القوات المسلحة تفتقد 20٪ من كبار ضباطها
شكوك حول قوة تركيا الديمقراطية والعسكرية
تقدم تركيا نفسها للشرق الأوسط والعالم نموذجاً ديمقراطياً يتمتع بقوة عسكرية، لكن هناك من المؤشرات والمعلومات ما يثير الشكوك في هذه الصورة، فاللاجئون السوريون يجلسون أمام خيامهم في مخيم «ريحانة»، في إقليم «هاتاي» التركي المتاخم للحدود مع سورية، وحذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سورية، أخيراً، من انه يجب عليها إدراك عواقب انتهاكها المتكرر للحدود وان الموقف التركي لن يستمر كما هو عليه، كما تم أخيراً اعتقال احد كبار قادة الجيش التركي.
وحثت تركيا التي تعد نموذجاً للديمقراطية في بلد، الأغلبية الساحقة من سكانه مسلمون، الرئيس السوري بشار الاسد على التنحي والمعارضة السورية على توحيد صفوفها. كما لجأ عشرات الآلاف من السوريين الى تركيا قبل اكثر من عام وتعرضوا لإطلاق نار خلال التراشق عبر الحدود التركية - السورية. وقال أردوغان: «لدينا قوات مسلحة كبيرة وقوية، ويجب على سورية ان تدرك خطورة عواقب تكرار انتهاكاتها للحدود، لأن موقف تركيا لن يبقى ساكنا أو هادئا كما هو حالياً».
ولكن هل القوة العسكرية التركية قوية بالفعل؟ وهل تركيا هي النموذج الديمقراطي المطلوب على النحو الذي تستحضره أذهان الكثيرين؟ فإذا كان معيار قياس الديمقراطية بعدد الجنرالات والضباط الذين تم اعتقالهم فإن تركيا ستكون النموذج الديمقراطي الاكثر تقدماً.
واعتقال العسكريين في تركيا مستمر منذ سنوات ولكن بدأت في أبريل الماضي موجة جديدة تستهدف المتقاعدين من كبار الضباط. وتندرج هذه الموجة في سياق التحقيقات الخاصة بـ«انقلاب ما بعد الحداثة» في فبراير 1997 والذي ادى الى ملاحقة قضائية لحزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، أدت الى حظر نشاطه بتهمة القيام بأنشطة مضادة للتوجه العلماني الذي تسير عليه البلاد منذ قرابة القرن.
ولاتزال ذيول قضية اخرى تسمى «أرغينيكون » تتفاعل على الرغم من مضي وقت طويل على بدء محاكمة المتورطين فيها من كبار العسكريين والاكاديميين والسياسيين وناشطي حقوق الانسان والصحافيين والطلاب منذ ،2008 حيث يزيد عدد المتورطين على الـ250 شخصاً، ويواجهون اتهامات بالانتماء الى «شبكات عنف إرهابية» كانت تخطط للاطاحة بحكومة أردوغان، وإبعاد حزبه عن السلطة. و«سليدجهامر» اسم قضية أخرى تضمنت تحقيقات واسعة ومفصلة مع المئات من كبار ضباط الجيش في محاولة للاطاحة بالحكومة في ،2003 وهناك 180 منهم رهن الاعتقال قبل المحاكمة، بينهم الرئيس السابق لهيئة أركان القوات المسلحة التركي وقادة سابقون في سلاح البحرية والقوات الجوية.
وتتناقض كثير من عناصر هذه التحقيقات مع المبادئ التي تحكم الممارسة الديمقراطية وحكم القانون، إضافة الى أن معظم المتهمين يقبعون خلف قضبان السجن من غير صدور أي أحكام أو قرارات في القضايا المرفوعة ضدهم.
وأثار مجلس أوروبا أخيراً تساؤلات تبعث على القلق بشأن احتمال مضي وقت طويل قد يمتد لسنوات قبل توافر الادلة الدامغة التي تدين هؤلاء المتهمين، وان التحقيقات معهم قد تطول اكثر مما هو ضروري، ما يحرمهم فرصة التصدي قانونياً لاستمرار احتجازهم. وحذر الاتحاد الاوروبي في تقرير عام 2010 من أن قضية «أرغينيكون» وقضايا أخرى مرتبطة بها تثير شكوكا مقلقة حول الضمانات القضائية والقانونية للمتهمين. وتوصل خبراء في الطب الشرعي الى ان قسماً مهماً من الادلة التي استخدمت ضد المتهمين كانت مزورة ومشكوكاً في صحتها، وكل من يتحدث او يكتب عن هذه المخالفات يواجه في الغالب حملة تضليل وتعتيم ومن وسائل الاعلام الموالية للحكومة وحزب العدالة والتنمية.
صحيح ان العسكر في تركيا هم الذين صمموا وهندسو الحياة السياسية ورسموا شكل الحكومات وتركيبتها في العقود الماضية، وقاموا بأربعة انقلابات منذ ،1960 ويعتقد كثيرون أن المحاكمات الجارية للمتورطين في محاولة الانقلاب أصبحت آليات سياسية، يمكن للحكومة من خلالها إخضاع القوى المعارضة، ومهاجمة أي تهديدات للنفوذ المتزايد للحزب الحاكم.
ولا تخفي تركيا، التي تملك ثاني اكبر قوة عسكرية في حلف شمال الاطلسي ولديها أطول حدود برية مع سورية، تأييدها للجهود الدبلوماسية لإنجاح خطة (مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية) كوفي أنان لحل الازمة السورية، وتعتقد ان الحل العسكري سيكون فقط حال فشل الخطة في بلورة حل ما للأزمة. ويبدو أن الديمقراطية ومؤسساتها في تركيا وكذلك القوات المسلحة في حالة من الضعف والتقويض بسبب اتهامات غير ذات صلة بالاعتقال لفترة طويلة من غير محاكمة لكثير من المتهمين، وحملات التعتيم والتهميش التي يتعرض لها معارضو الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم. وقد يؤدي اعتقال مئات الضباط - منهم عدد كبير من قوات النخبة الخاصة - من قبل وحدات شرطة مكافحة الارهاب واستخفاف وسائل الاعلام الموالية للحكومة والحزب الحاكم بكبار الجنرالات، الى إضعاف الروح المعنوية والاخلاقية والانضباط في صفوف القوات المسلحة التي أصبحت تفتقد 20٪ من كبار ضباطها، ما يضع تلك القوات أمام تحد حقيقي حال قررت تركيا دعم عمل أو تدخل عسكري دولي في سورية. ويتعين على حزب العدالة والتنمية وحكومته بقيادة اردوغان التوقف عن تقويض وتعطيل حكم القانون بالتأكيد على فاعلية عمل المحاكم وأجهزة القضاء والشرطة في حدود الممارسة الديمقراطية المتعارف عليها، والتشديد على أن المحاكم لم توجد لاستهداف المعارضين لفلسفة حكومة أردوغان وحزبها وايديولوجيتهما. كما يجب على تلك الحكومة التأكد من انسجام أعمالها وحقائق ما تقوم به على الارض مع الديمقراطية ومعايير حقوق الانسان، وحديثها عن هذه القضايا في الخارج، إذا ما أرادت لتركيا ان تحافظ على نفوذها الديمقراطي في المنطقة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news