فيسك: الطائفية تنخر عضد الثورة في ســـورية
دخل شاب سوري قبل أسبوع مكتباً أنيقاً في العاصمة اللبنانية، بيروت، حاملاً رسالة مرعبة، ومن دون ان يفصح عن اسمه قال إنه يريد التحدث الى سوري آخر يعمل في المكتب، وهو رجل تلقى تعليماً جيداً وغادر بلاده منذ أشهر. تم اصطحاب الزائر الى الطابق التالي ليقدم رسالته الى ضيفه «لقد أرسلني اليك الشباب، إنهم يحتاجون الى مساعدتك»، ويعني بالشباب المعارضة السورية المسلحة.
وتكشف هذه القصة عن جانب مرعب لأنها تقول إن دمشق على وشك أن تتعرض لهجوم، وتقول رسالة ذلك الشاب إن هؤلاء المقاتلين خارج السيطرة، ومن بينهم مدمنو مخدرات. وتمضي الرسالة «لا نستطيع ان نضمن ما سيفعله هؤلاء الشباب اذا ما دخلوا حيّ المالكي، واننا لا نستطيع حماية السكان هناك، نحن بالفعل ضد السلفيين المقاتلين، لكن هناك الكثير من السوريين الطيبين، من بينهم الدروز والإسماعيليون (العلويون) المساندون لنا، ولكن اذا سيطرنا على دمشق فإننا لا نستطيع ادارتها دعك عن بلد كبير».
إنها قصة حقيقية تحكي عن الحرب الأهلية، ففي مثل هذه الحالات هناك أشرار بين الأخيار، الا ان الطائفية اصبحت تنخر في عضد الثورة السورية. نهاية الأسبوع الماضي حدثني سوري بانهم يذبحون الناس في القرى المحيطة بدمشق، وقال لي إن النساء تعرّضن للاغتصاب خارج مدينة حمص. أحد الاحصاءات يقدر عدد الضحايا بما يصل الى 200 شخص، والمغتصبون يتشكلون من كلا الجانبين الحكومي والمعارضة.
وعودة الى المضيف السوري في بيروت؛ كان في ما يبدو يعرف كل هذه التفاصيل، حيث قدم لضيفه النصيحة التالية: «شكلوا لجاناً في الأحياء، واختاروا رجالاً بزي معين يمكن تمييزهم بسهولة، والذين سيقدمون الحماية للجميع، المسيحيين والدروز والسنة والعلويين وجميعهم».
بعد خمسة أيام من ذلك، تلقى السوري نفسه اتصالاً هاتفياً من رجل مجهول الهوية في دمشق «سيدي خذ أسرتك خارج دمشق، اعطِ رقم هاتفي هذا لوالدتك، لكي تتمكن من الاتصال بي إذا تعرضت لمشكلة اثناء طريقها الى الحدود اللبنانية».
تقول التقديرات إن ما يصل الى 50 ألف سوري فروا الى لبنان الاسبوع الماضي. لم تكن والدة الرجل من بينهم، ربما لم تعثر على أحد لاصطحابها عبر الـ40 ميلاً إلى بر الأمان.
القصص التي تأتي من سورية الآن تعكس الفوضى والموت. فقد ترددت شائعة أن طائرة الرئيس السوري بشار الاسد غادرت دمشق مساء الاربعاء الماضي، واتجهت الى مدينة اللاذقية الساحلية، فماذا حدث؟
رشح في ما بعد ان الطائرة كانت تقل جثمان زوج شقيقته شوكت آصف، لدفنه هناك في مسقط رأسه بمدينة طرطوس، وفي لبنان احتفل المسلمون السنة بمقتله، لأن اسمه كان قد ظهر في تقرير للأمم المتحدة لكن تم اخفاؤه في ما بعد، بسبب ما يعتقد على نطاق واسع بأنه خطط لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، واصدر اوامر بذلك، وتعرض موكب الحريري للتفجير في بيروت في 14 من فبراير ،2005 وكان الحريري، وهو سني، اختلف مع الأسد على دور سورية في لبنان. وكان شوكت العقل المدبر، والآن تعرض المفجر نفسه للتفجير حتى الموت. قبل شهرين سرت شائعة في دمشق تقول إن هناك محاولة لتسميم شوكت والرجلين الآخرين اللذين اغتيلا معه الاسبوع الماضي، الجنرال داوود راجحة، وزير الدفاع المسيحي، والجنرال السني، حسن تركماني، رئيس «خلية الأزمة» في نظام الاسد، الا ان الطباخ وضع 15 قرصاً مسموماً في طعامهم بدلاً من الخمسة المحددة، لانه كان متحمساً لقتلهم، ليكتشف الرجال ان مذاق الطعام كان سيئاً. وهرب الطباخ على اثرها. هذه القصة صحيحة من بين العديد من شائعات «التسميم»، وليس هناك ما يدعو إلى تكذيبها، ليس هناك شيء جديد في اساليب الخيانة داخل النظام. وكان رفعت الاسد، عم بشار، والذي يقيم حاليا في مايفير قد حاول مرتين القيام بانقلاب عسكري ضد والد بشار، حافظ. وقد تلقى بشار الأسد بعض النصائح، الشهر الماضي، من بعض معارفه السوريين. انه إذا كف عن ضرب المدنيين، فإن الأوروبيين سيقتنعون ببقائه في السلطة لمدة عامين آخرين على الاقل، لأن الغرب يريد مد أنابيب النفط مباشرة من قطر والمملكة العربية السعودية عبر الاردن وسورية إلى البحر الأبيض المتوسط، من أجل إنهاء الاحتكار الروسي لتصدير النفط والغاز الى أوروبا. وجاء رد الأسد في خطابه الأخير والذي يقول «هناك اشخاص لديهم نوايا وطنية، لكنهم لا يعرفون طبيعة الصراع»، وتشير الدلائل الى أن الأسد هو الذي لم يستوعب مفهوم «طبيعة» هذا النزاع.
ويبدو ان اثنين من أقاربه يفهمان ذلك جيداً، هما خاله محمد مخلوف، وابن خاله رامي، واللذان ظلا يبحثان مع الحكومة الفرنسية للوصول الى اتفاق يمكنهما من العيش في المنفى في باريس اذا انهار النظام، وعائلة مخلوف متورطة في قضايا فساد حكومي طائل، والذي يعتبر واحدا من الأسباب التي أدت إلى التمرد ومقتل 1700 شخص، فعلى الرغم من الديكتاتورية وأجهزة الشرطة السرية فان الفساد هو المادة الصمغية التي تجعل النظام متماسكاً.
ظل شمال سورية، على سبيل المثال، منطقة جيدة للتهريب، وهو المكان الذي يمتلك فيه كل واحد من كل أسرة تقريبا بندقية، ويعتبر ذلك أحد الأسباب التي جعلت الأسد يعين دائماً رجالاً عسكريين سابقين صعبي المراس محافظين لمحافظات منطقة حلب، وتتدفق السلع من تركيا عبر سورية الى الاردن والخليج. ولكن بمجرد ان بدأ الاقتصاد السوري في الانهيار، بدأ ينهار بالتالي التعاون المشترك بين رجال الدولة الفاسدين والمهربين، وبين النظام ومؤيديه من المسيحيين والاغلبية السنية، ما يعني ان المادة الصمغية بدأت في الذوبان.
بدات الثورة في البداية تتخذ شكل تظاهرات سلمية في جميع أنحاء البلاد، استفزتها عمليات تعذيب وقتل صبي عمره 13 عاما من قبل رجال الشرطة السرية في درعا في مارس من العام الماضي، ولكن سرعان ما ظهر الرجال المسلحون في شوارع بعض المدن، وظهرت لقطات فيديو يظهر فيها مسلحون في شوارع درعا في الشهر نفسه، ونشرت قناة الجزيرة لقطات عن مسلحين يقاتلون القوات السورية عبر الحدود الشمالية للبنان في ابريل .2011
واحدة من المنظمتين التي أعلنت مسؤوليتها عن تفجير دمشق الاسبوع الماضي، لواء الإسلام، تطرح من جديد عنصر السلفية في المعارضة السورية المسلحة. احد اللاجئين الذين وصلوا حديثا من سورية حدثني الأسبوع الماضي بانهم منعوا تناول الخمر، ويقولون انهم يعتزمون الاستشهاد في معركة دمشق. وبالنظر إلى الرد الوحشي للنظام السوري، فإنهم قد ينالون رغبتهم الاخيرة.
روبرت فيسك: صحافي بريطاني مهتم بالشرق الأوسط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news