سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في طريقهم إلى الجنوب
فر نحو 35 ألف شخص، منهكين وجائعين، من القصف في ولاية النيل الأزرق السودانية، خلال الأسابيع الفائتة، متجهين إلى جنوب السودان، وتمكن كثيرون منهم من البقاء أحياء، عبر تناول جذور وأوراق النباتات أثناء رحلتهم.
وداخل إحدى عيادات منظمة «أطباء بلا حدود»، تقول هاوا جيما مرتشفة محلولا للترطيب، وسط جو من الحرارة الخانقة «أحضرنا معنا بعضا من نبات السورغو (أو السرغوم) والماء، لكننا وجدنا أنفسنا من دون طعام، واضطررنا إلى أكل أوراق الأشجار».
وانتقل هؤلاء الأشخاص إلى معسكر مؤقت، يطلق عليه اسم معسكر «الكيلومتر 18»، ويقع على بعد نحو 50 كلم من الحدود، بين دولتي السودان، ومرد هذه التسمية إلى وجوده على بعد 18 كلم من جمام، أقرب مخيم للاجئين.
وتضيف هاوا جيما «على الطريق أناس ميتون، بسبب نقص المياه، أو لشربهم مياهاً غير صالحة، بعضهم ماتوا لأن شدة ضعفهم منعتهم من السير». أما هاوا فكانت محظوظة، لأنها استطاعت، خلال فرارها مع عائلتها، إحضار بعض الجمال.
وليس بعيدا من هنا، يقوم فتى وشقيقته بتقشير جذع شجرة يافعة، ويضعان في فمهما بعضا من قطع الشجر البيضاء الطرية.
وتقوم انيما حسن عمر، القادمة لتوها إلى المخيم، الجالسة على بساط، بتنويم طفلتها الصغيرة، وحولها أمهات يطعمن أطفالهن الجياع أصحاب الركاب المحدبة، والبشرة العريضة جدا بالنسبة لأجسادهم النحيلة، مع معجون خاص للتغذية مصنوع من الفول السوداني.
وفقدت والدة خليفة، خلال الرحلة لدى توجهها للبحث عن مياه، واضطرت الطفلة للاكتفاء بشرب مياه آسنة، للبقاء على قيد الحياة.
وتروي جدتها «هربنا بسبب القنابل، تلك التي تلقيها (طائرات) أنتونوف، تلك التي بحوزة جنود على الأرض، وتلك الملقاة من بعيد (بالمدفعية الثقيلة)». وتضيف «خسرنا كل شيء، لم يعد لدينا شراشف، ولا ملابس ولا حتى دلو بلاستيكي». بعد ساعات قليلة، تم نقل خليفة إلى مستشفى للطوارئ في مخيم جمام، لإخضاعها لإعادة تغذية مركزة، لأنها غير قادرة على تقبل المياه، أو المعجون المصنوع من الفول السوداني، وبحسب المنظمة، غير الحكومية، فقد وصلت في حالة حرجة إلى عيادة معسكر «الكيلومتر 18».
أما علي عثمان، فيدل على جرح في ركبته، نتيجة إصابته بشظية قذيفة.
ويوضح عثمان، الذي هرب مع أطفاله الخمسة من قريته في جام بمقاطعة بو «خلال مغادرتنا، ألقى الجيش قنابل ضخمة، وجرحت في الركبة».
ويروي «خلال خمسة أيام لم يعد لدينا طعام، أكلنا أوراق أشجار، وشربنا ماء من أي نوع كان على طريقنا».
ولحق النقص، في الأغذية والماء، اللاجئين حتى المخيم. وتوضح الطبيبة في «أطباء بلا حدود» ارنا ريجنييرسي، إن «لدينا نقصاً في المياه، في تجهيزات الصرف الصحي وفي المراحيض، ما يتسبب في حالات إسهال عدة»
وتضيف «نشهد ارتفاعا كبيرا في عدد الاستشارات، أجرينا 500 منها الأسبوع الماضي، وهذا الأسبوع وصلنا إلى ،900 ولانزال في منتصف الأسبوع».
وبحسب «أطباء بلا حدود»، فإن مستويات سوء التعذية تتجاوز مستويات الخطر، خصوصا عند الأطفال دون السنوات الخمس، وقد يتحول الإسهال إلى سبب للوفاة، لدى اللاجئين الذين أضعفهم الوقت الذي امضوه، من دون طعام وعلى الطريق.
وتقول ريجنييرسي «تكونون ضعفاء أصلا، ليس لديكم ما تأكلونه، وأنتم لاجئون منذ أربعة أسابيع، إذا ما أصبتم بإسهال، فمن السهل اجتياز الخط الفاصل بين طفل طبيعي وطفل يعاني سوء تغذية».
وإلى ذلك يضاف عدم جهوزية الملاجئ ونقص الناموسيات، ما يؤدي إلى أمراض تنفسية، والملاريا لدى اللاجئين.
والآبار القليلة في معسكر «الكيلومتر 18»، تجف بسرعة، رغم الأمطار التي بدأت بشائرها، والتي ستجعل الطرقات إلى المخيم المؤقت غير سالكة.
وتتوقع الوكالات الإنسانية وصول عدد كبير، من اللاجئين الآخرين قريبا.
وتلخص ريجنييرسي الوضع بالقول «نركض في سباق مع ساعتين»، في الوقت معا.