الصراع العربي ــ الإسرائيلي مرشح للتحول إلى نزاع ديني

المتشددون الدينيون في إسرائيل وجه آخر لصعود الأصوليات. غيتي

لعقود من الزمان حذرت، أنا وأصدقائي، من أنه اذا تعصبنا في الوصول الى السلام فإن طبيعة الصراع ستتغير، وكتبت، انا نفسي، العديد من المقالات، مشيرا إلى انه اذا تغير الصراع من قومي الى ديني فإن كل شيء سيتغير الى الأسوأ. لقد بدا الصراع الصهيوني ـ العربي كصراع بين قوميتين كبيرتين ولدتا تقريبا في وقت واحد من رحم مفهوم القومية الاوروبية، وعلى وجه التقريب فإن جميع الصهاينة الأُول كانوا يعتنقون مبادئ الالحاد، ويستلهمون مفاهيمهم من الحركة القومية الاوروبية، ويستخدمون الرموز الدينية بشكل ساخر ـ من اجل تعبئة اليهود، وأيضا كأداة دعائية للأمور الاخرى.

أيضا كانت مقاومة العرب للاستيطان اليهودي ترتكز على مبادئ العلمانية والقومية العربية، وتعتبر جزءا من موجة القومية الناشئة في العالم العربي، صحيح ان زعيم المقاومة الفلسطينية هو مفتي القدس، الحاج امين الحسيني، لكنه كان في ذات الوقت زعيماً قومياً ودينياً يستخدم الدوافع الدينية من اجل تعزيز الدوافع القومية.

من المفترض ان يكون الزعماء القوميون قوميون بطبيعة الحال، وانهم صانعو حروب وصانعو سلام، وعندما يهدأ مزاجهم يلجؤون الى الحلول الوسط ويتحدثون لبعضهم بعضاً.

اما الصراع الديني فمختلف جدا، فعندما يتم إقحام الدين في كثير من الامور فإن كل شيءيصبح اكثر تشددا. وبالفعل فإن الله رحيم ومحب إلا ان المؤمنين به ليسوا كذلك. الدين والحلول الوسطى لا يتعايشان مع بعضهما بعضاً، لا سيما على ارض كنعان المقدسة.

اذاً، فقد اتخذ الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني منحى دينياً في كلا الجانبين، فقبل عام كتبت المؤرخة والراهبة السابقة، كارين ارمسترونغ، كتابا مستفزا للأفكار تحت عنوان «المعركة من اجل الله»، يتحدث عن الاصولية الدينية، فقد وضعت الكاتبة اصبعها على حقيقة مذهلة تتمثل في ان الاصوليين المسيحيين واليهود والمسلمين يتشابهون تماما.

واكتشفت المؤلفة من خلال بحثها في الحركات الاصولية في الولايات المتحدة واسرائيل ومصر وايران بأن تلك الحركات ظهرت في وقت واحد ومرت بالمراحل نفسها، وتعتبر هذه حقيقة واضحة طالما ان هناك تشابهاً ضئيلاً بين البلدان الاربعة والمجتمعات الاربعة.

ونخلص الى نتيجة مهمة هي ان هناك شيئاً من روح العصر يشجع مثل هذه المفاهيم، شيئا ليس له علاقة بالماضي السحيق الذي يمجده الأصوليون، بل له علاقة بالحاضر. فقد بدا التعصب الديني في اسرائيل في صبيحة حرب ،1967 عندما ذهب كبير حاخامات الجيش الاسرائيلي في ذلك الوقت، شلومو غورين، الى الحائط الغربي (المحرر حديثاً) ونفخ شوفاره ـ الشوفار في بوق ديني مكون من قرن كبش ـ وشبهه حينها البروفيسور يشايهوا ليبوتز بـ«المهرج حامل الشوفار»، واحدثت فعلته تلك صدى واسعاً في اسرائيل.

قبل حرب الأيام الستة ظهر الى الوجود الجناح الديني الذي انبثق عن الحركة الصهيونية، وبالنسبة للكثير منا كان الدين عبارة عن خرافة نتسامح معها ونحتقرها، ويستخدمها السياسيون لاكتساب منفعة. واعتقد البعض أن الانتصار السريع للجيش الاسرائيلي في تلك الحرب عبارة عن تدخل الهي، لهذا السبب ظهر الشباب المتدينون، وعليه تحرك المستوطنون وتسابقوا ليحتلوا كل تلة في الاراضي المحتلة، وعلى الرغم من ان الكثير من المستوطنين ذهبوا الى هناك لتشييد فيلا احلامهم على الارض العربية المسروقة، والتمتع بحياة راقية، إلا ان المتشددين كانوا يمثلون لب حركة الاستيطان فقد كانوا مستعدين لعيش حياة صعبة وخطرة لاعتقادهم بأن «الله شاء ذلك».

ويتمثل هدف المتشددين من الاستيطان في طرد جميع العرب من اراضيهم وتحويل «ارض كنعان» إلى دولة يهودية وفي الوقت ذاته تواصل قواتهم برامجها ضد «جيرانهم» العرب واحراق مساجدهم.

هؤلاء المتشددون يتمتعون الآن بنفوذ قوي في سياسية حكومتنا، ويتزايد اثرهم يوما بعد يوم، ولأشهر عدة، على سبيل المثال، ثارت البلاد ولم تهدأ بعد ان حكمت المحكمة العليا بإزالة خمسة مساكن في مستوطنة القدس، لأنها قامت على ارض مملوكة لعرب. وفي سعيه المميت لمنع التظاهرات وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ببناء 850 منزلاً جديداً في الاراضي المحتلة، ومثل هذه الامور تحدث دائماً.

وبعد تطهير البلاد من غير اليهود فإن الخطوة التالية للمتشددين هي تحويل اسرائيل الى «دولة الهالخا» وهي الدولة التي تحكمها القوانين الدينية مع إلغاء جميع القوانين التي اقرتها الديمقراطية والتي لا تتناسب مع العالم الديني والحاخامية.

منذ بداية الربيع العربي استطاع الإسلاميون الوصول الى كراسي الحكم بفضل الديمقراطية الوليدة، وبدا ذلك بالفعل قبل فترة طويلة عندما فازت حركة المقاومة الاسلامية حماس (التي هي في الاصل فرع من الاخوان المسلمين) بالانتخابات الديمقراطية التي راقبها العالم. بيد ان الحكومة الفلسطينية التي تمخضت عن تلك الانتخابات تعرضت للتدمير من قبل القيادة الاسرائيلية وأميركا وأوروبا.

الشهر الماضي فاز الاخوان المسلمون برئاسة الجمهورية في مصر، فالإخوان المسلمون هم عبارة عن حزب معتدل، على الرغم من ان لديهم جناح متشدد، واستطاعوا قدر الامكان التعايش مع الطغاة المصريين المتعاقبين ـ عبدالناصر والسادات ومبارك ـ على الرغم من ان هؤلاء الحكام حاولوا محوهم.

إلا ان الاخوان المسلمين ليسوا سوى حزب عربي مصري متجذر عميقا في التاريخ المصري، وهم بالتالي عرب ومصريون اكثر عن كونهم متشددين. لقد شهدوا خلال عمر حركتهم التي تمتد الى نحو 84 عاماً الكثير من الصعود والهبوط، الا انهم عمليون مع تمسكهم بمبادئ الدين، الامر الذي حدا بالكثير من الناخبين لاختيارهم دون مرشحين علمانيين آخرين مرتبطين بالفساد الذي اتصف به النظام السابق.

وربما ينعكس سلوكهم ذلك على تعاملهم مع اسرائيل، ففلسطين دائما في اعتبارهم، على الرغم من ان ذلك ينطبق على كل المصريين، ويعذب ضميرهم، لانهم يشعرون بأن الرئيس المصري الأسبق، انور السادات، خان الفلسطينيين، او اكثر من ذلك ان الصقر اليهودي، مناحيم بيغن، استطاع ان يخدع السادات ويستدرجه لتوقيع وثيقة لم يكن يتصورها السادات.

جميع جيراننا يتحولون تدريجيا الى اسلاميين. ولا يعني هذا بالنسبة لنا نهاية العالم، الا انه يضطرنا ولأول مرة في حياتنا الى فهم الاسلام والمسلمين.

ولقرون من الزمان كان للإسلام واليهود علاقات لصيقة متبادلة، فقد نعم اليهود بالسلام خلال سيطرة المسلمين على اسبانيا، فقد كان هناك موسى بن ميمون والكثير من الشخصيات اليهودية البارزة القريبة من الثقافة الاسلامية، والذين كتبوا بعضا من اعمالهم باللغة العربية، وليس هناك في الدينين ما يمنع التعاون بينهما. فإذا اردنا ان تتعايش اسرائيل وتزدهر في منطقة يحكمها الاسلاميون حكماً ديمقراطياً فعلينا ان نفعل ما فيه الكفاية لنستقبلهم كإخوان ونهنئهم على انتصاراتهم، وان نعمل من اجل السلام والمصالحة مع الاسلاميين المنتخبين في مصر والبلدان العربية الاخرى بما في ذلك فلسطين.

يوري أفنيري - ناشط سلام إسرائيلي

تويتر