بريطانيا تمتنع عن إدانة التطرف الإسرائيلي
تزايدت في الفترة الأخيرة الممارسات والتصرفات الإسرائيلية التي تقوض الآمال في حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على أساس صيغة الدولتين، فالتوسع في بناء مستوطنات جديدة، وفي اضافة وحدات وأحياء الى المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، مستمر على قدم وساق، بينما يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين ظروفاً اقتصادية صعبة، ويعانون تقييد حريتهم في الحركة. كما تمعن اسرائيل في طرد المواطنين الفلسطينيين من ديارهم، وتدمير منازلهم في مختلف أحياء القدس الشرقية، ويمضي المستوطنون في استفزازاتهم ضد الفلسطينيين ويعتدون عليهم وعلى ممتلكاتهم. كما أن الأسلوب الذي تتعامل به إسرائيل مع المعتقلين الفلسطينيين في سجونها يظهر «بربرية الدولة». ومما يلفت الانتباه الموقف العدواني الذي يستحق الإدانة للبريطانيين المتحمسين دوماً لإسرائيل، والمدافعين عما تقوم به، فهم يرفضون ادانة سلوك إسرائيل «فلم نسمع أي إدانات في برلماننا، يقولون إنه يجب أن تكون لدينا حرية تعبير لكن هذا الحق لا يطرح أبداً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل». والحزب القومي البريطاني ورابطة الدفاع الإنجليزية يمكنهما نشر سمومهما العنصرية ضد المسلمين وغيرهم من الجاليات والأقليات بكل بحرية، أما البارونة جيني تونغ، فقد تعرضت لعاصفة من انتقادات الصهاينة وجماعات الضغط الموالية لهم، ومن حزبها (الديمقراطيون الأحرار) الذي استقالت منه، عندما قالت إن إسرائيل «لن تستمر للأبد بالشكل الذي هي عليه الآن». ولابد من لفت الأنظار الى عواقب التناقض بين الأفكار والواقع، فالبعض تربى في الغرب وقد امتلأ حماسة وشعارات عن الحرية والديمقراطية والنزاهة والعدالة، ثم يرى بعينيه الخيانة الصارخة لهذه المبادئ التي يعانيها الفلسطينيون. ونشر الصحافي الاستقصائي اليهودي، ديفيد روز، سلسلة حكايات واقعية عن معاناة اسرتي الأسيرين الفلسطينيين المضربين عن الطعام ثائر حلاحلة (34 عاماً) وبلال ذياب (27 عاماً)، وكيف يتم ترهيب اولادهما وبناتهما الصغار من قبل سلطات السجون الإسرائيلية، حينما يقومون بزيارتهما، وهو ما عانته عائلات ثمانية آخرين من المعتقلين الفلسطينيين. ولم تتعرض جماعات الضغط الصهيونية في بريطانيا لأي ضغوط لإدانة معاملة الأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم. كما يبدي صناع الرأي في الغرب قدراً كبيراً من اللامبالاة إزاء ما تقوم به اسرائيل من تصرفات واعمال تلقى انتقاداً متزايداً، حيث امتنعوا عن ادانة هذه الأعمال.
وتعيد معركة «الأمعاء الخاوية» التي خاضها الأسرى الفلسطينيون، من خلال اضرابهم عن الطعام، الى الأذهان اساليب الزعيم الهندي الراحل، المهاتما غاندي، الذي علّم مفاهيم في المقاومة السلمية السلبية. وحتى قبل اسبوع مضى لم اكن اعرف ان ما لا يقل عن 700 ألف فلسطيني تعرضوا للاعتقال منذ عام ،1967 ولم يكونوا جميعهم مذنبين او يستحقون، فليس جريمة ان تكون فلسطينياً تطالب بالمساواة والحرية وبحقوقك، لكنه كذلك جريمة عند غلاة الإسرائيليين ومتطرفيهم. فإسرائيل محصنة ومحمية ضد حزب مختص بالمراقبة والانتقاد بسبب المخاوف من أن أي انتقاد يندرج في سياق «معاداة السامية» و«مناهضتها». وقد حذر موفد اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط، توني بلير، من أن وفاة بعض الأسرى الفلسطينيين بسبب تدهور احوالهم الصحية نتيجة الإضراب عن الطعام، قد يفجر انتفاضة فلسطينية جديدة، وحث المسؤولين الإسرائيليين على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع حدوث تداعيات خطيرة تؤثر بقوة في الاستقرار والأمن. ويمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ان يجادل بكل قوة، بالقول ان اعتقال الفسطينيين اعتقالاً إدارياً يتم تمديده عدداً غير محدود من المرات من غير محاكمة، يشبه تماماً وضع المعتقلين في «غوانتانامو»، فأميركا واسرائيل سواء في هذه المسألة. ولا شك في ان بلير محق في مخاوفه وهواجسه، ففي كل اضراب عن الطعام يموت فيه سجناء مضربون يزداد شبان عرب ومسلمون تطرفاً ليتحولوا الى قتلة ومنفذي تفجيرات، بل ان بعضهم نشأ وتربى وتعلم في الغرب وتشرب قيم الحرية والديمقراطية والعدل، وشاهد بأم عينه خيانة الفلسطينيين، والفارق المهول بين المبادئ والواقع، بل ان بعض هؤلاء يشطون بعيداً في تطرفهم اكثر من الفلسطينيين الذين لهم توقعات وآمال منخفضة ومتواضعة وقليل من الخيالات والأوهام. نريد حق الوجود لإسرائيل، لكنها تتحول بشكل تدريجي لكي تصبح عدوة لنفسها.
ياسمين البهائي براون - كاتبة ومحللة في «الإندبندنت» والمقال منشور في الصحيفة