نتنياهو يستطيع التحــرك بقوة تجاه السلام وإيران معاً
يعزز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتفاق تشكيل الائتلاف الجديد الذي توصل اليه مع قادة حزب «كاديما» التوقعات بأنه يرسي الأسس للتمهيد لضربة عسكرية ضد إيران، بينما يتوقع فريق الحمائم من الاسرائيليين أن الحكومة الائتلافية الجديدة التي تتمتع بأغلبية مريحة في الكنيست في موقع جيد لاعادة فتح مفاوضات السلام مع الفلسطينيين.
وفي واقع الأمر، فإن هذين الأمرين ليسا من أولويات نتنياهو وحليفه الجديد زعيم حزب «كاديما» شاؤول موفاز، إذ تتقدم عليهما سلسلة من القضايا الداخلية في السياسة الاسرائيلية. ووجد نتنياهو نفسه في وضع يفضل فيه إطالة عمر بقائه في السلطة 18 شهراً حتى الموعد الرسمي المقرر للانتخابات التشريعية، بدلاً من تنظيم انتخابات مبكرة في الخريف المقبل. ويبدو أن نتنياهو وموفاز اتفقا على اعطاء الاولوية لجملة من الاصلاحات في القضايا الداخلية التي لها الاولوية في الأشهر المقبلة، منها تحسين الخدمات الوطنية للشباب المتدينين وإصلاح النظام السياسي، بحيث يتم تقليل القوة والنفوذ اللذين تتمتع بهما الأحزاب الصغيرة. حقاً، صحيح القول إن حكومة اسرائيلية جديدة مستقرة وتتمتع بأغلبية مريحة في الكنيست ستفكر جدياً، وتكون مستعدة لشن هجوم على ايران او إعادة إحياء مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، ويبدو أن نتنياهو أصبح في وضع جيد يمكنه من التحرك في أي من الاتجاهين، لكنه سيعتمد على التطورات والاحداث خارج اسرائيل وليس داخلها.
وأول هذه التطورات ما ستخرج به نتائج المحادثات بين ايران والولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى حول البرنامج النووي الايراني، فإذا ما نجحت المفاوضات في هدفها المبدئي الاول وهو وقف محاولات ايران الوصول الى المستويات المتطورة من تخصيب اليورانيوم ووقف الانشطة النووية، فإنه سيصعب على نتنياهو الدفاع عن شن هجوم على ايران وتبرير ذلك حتى أمام حكومته، وإذا فشلت واستمرت ايران في انشطتها النووية فستكون لدى اسرائيل حكومة مستعدة للحرب.
ويرى فريق من المحللين أن نتنياهو خبير متمكن في المناورة والترويج لمفهوم التهديد المتنامي لإسرائيل بسبب الطموحات النووية لايران، إذ مكنته شعبيته الاسبوع الماضي من مفاجأة المراقبين السياسيين بالتوصل الى ائتلاف قوي مع «كاديما» الذي كان مستميتاً للغاية لهذا التحالف مع نتنياهو لتجنب الخسارة في الانتخابات العامة المقبلة.
ولطالما اعتبر كثير من المحللين التلويح الاسرائيلي بضرب إيران خدعة القرن، لكن نتنياهو مقامر بارع وحقق مكاسب عدة، منها انه نجح في دفع أميركا وحلفائها الغربيين إلى فرض عقوبات على طهران، وبشكل أكبر مما كان يتوقعه الايرانيون، فيما كانت دول عدة تفضل تضييقا اقتصاديا على ضربة عسكرية لا يعلم عواقبها الاقليمية والدولية الا الله.
كما حققت اللهجة التي اعتمدها نتنياهو مكسباً آخر، واستطاع تحويل الانتباه العربي والعالمي عن مسألة المضي في توسيع وبناء المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية وإشغال العالم بالمخاوف من ضرب اسرائيل لايران أو عدم ضربها لها. من جانبها، جنت الولايات المتحدة بدورها فوائد من سياسة نتنياهو بشأن ايران اهمها إبقاء القضية الفلسطينية خارج الاجندة الدولية، إذ كان ذلك مفيداً للرئيس باراك اوباما مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأميركية، فالتعامل مع الملف النووي الايراني وعلى الرغم من كل ما فيه من صعوبات وتعقيد يبقى أفضل قليلاً من التعامل مع القضية الاكثر تعقيداً، ليس في الشرق الاوسط، بل في العالم وهي القضية الفلسطينية.
وبالنسبة لمحادثات السلام مع الفلسطينيين فقد أشار زعماء الائتلاف الاسرائيلي الجديد الى أن هذا الموضوع سيكون واحداً من اربع اولويات لهذا الائتلاف. ولدى موفاز خطة من مرحلتين لاقامة الدولة الفلسطينية، بينما عبر نتنياهو في 2009 عن موقف متقدم يؤيد فيه دولة فلسطينية مترابطة. وقد حاول الرئيس الفلسطيني محمود عباس تجنب التعامل مع نتنياهو الذي أبدى اصراراً على مواصلة الانشطة الاستيطانية في الضفة الغربية، إذ كان عباس يراهن على ان نتنياهو سيترك منصب رئيس الوزراء أو يخسره في وقت قريب، غير ان الايام اثبتت خطأ ما راهن عليه عباس، وطال انتظار الفلسطينيين لولادة حكومة تكون ثمرة طبيعية لعملية المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» وتمهد لانتخابات تشريعيـة ورئاسية.
وينبغي لأوباما أن يمارس ضغطا على عباس للقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات لاختبار نيات نتنياهو مجدداً ووضعها على المحك.