السرسك: تعرّضت لضغوط لوقف الإضراب عن الطعام
لأنه اعتاد الروح الرياضية التي لا تقبل الهزيمة، صمد طويلاً أمام الاحتلال، وأجبره على خوض أشواط إضافية متعددة من الصبر أمام سياسات العزل والمعاناة والقهر داخل غياهب السجن حتى حقق انتصاراً تاريخياً، فبعد أن خاض الأسير الفلسطيني المحرر محمود السرسك أطول إضراب في تاريخ الحركة الأسيرة لمدة 96 يوماً احتجاجاً على ممارسات الاحتلال المذلة بحقه وبحق الأسرى الفلسطينيين، نال حريته وعاد إلى منزله في مدينة رفح جنوب قطاع غزة بعد غياب دام ثلاث سنوات قضاها أسيراً خلف القضبان.
وأمام صمود المحرر السرسك لم يكن أمام إسرائيل أي خيار سوى الإفراج عنه، لاسيما أمام إرادته القوية واستعداده لمواصلة الإضراب لأجل غير مسمى حتى ينال حريته ويوقف الاحتلال مسلسل المعاناة بحقه والأسرى.
وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت محمود السرسك في 22 من يوليو 2009 على معبر بيت حانون (إيرز) شمال القطاع، عندما كان متوجهاً إلى الضفة الغربية للالتحاق بنادي شباب بلاطة الرياضي للاحتراف في صفوفه لاعب كرة قدم، إذ خضع لتحقيق في سجن عسقلان لمدة 30 يوماً متتالية بتهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي، من دون أن تقرن هذه الاتهامات بدلائل.
يذكر أن محمود السرسك من مواليد 20 يناير عام ،1987 وهو لاعب كرة قدم في المنتخب الوطني الفلسطيني ونادي خدمات رفح الرياضي.
«الإمارات اليوم» التقت السرسك بعد الإفراج عنه وسط زحمة المهنـئين من كل فئات الشعب في غزة، التي توافدت إلى منزله في مدينة رفح، ويقول، إن «تعامل الاحتلال معي ومع الأسرى صعب جداً، وقد مارسوا معي خلال إضـرابي عن الطعام استفزازات مقززة وأساليب متعددة حتى أوقف إضرابي، إذ كانوا يحضـرون سجناء جنائيين إسرائيليين ويقومون بشواء اللحوم والدجاج أمام الزنزانة التي كنت مقيد بداخلها، وذلك كي يرغموني علـى وقـف الإضراب والمـطالبة بالطـعام».
ويضيف «لكنهم لا يعلمون أن إرادتي وعزيمتي تستيطع أن تهزم دول وليست دولة إسرائيل وحدها، فكرامتي أكبر من الجوع والعطش ومن أي شيء».
ويشير السرسك إلى أن الاحتلال كان يمارس أساليب وممارسات مختلفة خلال إضرابه عن الطعام، ومنها تفتيشات ليلية ومفاجئة للزنازين، وتنقلات في كل وقت، وعدم إجراء الفحوص الطبية في الوقت اللازم، والعزل لمدة تتجاوز ثلاثة أيام.
ويوضح أن مفاوضات الاحتلال التي كانت تجرى معه خلال خوضه لمعركة الأمعاء الخاوية كانت بمثابة معارك من أجل ارغامه على وقف إضرابه عن الطعام، مضيفاً «لم يكن وقف الإضراب ونيل الحرية بالأمر السهل، أنا كنت مصراً على مطالبي، وكنت مستعداً للتضحية بحياتي مقابل تحقيقها».
ويقول الأسير المحرر إن «الاحتلال استنزف كل وسائله ضدي من أجل وقف الإضراب، لكنه خشي من المزيد من الفضيحة أمام العالم، خصوصاً في ظل التضامن الدولي الذي شهدته قضيتي، فقد علمت من طبيبة الصليب الأحمر الدولي أن معلق الجزيرة الرياضية عصام الشوالي تحدث عن قضية إضرابي عن الطعام أثناء تعليقه على أحد مباريات بطولة كأس الأمم الأوروبية لهذا العام».
ويضيف «لقد شعرت بالفخر، وكم هي عادلة قضيتي ومهمة لدى الجميع، وأن الإضراب عن الطعام مقابل نيل الحرية مهم جداً لتحريك دول العالم».
ويصف لاعب منتخب فلسطين فترة الإضراب عن الطعام التي خاضها داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي مقابل الإفراج عنه، قائلاً «96 يوماً مرت من حياتي كأنها دهر كامل، عانيت وتعبت كثيراً، لكن الله عز وجل صبرني على البلاء، وجاد علي من فضله، فإيماني وثقتي بالله وعدالة قضيتي دفعني لتحمل كل شيء، والصبر على التعذيب والجوع والعطش وكل ممارسات واستفزازات الاحتلال، والحمد لله انقضت المحنة بحلوها ومرها وآلامها وبفضل الله نلت الحرية».
ويضيف «إن محمود السرسك يحب الحياة كأي إنسان ولا يرمي نفسه إلى التهلكة، لكن عندما يتعرض الانسان لظلم تجاوز ثلاثة أعوام من دون أي ذنب أو حق باعتقاله سوى أنه لاعب كرة قدم، أراد أن يمثل بلده فلسطين ويرفع علمها في المحافل العربية والدولية، فقد تجاوز الاحتلال الخطوط الحمراء في ظلمه وطفح الكيل، فما كان أمامي سوى خوض معركة الأمعاء الخاوية لأنال حريتي وكرامتي».
ويتابع السرسك قوله «تعلمت من الأسرى الذين سبقوني في خوض معركة الأمعاء الخاوية، وعلى رأسهم الشيخ خضر عدنان، والأسيرة المحررة هناء الشلبي كيف يكون طريق الحرية، لقد كان لتجربتهم الأثر الواضح في معركتي التي خضتها مع الاحتلال، وفتحوا أمامي الباب والطريق لنيل الحرية، وأن كرامتي أغلى من الطعام والشراب وأي شيء، فالشيخ خضر عدنان الذي يبلغ عمره 40 عاماً تحمل الجوع والعطش حتى عاد إلى منزله مكرماً».
وفي ما يتعلق بمشاعر العودة ومشاهد الاستقبال الفلسطيني له، يقول السرسك، «لقد أثبت سكان غزة وفلسطين أنهم شعب البطولة والتضحية، وأنه يهب وينتصر لكل من يضحي من أجل فلسطين، لقد غمرتني فرحة كبيرة كانت أكبر من فرحتي بالإفراج عندما شاهدت الوفود الشعبية والرسمية التي استقبلتني عند معبر بيت حانون شمال القطاع حتى عدت إلى منزلي في رفح جنوباً، فأتوجه بالشكر العميق لكل من وقف بجواري وساندني ولو حتى بالدعاء حتى تنفست هواء الحـرية على أرض غزة».
ويضيف «إن كانت فرحتي كبيرة لأنني عدت إلى منزلي واجتمعت بوالدي وأهلي، إلا أن فرحتي الأكبر هي عندما يتم الإفراج عن بقية الأسرى، خصوصاً من يخوض الإضراب عن الطعام حالياً داخل السجون، ومنهم، أكرم الريخاوي وسامر البرق وحسن الصفدي».