هوية إسرائيليي الولايـات المتحدة في مهب الريح
إنهم يعيشون سنوات طويلة في نيويورك ولوس أنجلوس أو في سان فرانسيسكو، ويعملون أو يديرون أعمالاً حرة بالإنجليزية، أما أبناؤهم فيتعلمون في مدارس أميركية. ولكن هناك الكثير منهم يصعب عليهم التخلي عن قراءة صحيفة إسرائيلية، أو مشاهدة محطة تلفزيونية تبث برامج إسرائيلية، أو الاستماع لإذاعة «موجات الجيش الإسرائيلي» على موقعها في شبكة الإنترنت.
حتى لو لم يفعلوا ذلك، فإن معظم الإسرائيليين الذين يعيشون في الولايات المتحدة يجدون صعوبة في التواصل الاجتماعي مع الأميركيين، بل حتى مع اليهود الأميركيين.
عدد غير قليل منهم، حتى لو كان في الكيبوتس أو في تل أبيب يرون أنفسهم علمانيين، يرون أن مكانهم الطبيعي في المعبد اليهودي.
يقول مدير معهد «رؤوت»، جيدي جرينشتاين: «إحدى مفارقات الصهيونية هي أنها أنتجت مجتمعاً يهودياً إسرائيلياً كبيراً، معادياً للمؤسسات الدينية ومنقطعاً عنها، إلا أن هذا المجتمع يشعر بالتزام عميق تجاه اليهودية والإسرائيلية. وفي خارج إسرائيل المعبد ليس مكاناً لإقامة الشعائر فقط، بل هو منتدى اجتماعي ومكان للتجمع».
هذه المجتمعات في المعبد تقوم بمساعدة المهاجرين الإسرائيليين للحفاظ على هويتهم، ومنهم كثيرون يؤمنون أن هويتهم الإسرائيلية قوية جداً وسيحافظون عليها حتى بعد سنوات طويلة من العيش في الخارج.
ولكن هناك دراسة جديدة، قام بها فريق من معهد «رؤوت»، أسسه جرينشتاين ويهتم بدراسة الفكر الاستراتيجي في ما يتعلق بإسرائيل والصهيونية والعلاقة بين يهود العالم وإسرائيل، هذه الدراسة وجدت أن «الهوية الإسرائيلية بين أوساط غير الأصوليين اليهود تفككت وتآكلت بسرعة، خصوصاً في الأسر التي أرسلت أبناءها لمدارس ليست يهودية ولا تحافظ على الأعياد اليهودية أو أيام السبت أو على الحضور مع مرتادي المعبد اليهودي».
ويقول جرينشتاين: «في الكثير من الأحيان يتحول تعاطف الطفل مع إسرائيل إلى اغتراب عندما يكبر. وهناك عدد ليس بالقليل من الآباء يستغيثون عندما يأتي أولادهم بأزواج غير يهود».
وينهي جرينشتاين (41 عاماً) خلال هذه الأيام سنة تفرغه في الولايات المتحدة، حيث ولد في حولون ويقيم في تل أبيب مع زوجته وأبنائه الخمسة. وفي سنوات 1999 - 2001 كان سكرتيراً لطاقم التفاوض على اتفاقية الوضع النهائي، مع السلطة الفلسطينية، في مكتب رئيس الوزراء في ذلك الوقت، إيهود باراك، وهو حاصل على درجة الماجيستير في الإدارة العامة من جامعة هارفرد.
ويرى جرينشتاين أن إسرائيل تواجه عملية فقدان عشرات الآلاف من الإسرائيليين المقيمين في الخارج، بل وربما مئات الآلاف منهم. وكثير من أبناء هؤلاء الإسرائيليين العلمانيين في الولايات المتحدة يبعدون عن إسرائيل وعن اليهودية والعبرية، ويتزوجون زواجاً مختلطاً (من غير اليهود).
وتعد هذه الدراسة جزءاً ضمن إطار عمل واسع لمعهد «رؤوت»، الذي يهتم بالأمن القومي لإسرائيل في المستقبل.
وقد تناول جزء من الدراسة العلاقة بين يهود العالم وإسرائيل، إذ أشارت نتائج الدراسة إلى أن الفجوة مستمرة في التزايد بين العالم اليهودي في الخارج وبين دولة اليهود (إسرائيل). كما تهتم الدراسة بعلاقة إسرائيل بما أسماه باحثو «رؤوت» المنفى الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
وقد قام بالدراسة ثلاثة من فريق المعهد، وعلى رأسهم نتالي أوفير- بلينت. وتقول نتالي «لم نقم بإحصاء، بل قابلنا عشرات الأفراد من جاليات عدة في الولايات المتحدة، وتحدثنا مع أشخاص في إسرائيل على صلة بالأمر. ولم نركز على الذين جاؤوا لكسب المال والإقامة بشكل مؤقت، بل على الاسرائيليين الذين هاجروا ولا توجد لديهم نية حقيقية للعودة إلى إسرائيل».
وعلى الرغم من تجنب تحليل الإحصاءات، فإنه من غير الممكن الاهتمام بالإسرائيليين الذين يعيشون في الولايات المتحدة من دون أي بيانات. فعلى سبيل المثال، هناك تضارب حول أعدادهم خلال السنوات الأخيرة.
ويقول جرينشتاين في هذا الشأن: «الأرقام المتداولة ترواح بين 400 و 800 ألف، المدى واسع، والسؤال هنا هو: كيف يمكننا تعريف من هو الإسرائيلي؟. هل الإسرائيلي هو من يمتلك جوازاً إسرائيلياً؟ أم هو الإنسان الذي ولد في إسرائيل، ولكن يعيش في أميركا؟ أم هو الإنسان الذي ولد في أميركا لكنه يشعر بأنه إسرائيلي؟ هل هو الذي يتحدث العبرية؟ أنهى الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي؟ صاحب ممتلكات في إسرائيل؟ وهل أولاد أو أحفاد الإنسان الذي يجيب عن أحد هذه الأسئلة يمكن اعتبارهم إسرائيليين؟. ويضيف أن إحدى المشكلات الرئيسة للهوية الاسرائيلية في الشتات هي إنكار وجود هذه الهجرة.
وتابع «الحكومة الإسرائيلية ليست لديها رؤية أو استراتيجية في ما يتعلق بالشتات الاسرائيلي، إذ لا يتم إلا استثمار موارد ضئيلة جداً لخدمة هذه الشريحة، أما الوكالة اليهودية فقد اتخذت خطوات استكشافية تجاهها».
الآن، النقاش الأساسي يدور حول مسألة هل للإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج منذ سنوات طويلة الحق في التصويت في انتخابات الكنيست؟ وهناك نقاط أخرى تتعلق بالإسرائيليين في الخارج وهي محاولة إعادتهم إلى إسرائيل، وذلك من خلال إجراءات ضريبية جاذبة، ومساعي تجنيد أبنائهم في الجيش الإسرائيلي، ولكن هذه المحاولة مقوضة لضعف العلاقة بين إسرائيل والشتات الإسرائيلي.
ويقول جرينشتاين: «لقد ذهبنا إلى الحكومة وقلنا لها إن هناك خطراً وفرصة. الخطر هو فقدان محتمل لمئات الآلاف من الإسرائيليين، بعضهم مثقفون ويحبون إسرائيل، وإذا لم نستوعبهم فإنهم سيذوبون في الوسط غير اليهودي. أما الفرصة فتكمن في أن معظم هذه الشريحة يريد أن يبقى جزءاً من الهوية الاسرائيلية، وأن يدعم إسرائيل ومجتمعها من الخارج».
حاييم هاندوركر «هآرتس»