بعضهم مسلح بخبرة اكتسبها من العراق
جهاديون وسلفيون و«قاعدة» يعملون فــــــي سورية
في بداية الانتفاضة السورية كان قوام مقاتلي المعارضة يتشكل من الجنود المنشقين عن الجيش السوري والمواطنين السوريين، وما إن بدأت الحركة تتنامى في حجمها وكثافتها، وتكتسب زخماً، حتى تدفق الجهاديون إلى داخل سورية من تونس وليبيا ودول شمال إفريقيا الاخرى للانضمام إلى القتال ضد نظام الرئيس السوري، بشار الأسد. وعلى الرغم من ازدياد عدد المقاتلين الشمال إفريقيين ظلت قوات المعارضة سيئة التسليح، وتفتقر الى هيكل قيادي واضح الملامح. ومع نهاية 2011 بات من المؤكد أن هناك عناصر قتالية اخرى في ساحة القتال بجانب المواطنين السوريين ومنشقي الجيش ومقاتلي الشمال الافريقي، لاسيما عندما أعلنت «جبهة النصرة»، احدى فرق الجهاديين، مسؤوليتها عن تفجير مديرية الامن بدمشق في الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي، إذ يعتبر ذلك التفجير الضربة الاولى للمعارضة ضد هيكل الامن القوي. ومنذ ذلك الوقت بدأ الجهاديون الإسلاميون والسلفيون يتقاطرون داخل سورية من اليمن والسعودية والعراق والاردن. ونخلص إلى القول إنه حتى ومع سقوط الأسد، فإن هذه العناصر المتباينة والمتزايدة، لاسيما الجهاديين، من المتوقع أن يشكل هذا المتباين حركة تمرد وعصيان ستمتد آثارها إلى جميع مناطق الاقليم.
«غرباء من أجل سورية» داخل منزل صغير في مدينة ريهانلي التركية التي تقع على بعد ساعة ونصف الساعة بالسيارة من الحدود المشتركة مع سورية، يدعي شاب في الثلاثين من عمره أنه يقود مجموعة من المقاتلين يصل قوامها الى 1820 مقاتلاً، تسللوا ناحية الشمال الغربي لسورية، وتهدف مجموعته التي يطلق عليها «غرباء من أجل سورية الكبرى» أن تصبح سورية بعد سقوط الأسد دولة إسلامية تحت حكم سني. وعلى الطاولة امامه الكثير من القناني التي تحتوى على مواد الامونيوم، وكربونات البوتاسيوم والفوسفات التي تدخل في صناعة المتفجرات. ويقول ذلك الشاب «لا نريد أن نفرض أي شيء، لكنني أعتقد بان معظم الشعب السوري ينادي بحكومة إسلامية». وفي تلك المدينة توجد أعداد قليلة، لكنها تتزايد بسرعة، من الاسلاميين السوريين والمقاتلين الاجانب الذين يستخدمون نقاط العبور على الحدود التركية السورية للدخول إلى الأراضي السورية، لاسيما بعد أن بدأت المعركة في مدينة حلب. وتسلل 300 مقاتل اجنبي على الأقل الى محافظة ادلب المحررة التي تقع في الشمال الغربي من البلاد، البعض الآخر عبر الى داخل السهول الشرقية قريباً من مدينة دير الزور الثائرة التي تقع على بعد ساعة بالسيارة من الحدود مع العراق، وشوهدت مجموعات من الليبيين وبعض العرب مع مجموعات صغيرة من المسلمين البريطانيين والباكستانيين والشيشان. |
العائدون من العراق
خلال الغزو الاميركي للعراق تسلل آلاف السوريين داخل العراق للقتال ضد القوات الاميركية والقوات الاخرى هناك، وعاد الكثيرون منهم الآن الى بلادهم لقتال النظام السوري، وبعض المقاتلين الإسلاميين الآخرين جاءوا الى سورية تلبيةً لنداء وجهه زعيم القاعدة، ايمن الظواهري، الذي دعا جميع المسلمين في العالم، لاسيما مسلمي العراق والاردن ولبنان وتركيا، لمقاتلة وإسقاط النظام السوري.
وجلب هؤلاء المقاتلون معهم الخبرة في صناعة المتفجرات، إضافة الى خبراتهم المتراكمة في اساليب القتال، التي اكتسبوها في عدد من ميادين القتال، لاسيما العراق. وتتوافر لدى الكثير من الجهاديين السوريين خبرة عالية في تجميع واستخدام المتفجرات المحسنة، حتى ان جهاديين من «جبهة النصرة» يدعون الزن أن في استطاعتهم تجميع متفجرات خارقة ليستخدمها التفجيريون ضد اهداف النظام السوري. فقد تم تأكيد 10 تفجيرات قام بها مسلحون في سورية منذ يناير الماضي، وربما كان هناك الكثير من مثل هذه التفجيرات التي لم يتم تأكيدها.
اختلاف وتعاون
يعلم الثوار السوريون أن وجود جهاديين في ميدان القتال قد يمنع الدعم الدولي من الوصول إليهم (أي الثوار)، كما ان هناك خلافاً بين الثوار والجهاديين بشأن سير الصراع وبشأن كثير من المسائل الاجتماعية الأخرى، مثل تناول الكحول، كما أن الثوار كثيراً ما يحتم عليهم الامر التدخل لإطلاق سراح الصحافيين الغربيين المحتجزين لدى الجهاديين.
وعلى الرغم من هذه الاحتكاكات فإن الكثير من مجموعات الجهاديين يسعون لإقناع مجموعات الثوار العلمانية والسكان المحليين بأنهم لا يشكلون خطراً عليهم أو تهديداً للبلاد، وبعض الجهاديين على اطلاع تام بمدى المخاطر التي تحيط بهم إذا أبدوا تشدداً، وهو درس تعلموه من العراق عندما شكل السنيون المحليون ما يسمى «الصحوات» في الأنبار لمواجهة الجهاديين. ويتبع الجهاديون في سورية تكتيكاً معيناً لتفادي مثل هذه الاخطاء، وبناءً عليه فقد وضع الكثير من الثوار مخاوفه من الجهاديين جانباً وبدأوا العمل والتعاون معهم. ويتلقى الجهاديون تمويلاً جيداً من بعض دول الخليج، ويتمتعون بالتنظيم والخبرات الجيدة في صناعة المتفجرات، وعكست هذه الخبرات مردوداً حاسماً ضد النظام السوري المزود تزويداً جيداً بالأسلحة الثقيلة. وفي حقيقة الامر فإن الثوار في المناطق التي يتعرضون فيها لضغوط شديدة من النظام يقبلون طواعية المساعدات الآتية من الجهاديين.
ويعكس ذلك مدى اليأس الذي اصيبت به المعارضة السورية، إذ أصبحت تتشكل من الجهاديين والسلفيين والمسلمين المتشددين والمواطنين غير المتدينين والمقاتلين الاجانب وبقايا «القاعدة». ويربط بين هذه المجموعة المتنافرة خيط رفيع، يتمثل في الاطاحة بنظام الاسد، لكن بمجرد أن يتحقق ذلك الهدف فليس من المؤكد أن تتفق جميع عناصر الثوار على تشكيل الحكومة الجديدة، وقد يفضل بعضهم الاستمرار في القتال، لاسيما عناصر الجهاديين المتشددة، التي عادت الى وطنها من العراق، بعد صراعها مع الاميركيين هناك. وعلى العكس تماماً من الثوار المحليين فإن للجهاديين هدفاً من وراء الاطاحة بالأسد يتمثل في إقامة حكومة إسلامية في سورية.
وحتى ولو ظهرت إلى الوجود حكومة إسلامية فسيكون هناك خلاف واضح بشأن تمثيل الإسلاميين في البرلمان وايضاً بشأن الدولة الاسلامية، وسيتشكل أي وجود إسلامي في الحكومة من إسلاميين على نمط الاخوان المسلمين الذين هم على خلاف مع المنهج الجهادي المتشدد، وعليه فإنه ولو تمت ازاحة نظام الاسد واستبداله بنظام آخر فمن المتوقع ان يدوم عدم الاستقرار، إضافة الى ذلك فليس هناك ضمان ان يستقر الجهاديون في سورية، فقد يتسللون الى الدول المجاورة، لاسيما العراق، وهذا يشير إلى أن الجهاديين قد يستغلون قوة الدفع في سورية والعودة الى العراق لمساعدة المجموعات السنية التي تم تهجيرها، والتي تسعى لاستعادة المكاسب التي غنمتها منها الاغلبية الشيعية في الحكومة العراقية التي تجد الدعم من ايران.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news