيع العربي، لأن ربيعنا هو الجزائر»، وأضاف أن الحديث عن التغيير الذي تطرحه بعض الأحزاب في حملاتها الانتخابية سيجعل البلاد تنزلق مرة أخرى للموت والدمار الذي حدث في التسعينات، وربما وفر الفرصة لقوى أجنبية خبيثة للسيطرة على السيادة الوطنية كما هو حال حلف شمال الأطلسي مع ليبيا.