النظام والمعارضة يحشدان للمعركة في غياب حلّ سياسي

التصعيد المتبادل يزيد دموية الحرب في سورية

عائلة حلبية تفر بعد اشتداد المواجهات بين الجيشين النظامي والحر. أ.ف.ب

تقول تقارير جديدة إن الوضع في سورية يسير من سيئ إلى أسوأ، ويزداد تفاقما، ما لم يتخذ الثوار المعارضون سلسلة من الخطوات الصعبة، تساعدهم في حسم الموقف.

وامتدح الرئيس السوري بشار الأسد، في الأيام الأخيرة، قواته وهاجم المعارضين له، ووصفهم بـ«الإرهابيين»، وتعهد بأن يكسب الحرب، وأن تخرج قواته منها منتصرة، لأنها «تدافع عن الشعب وأمنه واستقراره»، على حد قول الأسد.

ولكن في الحقيقة، أنه مهما كانت الوحدة والتلاحم بين شرائح الشعب السوري وأطيافه، فإن العلويين ـ الذين ينتمي إليهم الأسد ـ خسروا على مدى الأشهر الـ17 الماضية، كثيرا مما كانوا يتمتعون به من امتيازات، بسبب ما ارتكبوه من جرائم قتل، وإعدامات سريعة، وخطف، وتعذيب، وعقاب جماعي، طال عائلات بأكملها. وبعد معارك ضارية، أصبحت المعارضة تسيطر على مناطق كبيرة من مدينة حلب، العاصمة التجارية لسورية، بينما يواصل الاقتصاد السوري انهياره، بسبب القتال والعقوبات الدولية، إضافة إلى أن بعض جماعات المعارضة تقول إن المزيد من الأسلحة والأموال تتدفق عليها «دعما لها في قضيتها»، إذ قال بعضهم لشبكة التلفزيون الأميركية (إن بي سي)، إنهم تلقوا شحنة من الصواريخ المضادة للطائرات عبر تركيا.

وهناك مَنْ يتساءل: هل أصبح نظام الأسد في أزمة كبيرة وحقيقية؟ الإجابة قد تكون نعم، وقد تكون لا، فطبقا لما جاء في تقرير جديد للمجموعة الدولية للأزمات، فإذا كان النظام البعثي في سورية قد ضعف وتهالك، فإن كثيرا من السوريين يعتقدون أن بقاء النظام على قيد الحياة، أصبح مسألة سلامة شخصية، وأنه مهما كانت الفرص كبيرة ومتوافرة للتفاوض على نهاية سلمية للأزمة الراهنة في سورية، فإن هذه الفرص قد تلاشت ولم تعد قائمة. وبالنسبة للمعارضة، فإنها لا تملك القدرة العسكرية لكسب الحرب الدائرة في وقت قريب. كما يشير تقرير المجموعة إلى أن سورية تعيش أزمة إنسانية عميقة، تتزامن مع مخاطر متزايدة بحمام دم طائفي يومي. وبصورة متسارعة يتحول نظام الأسد إلى ميليشيات مسلحة كبيرة، تخوض قتالا يائسا ومحموما من أجل البقاء، بينما يزداد تورط الطائفة العلوية في القتال وشتى أنواع العنف، انطلاقا من قناعة بأن مصيرها مرتبط بالنظام، وأنه لم يعد أمامها من خيار أو بديل إلا «أن تَقْتل على أن تُقتَل على يد الغير». وبالنسبة للمعارضة، التي تواجه تهديدا يوميا متزايدا من العلويين، فإنها تواجه تهديدات أخرى من بعض تياراتها وأجنحتها المتطرفة، وهذا ما يزيد من عمر الحرب الدائرة في سورية، عبر حدة الاستقطاب وتشدد المواقف.

وتقترح مجموعة الأزمات الدولية بعض الخطوات لتقوم بها المعارضة، لاحتواء المخاطر وتفاديها، منها التأسي بفكرة أن قليلا من الانتفاضات في التاريخ الحديث تحلت بدرجة كبيرة من الكفاءة في القيادة وروح المسؤولية، والرغبة المتزايدة لدى القادة الميدانيين في التركيز على المصالحة والوفاق الوطني الشامل، أكثر من العدالة والثأر والاقتصاص لذويهم، الذين قتلهم الطرف الآخر. وعلى الأرجح فإن النظام لن يغير من أساليبه، ما يعني توجه الاهتمام إلى المعارضة، للقيام بما يتعين القيام به، للتقليل من خسائرها ومعاناتها ومعاناة جموع المدنيين، وللتعامل مع مسألة التصعيد والعنف الطائفي، وإعادة تأهيل المؤسسات القائمة، وإعادة العلاقات مع الطائفة العلوية إلى مسارها، وأن تطرح مقترحات منطقية وعصرية، مثل تحقيق العدالة الانتقالية، وتحمل المسؤولية، والعفو العام.

وهناك من يعتقد أن الجيش السوري الحر إنما هو مجرد اسم فضفاض، ينضوي تحته العديد من الفصائل والجماعات بأيديولوجيات مختلفة وأجندات سياسية متنوعة، كما أن المجلس الوطني السوري (المعارض)، الذي سعى إلى تقديم نفسه على أنه الوجه المدني للانتفاضة السورية وحكومة ظل، يعاني خلافات وانقسامات سياسية.

وغادر (العميد الركن) مناف طلاس نجل وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس، الذي كان من أكثر أركان النظام إخلاصا للرئيس الراحل حافظ الأسد وابنه الرئيس الحالي بشار، سورية قبل أسابيع قليلة لتسويق نفسه في الخارج كوسيط لبدء عملية انتقالية سياسية في سورية، ودعم مؤسساتها، في الوقت الذي تستقطب فيه الانتفاضة السورية المزيد من الدعم العالمي. وواجه المجلس الوطني السوري، المكون من جماعات تعيش في المنفى منذ سنوات طويلة، إضافة إلى أشخاص انشقوا عن النظام، صعوبات في الحفاظ على وحدته ووحدة المعارضة، وهذا أدى إلى ظهور منافس له اسمه «الهيئة العامة للثورة السورية». كما أن القادة الميدانيين للجيش السوري الحر، لا يتلقون أوامر أو تعليمات من الخارج، في حين يبدو نظام الأسد أفضل حالا في هذه المسألة، إذ تتجلى وحدته أمام الجميع، ما يزيده تصميما على التمسك بالسلطة، ومواصلة العنف الذي يعزز قناعة المعارضة بأنه ليس أمامها إلا مواصلة الحرب.

وما هو هذا العنف؟ تعذيب، وقتل واختطاف وإعدامات؟ نعم، إنه كل هذا وغيره، مثل قصف المنازل والأحياء، التي يشك النظام أن فيها ثوارا مسلحين، والمدارس، والأسواق، وغيرها من المرافق. وطبقا لتقرير المجموعة، فإنه ـ ومنذ بداية هذا العام ـ تحولت ميليشيات الشبيحة المدنية التابعة للنظام وقواته النظامية، كذلك إلى القيام بأعمال نهب وسرقة لمحتويات البيوت والشركات والمكاتب، إضافة إلى تعمد إشعال الحرائق كوسائل لعقاب المدنيين الذين يؤيدون الثورة، كما تعززت قناعة المعارضة بأن قوات النظام تتمادى في أعمالها التعسفية وأعمال القتل، التي تستهدف الأطفال بدم بارد، وارتكاب المذابح، وإعدام المعتقلين، وإحراق جثثهم والاعتداءات الجنسية.

وماذا عن المجتمع الدولي؟ تصرّ روسيا والصين على الدفاع عن نظام الأسد، ومعارضة أي عمل عسكري ضده، وهو أمر لا تستطيع الولايات المتحدة استيعابه، أو القبول به بأي حال من الأحوال.

وتشير المجموعة ـ في تقريرها ـ إلى أن مستقبل سورية يتوقف على كيفية معاملة العلويين، الذين لا يزيدون على 10٪ من مجمل السكان، بعد إسقاط النظام، فهل يتم التعامل معهم كشركاء، باعتبارهم من مكونات المجتمع السوري، أم أنه سيتم تهميشهم وملاحقتهم في عمليات انتقام وتصفية حسابات؟

 

دان ميرفي مراسل صحافي أميركي

تويتر