تحرّكات مرسي الخارجية هدفها تهدئـة الداخــل
وصف الرئيس المصري الراحل أنور السادات مناوراته وتحركاته من المعسكر الشرقي (السوفييت)، إلى المعسكر الغربي (الأميركان)، في سبعينات القرن الماضي، بأنه يشبه الدوران لليمين، مع أن الإشارة تشير ناحية اليسار. فهل يفكر رئيس مصر الجديد، محمد مرسي، في دوران مماثل؟ فقد ورث مرشح «الإخوان المسلمين»، الفائز في الانتخابات الأخيرة نظاما وثيق التحالف مع الولايات المتحدة، منذ أيام السادات، إلا أنه في أولى جولاته الخارجية اختار أن يزور الصين وإيران، وليس واشنطن دي سي.
ومن شأن ذلك أن يثير القلق والخوف والترقب، بالنسبة لأولئك الذين يرون في مرسي الملتحي شخصية قيادية في حركة إسلامية أصولية معادية بشدة للغرب، فقد ظل «الإخوان المسلمون» يدعون ـ لمدة طويلة ـ للتضامن الإسلامي، في حين يلقون باللوم على أميركا، لاحتضانها إسرائيل وتشويهها صورة المسلمين.
ورحلة السيد مرسي للصين، برفقة سبعة من وزرائه ووفد تجاري من 80 مسؤولا، يمكن قراءتها على أنها محاولة لإيجاد راعٍ جديد، مع تضاؤل المساعدات الأميركية الاقتصادية لبلاده، وانكماش نفوذ الولايات المتحدة الدبلوماسي، كما أن التمويل الأميركي الكبير لأسلحة القوات المسلحة المصرية، زاد من قلق المصريين حول دور جيشهم، خلال الفترة الانتقالية المضطربة والتحول إلى الحكم الديمقراطي.
لكن ليس هناك مبرر للقلق في الوقت الراهن، فلم يكن من المفيد لمرسي زيارة أميركا بعد الانتخابات الرئاسية، فقد التقى بالفعل العديد من كبار المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وسيلتقي قريبا وفوداً عديدة من رجال الأعمال الأميركيين، كما أنه يجري مفاوضات أيضا على قرض من صندوق النقد الدولي، تبلغ قيمته 4.8 مليارات دولار.
وفي الوقت ذاته، فإن الصين تعد شريكاً تجارياً قيماً ومرتبطاً معها على نحو متزايد، ورغم أن تجارتها مع مصر وصلت قيمتها إلى أكثر من ثمانية مليارات دولار العام الماضي، فإن استثماراتها في مصر لاتزال تدور حول 500 مليون دولار، وتعد جزءا ضئيلا مقارنة مع الاستثمارات الأميركية، وعانت مصر وسط اضطراباتها الثورية انخفاضا حادا في احتياطيات النقد الأجنبي، وصعوبات في دفع فاتورة الوقود، ومع أسواقها التقليدية في الغرب ومصادر الائتمان الفقيرة، فإن الصين تبدو خيارا واضحا وجذابا، إلى جانب ذلك، حرص مرسي على طمأنة القادة الصينيين على عدم الخوف من الربيع العربي.
وبدت محطته الإيرانية أكثر إثارة للجدل، فقد مضت ثلاثة عقود ـ منذ أن قطعت إيران علاقاتها الدبلوماسية مع مصر، حيث انفجرت الأزمة، بعد تسمية شارع رئيس في طهران باسم قاتل السادات «الإسلامبولي»، مرسي نفسه هو نتاج ثورة شعبية مثل الثورة الخضراء التي سحقتها السلطات الإيرانية عام ،2009 كما أن جماعة «الإخوان المسلمين»، نفسها قد أصبحت اكثر انتقادا لإيران، بسبب الاشتباه في جهودها لنشر الإسلام الشيعي في الدول السنية، ودعمها للنظام السوري المحاصر.
وظل المسؤولون المصريون حريصين على ترديد القول بأن مرسي سيبقى فقط لساعات قليلة، وهي المدة اللازمـة لتسـليم الرئاسة الدورية لحركة عدم الانحياز رسميا من مصر إلى إيران، وهي القمة، التي تنعقد كل ثلاث سنوات، والتي تم افتتاحها في الـ30 من أغسطس الماضي.
وعلى الرغم من ذلك، هناك أسباب عملية لزيارة مرسي لطهران، وبهدوء، فقد حسب مرسي وفريقه أن إيران، المعزولة بسبب العقوبات الدولية، تحتاج إلى الدعم من هذه الدولة العربية الأكثر عددا في السكان، أكثر مما تحتاجه مصر من إيران. وبينما تعلن مصر علنا صداقتها مع إيران، فإن مرسي أعلن بوضوح أن حليفها السوري، بشار الأسد، يجب أن يذهب في حال سبيله.
وعلى كل حال، فإن سياسة مرسي الخارجية الناشئة من المرجح أن تلبي ـ في المقام الأول ـ تهدئة المخاوف في الداخل،إذ حرص قبل كل شيء أن ينأى بنفسه عن مواقف سلفه المخلوع، والتي ينظر إليها معظم المصريين على أنها تخضع خضوعا تاما لأميركا وتسيء لمكانة مصر الشرعية.
ويؤكد مرسي «نحن لسنا ضد أحد، بل نعمل من أجل تحقيق مصالحنا الخاصة»، فربما يخطط الرجل للسير على هذا الطريق الذي رسمه لنفسه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news