مالي .. صومال أخرى في إفريقيا
استدعى العقيد موسى ميغا كامل جيشه المؤلف من 700 متطوع، الذين اصطفوا في طوابير منتظمة، وأنشدوا «نحن من سيستولي على الشمال»، ويمارس هؤلاء الجنود مهارة المشي المنضبط في موبتي، وهم جزء من ميليشيا يطلق عليها «جبهة من أجل تحرير الشمال»، ويشارك معظمهم في التدريبات وهم يرتدون الصنادل المطاطية وقمصان الـ«تي شيرت».
ومن المقرر أن يحارب رجال هذه الجبهة، الذين ينتعلون الصنادل، الإسلاميين الذين ينحازون الى «القاعدة» في المغرب، وهم يفتقرون الى كل شيء إلا الشجاعة، ويعيش معظمهم على المساعدات الحكومية التي تصل الى دولارات عدة شهرياً. وقال العقيد ميغا، وهو الوحيد الذي يرتدي الزي العسكري «إننا مستعدون معنوياً وبدنياً للمعركة».
وكان ميغا قد ترك الخدمة العسكرية منذ سنوات عدة. ويمتلك في غاو - المنطقة التي أصبحت الآن تحت سيطرة الاسلاميين- متاجر عدة للبقالة، التي تعرضت للنهب، وبعد مرور شهرين على ذلك فإن الحكام الجدد لغاو يعاقبون اللصوص بقطع أيديهم.
وكان ميغا، وهو نفسه مسلم ملتزم، قد هرب الى الجنوب، ويحتاج ميغا الذي نصب نفسه محرراً للشمال إلى الكثير من التبرعات حتى يتمكن من شراء الاسلحة، وهو يتمنى أن يقوم رجال الاعمال في موبتي وفي العاصمة باماكو بتقديم المال إليه، لأن الازمة أثرت في الجميع.
وتعتبر موتبي آخر مدينة حرة على الطريق إلى شمال مالي المحتل، ولاتزال النسوة يمشين في الشوارع من دون أغطية الوجه، كما أن المشروبات الكحولية لاتزال تقدم في الحانات والمطاعم، في حين أن الموسيقا تصدح من المكبرات المثبتة بالقرب من المساجد القديمة.
لكن الجهاديين يهددون بأن موبتي ستكون هدفهم التالي، ويخشى الاجانب الذهاب الى موبتي بسبب عمليات الخطف.
وغادر جميع موظفي المنظمات الخيرية، وهرب أكثر من 400 ألف مالي إلى صحراء سهل في الجنوب، أو الى الدول المجاورة، مثل موريتانيا أو النيجر.
وللمفارقة، فإن مالي كانت تعد دولة إفريقية نموذجية خلال العقدين الماضيين، إذ إن حكومتها منتخبة ديمقراطياً، في حين أن الاعلام يعمل بصورة حرة، وبفضل السياحة من ناحية وصل النمو الاقتصادي الى معدل جيد هو 5٪ خلال الاعوام القليلة الماضية، لكن تغير كل شيء الآن، ومنذ مارس الماضي، عندما تمكن جيش من الطوارق الانفصاليين من حكم شمال البلاد، وقاموا بفرض قانون الشريعة الاسلامية. وفي بداية الأمر بدت الحكومة المركزية عاجزة عن محاربة الطوارق، وقام الضابط العسكري امادو سانوغو بالإطاحة بالرئيس المنتخب في باماكو، معللا ذلك بان الحكومة ضعيفة جداً ولا تستطيع محاربة المتمردين، لكن الجيش انسحب في ما بعد تحت الضغوط الدولية الى ثكناته، وذلك لا يعني ان سانوغو أصبح الآن لا حول له ولا قوة، إذ إن انصاره متهمون باخفاء وتعذيب الكثير من خصومهم، وأي صحافي يتحدث عن أفعالهم يمكن أن يلقى مصيرا سيئا. فهل يا ترى مقدر لمالي أن تصبح الصومال الاخرى في إفريقيا، حيث عملت الميليشيات المتصارعة على افقار البلاد ودفعها نحو المجاعة، والفوضى؟
تبدو مالي على شفا الانهيار الكامل، كما تقول مونيك دوراي، التي تعيش في روت دو سوتبا، والمولودة في الكاميرون عام ،1936 وتحمل جواز سفر فرنسياً، ومع ذلك فإنها تقول «أنا إفريقية»، والعلاقة الوحيدة لها مع وطنها فرنسا هي حبها للطعام الجيد. واعتاد الجميع المجيء الى مطعمها، كالسياسيين والدبلوماسيين وموظفي الجمعيات الخيرية ورجال الاعمال والسياح في طريقهم الى تمبكتو، لكن خلال الايام الحالية فان مطعمها وفندقها خاليان حتى خلال وقت العشاء، وهي تقول «لا أدري كيف سأواصل هذا العمل»، وعلى الرغم من أن السياحة كانت من الدعائم الرئيسة للاقتصاد المالي، إلا انها تبدو الآن ميتة تماما، إذ إن معظم الفنادق مغلقة الآن، في حين أن موظفيها يجلسون في بيوتهم. وكانت دويرا قادرة على الحفاظ على 57 موظفاً من أصل موظفيها البالغ عددهم ،97 وكانت قد شيدت مسجداً لموظفيها في ساحة الفندق، وترغب دوراي في أمر واحد «أن تعود مالي كما كانت سابقاً».