أزمة الفيلم المسيء تكشف حاجة أميركا لإعلاء شأن الفكر الأخلاقي
كان من الخطأ إنتاج وتوزيع هذا الفيلم الذي يصور النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، بأنه زير نساء، إضافة إلى صفات ذميمة أخرى، لكن قبل الخوض في هذا المجال يجب الانتباه الى أن هناك حرية التعبير، بيد أن علينا أن نفرّق بين أن نملك الحق في قول شيء ومبدأ قوله بصورة صائبة.
من الناحية القانونية، فإن الدستور الاميركي يسمح لمثل هذه الافعال الفارغة، حيث يسمح للأميركيين بإنتاج فيلم ندرك جيداً أنه يشكل إساءة كبيرة للآخرين، ومع ذلك يتم توزيعه. ونحن نرغب في النظر الى الموضوع بصورة مختلفة، فعندما تكون هذه الأشياء لا يقصد بها مجرد إثارة الآخرين وإنما التحريض على الكراهية والتعصب، وهو نوع من الخطاب الذي يمنعه القانون في العديد من الدول الرئيسة، بما فيها كندا، وألمانيا وأم الديمقراطية في العالم بريطانيا، لابد من القول إننا لا نعيش بالقانون فحسب، إذ إن هناك منظومة أخلاقية لا يمكن الاستغناء عنها. فعلى سبيل المثال، نحن نشعر بالغضب عندما يقوم نفر من كنيسة ويستبورو المعمدانية بالتظاهر في الجنازات العسكرية، لان أعضاء هذه الجماعة يعتقدون أننا جلبنا حادثة 11 سبتمبر لأنفسنا، لأننا تسامحنا مع مثليي الجنس. ونعمد الى طرد أي مذيع تلفزيوني أو إذاعي تخرج عنه تعليقات أقل بكثير مما احتواه هذا الفيلم من إهانة للمسلمين.
صحيح أن أي أميركي له الحق في القيام بمثل هذه الأشياء القذرة، لكن لدينا الحق ثم التعبير عن رفضنا القوي لها. وتمثل هذه الانتقادات طريقتنا في القول لمن يتفوه بكلام سيئ ومبتذل أن يغلق فمه ويمسك لسانه، من دون الحاجة الى انتهاك حقوقه القانونية.
لهذا فإن من المحزن أن مرشحاً للرئاسة الاميركية يعتبر التصريحات الصادرة عن سفارة الولايات المتحدة في القاهرة، التي تشجب رسالة الكره التي يمثلها الفيلم، والتي صدرت قبل أعمال شغب في بنغازي، والهجمات على القنصلية الاميركية في بنغازي، بأنها هدف ملائم لهجوم سياسي. ومع تصاعد التظاهرات الرافضة للفيلم المسيء دانت السفارة «الجهود التي يبذلها عدد من المضللين لإيذاء المشاعر الدينية للمسلمين»، وهذا أقل ما يمكن قوله، وينبغي قوله الآن أيضاً حتى بعد الهجمات على السفارة.
وفي ذات الوقت، فإن أجزاء من العالم الإسلامي التي استخدمت عملاً استفزازياً ومثيراً للكره قام به رجل واحد، كذريعة للعنف، يجب ان تسمع عبارة جلية، مفادها أن ثمة فرقاً بين الكلمات والافعال، وهذه مسألة مهمة يجب ألا تضيع في خضم الغضب على الفيلم، ويتعين على جميع الاشخاص المتحضرين أن يدركوا أنه على الرغم من أن إثارة غضب الآخرين وإهانتهم مسألة خاطئة، إلا أنه ليس هناك فيلم أو كتاب يمكن أن يؤذي البشرية، مثل قتل أشخاص مدنيين أبرياء، خصوصاً اذا كانوا أطفالا.
وفي واقع الامر فإن كثيرين في العالم الإسلامي يبدون اهتماماً أقل بكثير بمقتل السفير الاميركي وثلاثة من الاميركيين الآخرين في بنغازي، أو حتى بشأن المذبحة المتواصلة في سورية، والعنف الاثني المستمر يومياً في العراق، والتفجيرات المتواصلة في الأسواق وحفلات الافراج والجنازات والصلوات في باكستان، من اهتمامهم بالفيلم المسيء، الامر الذي يظهر لنا أنه يجب أن نرفع أصواتنا ونتحدث بصورة أكثر وضوحاً في هذا الموضوع.
ولو تم تجاهل هذا الفيلم، مثل الكثير من الترهات المنتشرة على الشبكة الدولية، لما كان له أن يؤدي الى كل هذا الأذى، ولذهبت الجهود التحريضية لمن يقفون وراء إنتاج الفيلم أدراج الرياح، ولفشلوا في الحصول على رد الفعل الذي كانوا يريدونه، ولو أن الاشخاص الذين شاهدوا الفيلم اكتفوا باستنكاره لما حدثت كل هذه المشكلات، ولما قتل السفير الاميركي في بنغازي مع عدد من زملائه، لهذا يجب على الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استنكار العنف بأقوى الكلمات.