حلم الديمقراطية يتلاشى.. والتطرّف الديني يسود

إسرائيل «ديكتاتورية» جديدة في الشرق الأوسط

التصادم بين الديني والديمقراطي أصبح ملمحاً في إسرائيل. غي

عندما يزور مرشح الرئاسة الأميركية ميت رومني إسرائيل، ورسالته الأساسية من ذلك تشجعينا على اشعال حرب عبثية ضد إيران، حيث يعلن «أنه واجب مقدس، وأن الوقوف إلى جانب إسرائيل التزام أخلاقي» بالنسبة لأميركا، فإننا ندرك أن أمرا عميقا وأساسيا قد تغير، في العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة.

وترعرع جيلي، المولود في خمسينات القرن الماضي، وهو يحمل اعتقادا عميقا يرقى إلى الإيمان الديني، مفاده أن الدولتين أي الولايات المتحدة وإسرائيل تتشاطران قيما ومبادئ أساسية. وفي تلك الفترة كان الأميركيون والإسرائيليون يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، واحترام الدول الأخرى، والتضامن الإنساني، لقد كان زمن الحالمين والبنائين، الذين يصبون إلى تشكيل عالم جديد، خالٍ من التحامل والعنصرية والتمييز، لكن عند الاستماع إلى الأحاديث السياسية، لا يملك المرء إلا ملاحظة التغير الجذري في هذه الأحاديث.

وشاهد أطفالي رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو، يقيم أكثر الائتلافات تعصبا في تاريخ إسرائيل. وهم مقتنعون بأن ما يربط إسرائيل والولايات المتحدة، الآن، ليس القيم الإنسانية، وإنما مجموعة جديدة من المصالح المشتركة، التي تتمثل في الحرب، والقصف، والتهديدات، والخوف، لكن كيف حدث كل هذا؟ أين ذهبت أميركا الصالحة؟ ما الذي حدث لإسرائيل القديمة «الطيبة»؟

ومن أهم إنجازات نتنياهو، تحويل إسرائيل إلى قضية صراع حزبي، وأن يدفع باليهود الأميركيين إلى الزاوية، لقد أجبرهم على اتخاذ قرارات، استنادا إلى حسابات يرونها ضد مصالح أميركا. ويجبر الابتزاز العاطفي اليهود على الضغط على إدارة الرئيس باراك أوباما، وهي الحكومة التي يتشاركون معها القيم ووجهات النظر الدولية، في الوقت الذي يتعين فيه على محبي إسرائيل، مساعدة الحكومة الأميركية على التدخل، وإنقاذ إسرائيل من نفسها.

وتبرز إسرائيل كدولة علمانية وديمقراطية، تستلهم مبادئها من ديمقراطيات أوروبا الغربية، لكن مع مرور الوقت، أصبحت قيمها الأساسية مختلفة تماما، إذ أصبحت إسرائيل، الآن، دولة دينية، ورأسمالية، ويتم تحديد سمتها الدينية من قبل تفسيرات المتطرفين الأرثوذكس، في حين أن نظامها الرأسمالي عمل على طمس الكثير من التضامن الاجتماعي، في الماضي، باستثناء بقايا سمات تميزها كدولة رعاية.

وتحدد إسرائيل نفسها باعتبارها «دولة دينية وديمقراطية»، لكن نظرا إلى أن إسرائيل لم تضع آلية للموازنة بين هذين المصدرين للسلطة، فإنهما يقتربان إلى التصادم مع بعضهما أكثر من أي وقت مضى.

وخلال السنوات الأولى على تشكيل إسرائيل، كانت كلمة «يهودي» تعني قومياً وعلمانياً، وكان يرى مؤسسو إسرائيل أن تكون يهوديا أي أن تكون مثل الإيطالي أو الفرن�3ي، أو الأميركي، لكن مع مرور السنوات تغير هذا المفهوم المراوغ، وفي أيامنا أصبحت كلمة «يهودي» تعني في إسرائيل بصورة أساسية العرق والدين، وبالنظر إلى أن سلطة الدين أصبحت أكثر أهمية من السلطة الديمقراطية، باتت إسرائيل دولة أكثر تعصبا وأقل عصرية، وأكثر انفصالية وأقل انفتاحا على العالم الخارجي، وأرى هذا التحول في عائلتي نفسها، فوالدي وهو أحد مؤسسي إسرائيل والحزب القومي الديني، كان حاخاما متنورا وفيلسوفا، أما العديد من الأجيال الصغيرة فإنها أقل انفتاحا، وهناك المستوطنون المتطرفون دينيا وقوميا.

وكان المهاجرون من شتى أصقاع الأرض، قد حلموا بحكومة تكون أكثر إنسانية وأمانا «بالنسبة لليهود». واعتقد المؤسسون�أن الديمقراطية كانت هي الطريقة الوحيدة، لتنظيم مصالح العديد من الأصوات المتناقضة. واندمجت الثقافة اليهودية، من خلال القوانين اليهودية التقليدية، وشكلت حضارة كرست نفسها للتحاور بين وجهات النظر المختلفة، والتعايش بين المواقف المتناقضة إزاء تحقيق كل ما هو صالح.

وكان من المفروض أن يؤدي الدمج، بين الديمقراطية والدين اليهودي، إلى ولادة طيف جماعي غير عادي، وستكون الدولة عبارة عن ديمقراطية عظيمة وصحية، من شأنها أن تحمي اليهود ضد الاضطهاد والبقاء ضحايا. لكن يبدو أن أمرا يسير على نحو خاطئ في الديمقراطية اليهودية، فنحن لم نعر الإسرائيليين، من أصول فلسطينية، كثير اهتمام ضمن معادلة الديمقراطية اليهودية.

ولم نحاول فصل المعابد عن الدولة، بل على العكس فإننا فعلنا العكس، وإضافة إلى ذلك لم نتوقع الآثار الشريرة، للسيطرة الوحشية على شعب آخر رغما عن إرادته، واليوم فإن كل الأشياء التي تجاهلناها ارتدت علينا، وهي تطاردنا كأرواح شريرة. وتهب رياح الانعزالية، والضيق على إسرائيل، الآن، ويعمد أنصار السلطة الوقحون والمتغطرسون إلى إقصاء كل من هو غير يهودي من الحياة العامة. وتظهر اللوحات الجدارية في الشوارع أحلام هؤلاء المخبأة، وهي: «إسرائيل النقية بلا عرب، وكل ما هو غير يهودي» وهم لا يلاحظون مدى الضرر الذي تسببه أفكارهم الإقصائية لإسرائيل، ولليهودية، واليهود في الشتات، وفي غياب قانون ملزم لا يوجد حماية في إسرائيل للأقليات، أو لحماية حرية العبادة والتعبير لديهم.

وإذا تواصلت هذه النزعات، فإن هذه الديمقراطية ستختفي تماما ذات يوم، وستصبح إسرائيل دولة أخرى ديكتاتورية في الشرق الأوسط. ولن يكون من الممكن تعريق إسرائيل كدولة ديمقراطية، عندما يحكم الأقلية اليهودية الأغلبية الفلسطينية الموجودة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، حيث يسيطرون على ملايين الفلسطينيين، من دون منحهم حقوقا سياسية، أو أساسيات الحقوق المدنية والقضائية.

أفرام بورغ - رئيس سابق للكنيست الإسرائيلي

تويتر