مخاوف من أن يستخدمها النظام في عمل نهائي مستميت أو وقوعها في أيدي إرهابيين

الأسلحة الكيماوية السورية تقضّ مضاجع الغرب

مقدسي: أي أسلحة «كيماوية أو جرثومية» لن تستخدم إلا في حالة عدوان خارجي على سورية. رويترز

في الوقت الذي يلوح في الأفق احتمال تفكك النظام السوري، تتصاعد المخاوف بشأن ترسانة سورية الضخمة من الاسلحة الكيماوية و(ربما الأسلحة البيولوجية أيضاً)، والتي قد يستخدمها النظام في عمل نهائي مستميت ومروع، أو قد تقع في أيدي إرهابيين. وفي هذا الشأن صدرت تقارير في 12 يوليو تفيد بوجود أسلحة كيماوية ينقلها حراس من بعض المستودعات ربما لإعادة تخزينها في مناطق أكثر أمناً. وفي 23 يوليو، بعد أيام قليلة على مقتل اربعة من كبار المسؤولين الامنيين للرئيس بشار الأسد جراء انفجار عبوة ناسفة، أدلى المتحدث (باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي) ببيان مثير للشكوك اكد فيه ان «أي أسلحة كيماوية أو جرثومية» لن تستخدم ضد السوريين، وسيتم استخدامها فقط في حالة حدوث عدوان خارجي»، ويضيف بشكل غير مطمئن بان الأسلحة يقوم بتخزينها وتأمينها الجيش السوري.

بالطبع لم يتضح ما تقصده تلك الرسالة، على الرغم من أن واشنطن ولندن تعتبرانها تهديداً باستخدام تلك الأسلحة، هناك أيضاً تفسير مختلف يشير الى أن النظام يحاول اقناع مؤيديه بأن هناك حدودا معينة لا يمكن للنظام تجاوزها في ما يتعلق باستخدام أسلحة الدمار الشامل. وظلت وكالات الاستخبارات الغربية تراقب ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية، وتحاول الوصول الى طريقة يمكنها بها التعامل مع هذه الاسلحة عند الضرورة، اذ تعتبر سورية أول دولة ذات أسلحة دمار شامل تمزقها الحرب الاهلية.

ولا يبدو أي من تلك الخيارات جيداً، فلدى سورية في المقام الأول عدد ضخم من هذه الاسلحة المرعبة تقوم بإنتاجها وتخزينها في نحو 50 موقعاً منتشراً في انحاء البلاد. فبعد وقت قصير من شعور سورية بالإذلال من قبل إسرائيل خلال حرب لبنان في ،1982 أطلقت برنامج أسلحة الدمار الشامل في محاولة يائسة لاستعادة التكافؤ الاستراتيجي. ومنذ ذلك الحين حصلت سورية (من حلفاء مثل ايران وكوريا الشمالية، وأيضاً من عدد لا بأس به من الشركات الأوروبية المحترمة) على الخبرة والمواد اللازمة لإنشاء واحد من اكبر ترسانات الأسلحة الكيماوية في العالم.

ووفقاً لبعض التقارير المستندة الى معلومات استخبارية والصادرة في منتصف تسعينات القرن الماضي، فإن سورية استطاعت انتاج مئات الاطنان من «غاز الخردل» الذي يسبب تقرحات في الجلد و«السارين»، غاز الأعصاب القاتل. كما انها طورت مخزونات كبيرة من مادة «في اكس» التي تعتبر أكثر فتكاً ودماراً من «السارين»، وتبع ذلك تصنيع ما يصل الى 200 رأس حربي كيماوي لصواريخها «سكود بي» و«سكود سي» روسية الصنع، فضلاً عن الآلاف من القنابل الكيماوية حرة السقوط والقذائف المدفعية.

وتعتقد مصادر الاستخبارات بأن سورية، خلافاً لليبيا، واصلت تجديد ترسانتها (غاز السارين، وفي اكس، لها مدة انتهاء معينة)، وهربت الى داخل البلاد الكثير من المواد تحت غطاء صناعات الأدوية الشرعية ومستحضرات التجميل، وتنفق ما يصل الى ملياري دولار في السنة على هذا البرنامج. وفي ما يتعلق بالأسلحة الجرثومية، فهناك أدلة تشير الى أن سورية اطلقت بحوثها بشأن هذه الاسلحة، ولكن ليس هناك ما يؤكد انها ذهبت في هذا المجال الى ابعد من طموحاتها في ما يتعلق بالأسلحة النووية، والتي انتهت بشكل مفاجئ، بعد ان قصفت اسرائيل المفاعل النووي الوحيد عام .2007

وتتخوف الحكومات الغربية من عدد من السيناريوهات، التي يصفها المحلل الاستراتيجي بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، اميل هوكيم، الذي يتخذ من البحرين مقراً له، بانها «معقولة»، لكن «غير مرجحة».

أول تلك المخاوف يتمثل في أن حكومة الأسد، على الرغم من اعلانها، أخيراً، عدم استخدام تلك الاسلحة، فإنها ستستخدمها في حالة اليأس ضد الجيش السوري الحر أو كتكتيك إرهابي ضد مدينة فقدتها. أيّ من الاحتمالين غير مرجح، لان القذائف والصواريخ ذات الرؤوس الكيماوية يتم استخدامها بشكل فعال ضد التجمعات الكثيفة من القوات، إلا انها غير مجدية ضد القوات غير النظامية المتفرقة، لأنها قد تشكل خطراً كبيراً على من يطلقها، كما أن إطلاق عناصر غازات الأعصاب على السكان المدنيين قد يثير اشمئزاز حتى أشد المؤيدين للنظام.

أيضاً فإن أي هجوم بصواريخ سكود على اسرائيل قد تتمخض عنه نتائج عكسية، ذلك لأن صواريخ سكود ليست دقيقة بشكل عام، وربما تسببت في القليل من الأضرار، إلا انها حتى لو تفادت الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية فإنها قد تتسبب في رد فعل غاضب. ويكمن الخطر في احتمال ارسال رؤوس حربية كيماوية الى «حزب الله»، تلك الميليشيات الشيعية التي تسيطر على جنوب لبنان. وكما تقول خبيرة الانتشار النووي بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، دينا أصفندياري، فإن حزب الله، الذي يريد على نحو متزايد أن ينظر إليه باعتباره لاعباً في حجم دولة لديه القليل من الاهتمام في الحصول على مثل هذه الاسلحة.

بيد أن اكبر مصدر للقلق هو وقوع مثل هذه الاسلحة في ايدي مجموعات إرهابية في خضم الفوضى المحتملة في سورية، حيث يردد تنظيم القاعدة دائماً انه سيستخدم أسلحة الدمار الشامل إذا ما حصل عليها، ويبدو أن زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، شجع المتعاطفين معه للانضمام إلى المعارضة السورية. ولا تستبعد أصفندياري وقوع ذلك الخطر، لكنها تظل متشككة، اذ انه من الصعب نقل كميات كبيرة من المواد الكيماوية في الخفاء، وتدعو الحاجة ايضا إلى أشخاص مدربين لخلط المكونات، وإطلاق الاسلحة من زاوية صحيحة، لانه من الصعب فتح الاسطوانة ونشر محتوياتها، كما يقول هوكيم، يضاف الى ذلك ان الأسلحة البيولوجية من الصعب التعامل معها وتفقد فعاليتها بشكل سريع جداً. إلا ان الأثر النفسي لاي هجوم لـ«القاعدة» بأسلحة الدمار الشامل في الغرب ستكون آثاره النفسية كبيرة ومدمرة وينطوي على مخاطر عديدة، لهذا ينبغي القيام بكل ما هو ممكن لمنع ذلك.

وتمت قبل ذلك مناقشة غارات جوية وقائية ضد سورية، إلا أن مثل هذه الغارات قد تترك بعض هذه المواد سليمة، إضافة الى ازدياد احتمال الانتشار العرضي لهذه المواد، لأن العديد من مواقع الإنتاج تقع بالقرب من المراكز السكانية، وتعمل وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه) مع القوات الاردنية الخاصة في هذا الصدد، الا انه من دون تدريب جيد للاستيلاء على هذه المخزونات وتحييدها فان فعالية هذه الخطوة قد تكون محدودة، لاسيما أن هناك قصور في تقديم المعلومات الاستخباراتية عن مكان وجود هذه المواد. وتعتقد أصفندياري أنه ينبغي ان تستهدف الجهود الرئيسة ردع النظام السوري من استخدام أسلحة الدمار الشامل الخاصة به (بمعنى ان النظام سيكتب شهادة وفاته بنفسه اذا فعل ذلك)، وايضاً العمل مع الدول المجاورة على وقف أي تسرب لهذه الاسلحة، ومساعدة المتمردين على منع الجماعات الإرهابية من استغلال الفرصة. ويعتقد هوكيم ان الأسد قد يحاول تقسيم البلاد، ويحاول ان يحمل معه أسلحة الدمار الشامل الى دولته المنشقة «وهذا من شأنه ان يشكل مشكلة كبيرة على الطريق»، كما يقول هوكيم.

تويتر