تظاهرات محدودة.. والقمع يعد «لطيفاً» بمقاييس الشرق الأوسط
حكومة الطراونة تأمل تفادي «الربيع العربي»
على الرغم من أنه كان في يومه الثاني في السلطة، إلا أن رئيس الحكومة الأردني الجديد، فايز الطراونة، كان يعيش أوقاتاً صعبة نتيجة سيل المتظاهرين الخارجين من المساجد، الذين كانوا يصرخون بشعارات مناوئة له، وضد الفساد، وارتفاع الأسعار وعملية السلام مع إسرائيل.
ولكن يبدو ان الطراونة ليس في وضع صعب يدعو للقلق، إذ إن بضعة مئات من الأشخاص تظاهروا في بداية الشهر الجاري لمهاجمة الحكومة، هي رابع تظاهرة من نوعها خلال 18 شهراً. وعلى الرغم من ان سورية نازفة ومصر تواجه اول انتخابات رئاسية في مرحلة ما بعد الثورة، الا ان النخبة السياسية في الأردن تقوم بلعبة تقول عنها المعارضة السياسية انها «لعبة الكراسي الموسيقية».
ولايزال تعداد المحتجين في العاصمة عمان، وفي اماكن اخرى، صغيراً، كما انهم لايزالون مسالمين، في حين ان حالة القمع التي تقوم بها الدولة تعد لطيفة بمقاييس الشرق الأوسط. وقالت الناشطة الشابة في المجتمع المدني، ايمان جرادات «صحيح انه ليس هناك الكثير من العنف لأن الأردن لم يصل الى نقطة التحول، لكن اعتقد ان ذلك سيحدث لاحقاً».
ويبدو ان المزاج الرسمي لايزال متفائلاً، وأكد مستشارو العاهل الأردني، عبدالله الثاني، أنه لايزال داعماً بكل طاقته للإصلاحات التي تتمثل في تشكيل لجنة انتخابات مستقلة، وإصدار قوانين جديدة وانتخابات برلمانية مع نهاية العام الجاري. ويتغنى الموالون بشأن «النسمات اللطيفة» لـ«الربيع العربي» التي تهب في شتى انحاء المملكة، وبـ«الطراز الأردني للتغيير المنضبط».
ويبدو ان دور الطراونة، وهو رئيس حكومة سابق، يتمثل في ان يقوم بتسريع وتيرة الأمور. وقال مدير وزارة التنمية السياسية، مالك الطوال «أنا مقتنع بأن جلالته لديه رؤية، والانتخابات ستحدث، لأننا لا نستطيع تحمل تبعات عدم حدوثها، من اجل استقرار الدولة واستمرارية النظام».
ولكن هناك من تساورهم الشكوك بتعهدات الملك، وقال الخبير السياسي، محمد المصري «تظهر النتائج حتى الآن ان الإصلاحات ليست جدية».
وقال علي أبوسكر من جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لـ«الإخوان المسلمين» افضل المنظمات السياسية تنظيماً في الأردن «لا نزال نراوح مكاننا»، واعترف المدون نسيم الطراونة بأنه لا يدري ما اذا كان الملك جاداً. وقال «إذا كان يريد الإصلاح أو لا فإنه والجميع في الدولة يريدون الاستقرار»، وأضاف أنه «إذا كان ذلك يعني التضحية بالإصلاح فإنه لن يتردد في ذلك. والاستقرار يعني شراء اطول قدر ممكن من الوقت».
وفي واقع الأمر فإن الانتخابات لن تحل الأزمة الاقتصادية الطاحنة في الأردن الذي يعتمد بشدة على المساعدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية. وتقول بعض الأمثال الساخرة إن الأردن لديه «ميزانية كافيار» في حين ان الشعب بالكاد يتحمل العيش على الحمص والفلافل. وفي عام 2012 كان 12٪ من سكان الأردن يعيشون تحت خط الفقر. الا ان منطقة غرب عمان المعروفة بأسواقها الجميلة وفللها الفخمة والخادمات الفلبينيات، تعد استثناء.
لكن شد الأحزمة على البطون ينطوي على الكثير من المخاطر لأن القطاع العام الأردني الكبير يقدم اسباب الرزق لنحو 40٪ من سكان الأردن البالغ تعدادهم 6.5 ملايين نسمة. وكانت زيارة الملك للمناطق القبلية، التي حملت الوعود بإيجاد المزيد من فرص العمل في الشرطة والجيش، تهدف الى إظهار انه لايزال يلجأ الى الفئة الأكثر ولاءً له. وأبلغ الملك عدداً من اعضاء قبيلة الحويطات، بعد ان رافق عدداً من الجنود البدو الذين كانوا يركبون الجمال والخيل، بجوار موكبه المؤلف من سيارات «لاند كروزر» سوداء: «أنتم رموز النبل والشجاعة».
وتتفاقم الأزمة في الطفيلة، وهي بلدة في الجنوب، شهدت احتجاجات من قبل «الحراك»، وهي حركة تعبر عن «الكرامة المهدورة» وهي المسألة التي توحد الانتفاضات العربية جميعها.
وبلغت نسبة البطالة نحو 30٪ على المستوى الوطني، وهي مرتفعة بين الخريجين، وليس هناك اي اشارة إلى الثروة التي تأتي من مناجم البوتاسيوم التي تمت خصخصتها حديثاً. وكان اعتقال عدد من الناشطين القبليين المتهمين بإهانة الملك، يعد استثناء لسياسة «الاحتواء الناعم» التي تديرها المخابرات. وجرى الإعفاء عن 20 منهم بعد ان قام وجوه القبيلة بزيارة للملك.
وفي قمة الأسباب التي تؤرق الشعب الأردني يتربع الفساد. ويقول داوود كتاب، الذي يدير اذاعة «بلد»: «قبل خمس سنوات لم يكن احد من المستمعين يجرؤ على التحدث في الموضوعات السياسية، لكن الآن نحن نستمع عن الفساد على الهواء مباشرة في كل الأوقات».
وحتى الملك نفسه بات يتعرض للانتقاد أحياناً بسبب البطء في الإصلاحات. وتقول الرواية الرسمية ان الإصلاحات يجب ان تأخذ في اعتبارها خصوصية الأردن وتعقيدات الوضع الإقليمي. ويقول الطوال «ثمة جدل ونقاش كبير عن الملكية الدستورية وعن ان الإسلاميين لن يشاركوا في الانتخابات الا اذا تم تقليص صلاحيات الملك، لكن معظم الشعب الأردني لا يريد ان يسمع كلمة واحدة تتعلق بالمساس بسلطات الملك». وهذ يفسر ان هذه الخصوصية تتعلق بالعلاقات الحساسة دائماً بين الاردنيين والأردنيين من اصل فلسطيني، الذين يشكلون 50٪ من السكان. وهذا يثير المخاوف لدى الذين يعتقدون ان ثمة خطة اسرائيلية تهدف الى ضم الضفة الغربية وتحويل الأردن الى «وطن بديل» للفلسطينيين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news