الإبراهيمي يسعى إلى تأمين بديل عن الفوضى وتهميـش «الإخوان»

سوريون ممزقون بيـن نظام مستبد ومعارضة مفككة

المعارضة السورية لم تقدم بديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاً مطمئناً للشارع. أ.ف.ب

في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي تم تشكيل المجلس الوطني السوري، الذراع السياسية للانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في اسطنبول، من ممثلين عن القوى والتنظيمات السياسية التي تمثل مختلف فئات الشعب السوري واطيافه.

وفي ظل غياب آلية تحدد حجم وكيفية عمل قوة وتأثير كل جماعة أو تنظيم، تصدرت جماعة الإخوان المسلمين لتسيطر على المجلس، مستفيدة من التوجه الإسلامي لتركيا، الدولة المضيفة. وأدت نزعة الإخوان المسلمين للسيطرة على المجلس إلى أزمة سياسية في صفوف المعارضة السورية، من شأنها إضعافها والنيل من تأثيرها، غير أن محللين ينظرون الى تعيين الدبلوماسي الجزائري المخضرم الاخضر الإبراهيمي، معبوثاً للامم المتحدة والجامعة العربية الى سورية، على أنه محاولة للحد من سيطرة الإخوان المسلمين على المعارضة السورية.

ومن المستبعد على ما يبدو أن ينجح الإبراهيمي في ما فشل فيه سلفه كوفي أنان بشأن وقف العنف والاقتتال، لكنه يمكن أن ينجح في تأمين حل سياسي يجنب سورية المزيد من الفوضى مع تزايد الحديث عن اقتراب سقوط نظام الأسد.

ويبدو من الصعب قياس مدى قوة الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي محظور في سورية منذ .1963

ويقول القيادي في الإخوان المسلمين ملحم الدروبي، إن «التنظيم يمثل 25٪ من مجمل الشعب السوري»، غير أن هذا القول يثير جدلاً وخلافاً كبيرين، ففي الانتخابات البرلمانية في 1949 لم يحصل هذا التنظيم إلا على 2.5٪ من الاصوات، ولم تزد حصته في الانتخابات التالية على 6٪، إذ كانت النظرة العامة إلى الإخوان المسلمين في ذلك الوقت على أنهم تنظيم سياسي معتدل يميل إلى الاشتراكية أكثر من الدين، لكنهم بدأوا منذ بداية الخمسينات بالتحالف مع الأقليات، ونجحوا في تجريد حملة واسعة لتعديل الدستور، لجعل الإسلام الدين الرسمي للدولة.

ومع صعود حزب البعث وحكمه الشمولي في الستينات، عاد الإخوان المسلمون إلى اعتماد العنف، وشكلوا ميليشيات أخذت لاحقاً تستهدف المدنيين والضباط العسكريين على أساس طائفي خلال السبعينات والثمانينات، ما أضعف قوتهم في ظل أربعة عقود من القمع والتصفيات من جانب حزب البعث ونظامه.

وقال ناشطون في مناطق مختلفة في سورية إن وجود الإخوان المسلمين قبل اندلاع الانتفاضة العام الماضي كان صفراً، ثم بدأوا يعودون الى بعض المناطق في حمص وحماة وإدلب.

وقال سلامة كايلا، الفلسطيني السوري الذي أبعده النظام لدوره في دعم الانتفاضة، إنه «زار بعض بؤر التظاهرات والاحتجاجات في حمص وحماة في الاشهر الاولى من الانتفاضة، وكانت هناك جماعات محدودة ومهملة من الإخوان من المشاركين في التظاهرات والاحتجاجات في مناطق معينة، وان ناشطين في حماة اشتكوا من أن مجموعة صغيرة مؤيدة لهم كانت تدفع الأمور نحو نزاع مسلح وعنيف، وان مما فاجأ كثيرين أن حماة التي كانت تعد معقلاً رئيساً للاخوان المسلمين لم يكن فيها إلا وجود محدود للغاية منهم».

وقال أحد الناشطين «أنا حلبي من الطبقة الوسطى، وكل من عرفته كان يكرههم ولم يحبهم، والمرة الوحيدة التي التقيت فيها أحد أعضاء الإخوان المسلمين كان في تجمع احتجاجي أمام إحدى السفارات السورية في الخارج، حيث يبدون أكثر لطفاً وشعبية مما هم داخل سورية».

وأبلغني عضو كبير في المجلس الوطني السوري، مقرب من تنظيم الإخوان، المسلمين بأنهم يتجهون الى الاعتقاد بان كل من يتسلم مساعدة منهم لابد أنه سيؤيدهم في أي انتخابات مقبلة، وحتى ولو ان الإخوان المسلمين نجحوا في تثبيت وجود واضح لهم، فإن تأثيره سيكون محدوداً ومقتصراً على مناطق معينة. وفي المستقبل القريب فإن دائرة نفوذهم ستشمل سبع محافظات من 14 محافظة في سورية، وان مناطق لحسكة والرقة ودير الزور ودرعا والسويدا واللاذقية وطرطوس والمناطق الكردية لن تكون من ضمن مناطق نفوذهم، وتبلغ نسبة الاقليات غير السنية 30٪ من إجمالي سكان سورية، والاكراد السنة 9٪، ليشكل كل هؤلاء مع القبائل والعشائر 70٪ على الاقل من مجمل السكان، وهو ما يعني أن هؤلاء لم يكونوا ضمن دائرة نفوذ الإخوان المسلمين في الماضي، ولن يكونوا في المستقبل القريب. وحينما كان الإخوان المسلمون جزءاً من النظام السياسي تحالفت تجمعات رجال الأعمال والتجار واصحاب الشركات مع حزب الشعب الوطني الليبرالي، ثم مع حزب البعث، وهذه التجمعات تبدو متحالفة هذه الايام مع جماعات وقوى غير إسلامية.

ويدرك الإخوان المسلمون أن لقوتهم حدودا، لذا فهم يسعون الى تأسيس بؤر نفوذ وخلايا للتأثير في مجريات الانتفاضة الحالية وفعالياتها حتى يكون لهم دور في المرحلة الانتقالية بعد انهيار نظام الاسد، مستفيدين من سيطرتهم على مكتبين للمجلس الوطني السوري، هما مكتب المساعدات ومكتب الشؤون العسكرية، لمد نفوذهم وزيادته في الجيش السوري الحر، وشكلت جماعة الإخوان المسلمين بعض كتائبها تحت اسماء قيادات تاريخية للإخوان، حتى أصبح لها 13 كتيبة تعمل ميدانياً في حماة، تسمى «كتائب أبوالفدا».

ويبدو أن العنف سيستمر في سورية على نطاق واسع حتى ينهار نظام الأسد، ما يعني أن شرائح كبيرة من الشعب السوري ستظل حائرة وممزقة بين نظام مستبد ومعارضة يمكن القول إنها سيئة أو ليست تلك التي يريدها الشعب الذي يتعرض لمجازر يومية، بعد أن فشلت هذه المعارضة في أن تقدم نفسها على أنها البديل المقبول، لانها تحت سيطرة جماعة ينظر الناس إليها بقدر كبير من الشكوك منذ وقت طويل، فالشعب السوري ليس صامتاً وإنما ممزق.

تويتر