تسليم السنوسي ضربة للعدالة الــــــــدولية
يعتبر تسليم موريتانيا رئيس المخابرات الليبية السابق، عبدالله السنوسي، لمحاكمته في العاصمة الليبية طرابلس، ضربة للعدالة الدولية، وضربة أيضاً للدولة التي تدعي أنها تساند تلك العدالة، وعلى الرغم من كونه أحد أسوأ الأشخاص في العالم، فقد كان ينبغي ان يحاكم السنوسي أولاً محاكمة عادلة امام محكمة الجنايات الدولية، التي اصدرت لائحة دعوى بحقه العام الماضي.
وخلافاً لذلك، هناك ادعاءات من فرنسا بحق الرجل (حكمت عليه فرنسا غيابيا لتنظيمه عملية تفجير طائرة يوتا)، وأيضا ينبغي ان يخضع لاستجواب بشأن علاقته بحادثة تفجير لوكيربي. وعلى الرغم من ذلك فقد استعادته ليبيا من موريتانيا، من دون أي احتجاج من بريطانيا او مجلس الأمن الدولي، لكي يواجه الثأر في بلاده وليس العدالة، خصوصا اذا ثبت ضلوعه في جرائم محلية مثل أحداث القتل الجماعي في سجن «أبوسليم» الذي راح ضحيته 1200 سجين عام .1996
وعليه فليبيا تقع تحت التزام دولي للتعاون مع محكمة الجنايات الدولية، وهو الالتزام الذي انتهكته في حالة سيف الاسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، والذي تنوي انتهاكه مرة اخرى بشأن السنوسي.
ويكمن السبب في عدم تسلميه أن ليبيا ترغب في أن ترى كلا الرجلين في نهاية المطاف معلقاً الى نهاية حبل، اما المحكمة الجنائية الدولية فليس بإمكانها انزال عقوبة الإعدام بحق المدان او ترحيله الى ليبيا بعد انتهاء العقوبة في لاهاي من دون تعهد بعدم التعرض له او القضاء عليه، لذلك فإن ليبيا بالتواطؤ مع الشرطة الدولية (الانتربول)، والتي أساءت الحكومات الانتقامية استخدام نظامها، استطاعت القبض على السنوسي لمحاكمته محاكمة «عادلة» .
هاتان القضيتان تكشفان قصوراً واضحاً في نظام محكمة الجنايات الدولية، أي انها ستكون في هذه الحالة محكمة الملاذ الاخير، تاركة المتهمين لمواجهة مصيرهم المحتوم في بلدانهم، إلا اذا استحالت المحاكمة هناك، وعادة ما تكون المحاكمة ممكنة بعد الثورة لكن ليس من الممكن ان يحصل المتهم على حكم عادل، حيث تسعى الحكومات الجديدة للتخلص من الزعامات القديمة بأسرع ما يمكن، فهناك تحامل تام حيال المتهمين، حيث تنتقي مثل هذه الحكومات قضاة على مزاجها، كما ان الجمهور متلهف لرؤية معذبيه القدامى على اعواد المشانق.
عندما تصدر محكمة الجنايات الدولية لائحة اتهام بشأن زعيم سياسي او عسكري فإنها تسهم في سقوطه، كما حدث بشأن (الزعيم الصربي السابق) سلوبودان ميلوسوفيتش والقذافي، لهذا فإنها تصبح ملتزمة التزاماً اخلاقياً بحمايتهم ضد المحاكمة الجائرة في بلدانهم وما يعقبها من عقوبة اعدام.
بيد ان المحكمة الجنائية لم تستطع حتى حماية طاقمها القانوني في ليبيا عندما اعتقلت الحكومة الليبية محامية الجنايات الدولية، مليندا تايلور، التي جاءت بشأن وكيلها سيف الإسلام القذافي، ويعكس ذلك الاعتقال عدم جدارة هذه الحكومة بمحاكمة المتهم محاكمة عادلة. وسيمثل سيف الاسلام امام المحكمة هذا الشهر، وستكون تدخلات حلف شمال الاطلسي (الناتو) مخيبة للآمال، لان تدخله جاء لإقصاء القذافي وابنه، وتعرض سيف القذافي وصهره نتيجة لذلك للاعتقال، بينما مضى قتلة القذافي في حال سبيلهم.
ماذا ستفعل الحكومة البريطانية لكي تضمن بأن العدالة العالمية تأخذ مجراها؟ لا شيء بالطبع، لقد زار رئيس وزراء ليبيا موريتانيا للمناورة من اجل تسليم السنوسي، ولم تبذل الحكومة البريطانية أي جهود للضغط من اجل تسليم السنوسي الى لاهاي ليتم استجوابه بشأن حادثة لوكيربي (كان رئيسا لعبدالباسط المقرحي المتهم في هذه الحادثة، لهذا فإنه مذنب اكثر منه). وحيث انها عضو دائم في مجلس الامن فإن لبريطانيا واجباً اخلاقياً يتمثل في التأكيد على التزام ليبيا بالقرار ،1970 الذي يلزمها التعاون مع مدعي محكمة الجنايات الدولية. اصبح الغرب غير مبالٍ بإنزال عقوبة الاعدام على اعدائه، مثل طريقة قتل (زعيم تنظيم القاعدة أسامة) بن لادن، وضحايا الطائرات من دون طيار، وأيضا الاعدام بعد محاكمة غير محايدة، كما في حالة صدام حسين.
وهذه الأيام تهدد محكمة الجنايات الدولية (الرئيس السوري بشار) الاسد وعائلته بإصدار لائحة اتهام بحقهم، إلا ان المحكمة نفسها لم تكن لتلجأ للتهديد لو ان الجيش السوري الحر في موقع يستطيع من خلاله تنظيم ما يسمى «محاكمة» (التي ستكون بالسرعة نفسها التي قضى فيها الرئيس الروماني السابق نيكولاي شاوشيسكو). فعلى الحكومة البريطانية ان تصر على تسليم السنوسي والقذافي الابن الى لاهاي وتهديد ليبيا بعقوبات لانتهاكها القرار .1970
ومن السخرية بمكان، ان تعمل محكمة الجنايات الدولية على حماية الطغاة من موت فرضوه ذات يوم على آلاف من رعاياهم، ومع ذلك ينبغي ان تفي العدالة الدولية بتعهداتها المتمثلة في السعي لمحاكمة المتهمين محاكمة عادلة، إذ ان المتهم بمجرد اتهامه ينبغي ان يحاكم في بلاده، شريطة ان تكون محاكمته عادلة، وألا تتجاوز العقوبة في أسوأ حالاتها الحكم بالسجن المؤبد.
تساؤلات حول محاكمة السنوسي
|
- التهم التي تنسبها محكمة الجنايات الدولية إلى رئيس المخابرات الليبية السابق عبدالله السنوسي؟
-- رت محكمة الجنايات الدولية لائحة اتهام ضد السنوسي ومعمر القذافي، وسيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي معمر القذافي في مارس ،2011 بطلب من مجلس الامن الدولي التابع للأمم المتحدة على خلفية ادعاءات في تورطهما في جرائم ضد الانسانية مستغلين موقعهم في القيادة لإصدار أوامر بالهجوم على خصوم القذافي.
- إذاً، من الذي يحق له محاكمة السنوسي؟
-- تتوقع محكمة الجنايات الدولية ان تتسلم السنوسي، وتقول المتحدثة باسم المحكمة، سونيا روبلا، ان «الحكومة الليبية ملزمة بالتعاون مع المحكمة وتسليمه اليها ( أي المحكمة) من حيث المبدأ»، وتضيف أن«أمر اعتقال السنوسي سيظل ساري المفعول والحكومة الليبية ملزمة بتسليمه الى لاهاي دون أي تأخير».
وتوافق على ذلك منظمة العفو الدولية التي تحذر من تعرضه «لمحاكمة غير عادلة» في ليبيا. وتصر الحكومة الليبية على محاكمته محلياً، وليس من المحتمل اتخاذ أي قرار في هذا الشأن إلى ان يتم انتخاب حكومة ليبية جديدة.
- هل هناك فرصة للوصول إلى حل وسط؟
-- نعم، إذ إن محكمة الجنايات تقوم بمحاكمة المتهم فقط اذا كانت الدولة التي ينتمي إليها المتهم غير مؤهلة او غير مستعدة لمحاكمة مثل هذه التهم الخطيرة، لهذا فإن السؤال المطروح حاليا هو ما اذا كانت ليبيا على استعداد لمثل هذه المحاكمة، إلا ان العقبة تتمثل في ان نظام قضائها ومحاكمتها لمعتقلي نظام القذافي يتعرض لكثير من الانتقادات، وسيواجه قضاة الجنائية الدولية معضلة غير مسبوقة في هذا الشأن.
- هل ليبيا مرتاحة لمحكمة الجنايات الدولية؟
-- لا، لاسيما بعد تلك الحادثة الغريبة التي اتهمت فيها ليبيا محامية المحكمة الدولية بالتجسس وتسليمها وثائق سرية لسيف الاسلام القذافي في سجنه في الزنتان لدى زيارته هناك.
- هل يواجه السنوسي عقوبة الإعدام؟
-- نعم، اذا مضت الحكومة الليبية في محاكمته داخلياً، ولا يسمح النظام التأسيسي لمحكمة الجنايات الدولية بتوقيع عقوبة الإعدام على المتهم. ومن المتوقع ان تتهم ليبيا السنوسي بتهم اخرى بينما تنحصر تهم الجنايات الدولية فقط في التهم التي اصدرتها عام .2011 ويقول المسؤول في منظمة هيومان رايتس ووتش، المعنية بحقوق الانسان، جيرالدين ماتيولي، «من الممكن محاكمته في ليبيا ثم محاكمته ايضا في محكمة الجنايات الدولية»، لكنه يضيف أنه «إذا تمت محاكمته في ليبيا أولاً فمن المحتمل ألا يتم تسليمه الى لاهاي».
جيوفري روبرتسون - مؤلف جرائم ضد الإنسانية