استنكار ومقاومة لإزالة رسوم الثــورة وتطوير «ميدان التحرير»
صرخات وتحدٍ وسباب أحياناً، جاءت عبر القنوات الفضائية تستنكر المساس بميدان التحرير، حضن الثورة ومتحف شرف شعبها، انتفض المصريون وخرجوا في مجموعات تلقائية الى الميدان لحماية تاريخ ثورتهم من عبث رجال الشرطة وعمال النظافة الذين تركوا اكوام القمامة في شوارع مصر، لكنهم عملوا بهمة منقطعة النظير لإزالة رسوم وصور الثوار وتعليقاتهم من جدران الميدان وشوارعه، ولكن المشهد كان رائعاً عندما تحركت ريش وأقلام رسامو الجرافيتي لتعيد من جديد رسوم الشهداء بشارع محمد محمود والشوارع المحيطة بميدان التحرير لثلاثة ايام متتالية.
وشدد الفنان تامر العرابي، على ان الميدان تحول الى ضمير شعب ولا يمكن السماح لأي حكومة ان تتصرف فيه كما تشاء، وقال لـ«الإمارات اليوم»، من قلب الميدان إنه دعا 15 من اصدقائه رسامي الجرافيتي للعودة سريعاً للميدان وانقاذ تاريخ الثورة من الطمس، بعدما شاهد العمال يقومون بإزالة الرسوم والشعارات تحت اشراف الشرطة، وقال قمنا بالاشتراك مع المئات بإعادة جميع ما تم شطبه، خصوصاً أن النداء كان عبر صفحات التواصل الاجتماعي يقول «على كل من كتب او رسم في الميدان ان يعود له فوراً».
عادت الشعارات من جديد منها «خافي مننا يا حكومة»، و«مسحت صورة اللي مات في بورسعيد قبل ما تجيبوا حق كل شهيد»، و«يوم ما أفرط في حقك هكون ميت أكيد»، و «علمونا معنى الانتماء كل المجد للشهداء»، و«لا لعودة الثكنات للميدان»، و«القصاص يا ضابط أنت شغال عندي تقوم تقتل أخويا وابن عمي»، ومئات الرسوم منها صورة حديثة للرئيس محمد مرسي، تسخر من مشروعه للنهضة، مكتوب عليها «النهضة شدة وتزول، والنهضة نكبة شعب».
وكان عدد من رموز الثورة وأعضاء البرلمان قد شاركوا في اعادة الرسوم بالميدان، وأعلن الناشط الثوري وعضو مجلس الشعب السابق باسم كامل، عن مشاركته فناني الجرافيتي خلال قيامهم بإعادة رسم جداريات الثورة، مشدداً على مشاركته فناني الجرافيتي في إعادة نقش الثورة على الجدران في شارع محمد محمود، قائلاً «المجد لمن فقدوا أعينهم لينيروا لنا الطريق».
واعتبر الناشط في «حركة قادمون» بهاء رمزي، ان الرسوم والشعارات، بميدان التحرير اصبحت جزءاً من تاريخ الشعب ويجب محاسبة كل من فكر وشارك في عملية ازالتها، مشدداً على ضرورة مشاركة الفنانين التشكيليين وخبراء من مصر والعالم في تحويل الميدان الى مزار سياحي تاريخي ونضالي، محذراً من ترك تطويره الى السلطة التنفيذية، التي قال انها غاشمة ولا تفهم الا في الهدم، وأضاف يجب اجراء استفتاء على اي مشروع لتطوير الميدان بين الثوار والأحزاب والحركات التي شاركت في الثورة، بعد عرض مشروعات عدة على كليات الفنون واختيار ثلاثة منها، يُستفتى الثوار على احدها.
وميدان التحرير هو أكبر ميادين مصر على الاطلاق، وهو يشبه في تصميمه ميدان «شارل ديجول»، الذي يحوي قوس النصر في العاصمة الفرنسية باريس، وكان يطلق عليه ميدان الإسماعيلية نسبة للخديوي إسماعيل، ثم تغير إلى «ميدان التحرير»، نسبة إلى التحرر من الاستعمار في ثورة ،1919 ثم ترسخ الاسم رسميًا في ثورة 23 يوليو عام .1952
وتحول الميدان إلى رمز لحرية الشعب المصري وصموده، حيث شهد مواجهات عدة بين الشعب وقوات الأمن في أحداث ثورة ،1919 وتظاهرات الطلبة عام 1935 ضد الاحتلال الإنجليزي وثورة الخبز في 18 و19 من يناير عام ،1977 واحتضن الميدان ملايين المصريين طوال ايام ثورة 25 يناير عام ،2011 وفشلت جميع محاولات نظام مبارك في اقناع الشباب بإخلاء الميدان الى ان انتهت الثورة بإسقاط نظام مبارك.
وتخوف ناشطون وسياسيون من خطة وضعها مجلس الوزراء لتطوير الميدان، عبر اعلان مسابقة لوضع افضل تصور للشكل النهائي للميدان قبل ان يشهد انطلاق احتفالات الذكرى الثانية للثورة في 25 يناير المقبل.
وقال رئيس مجلس الوزراء الدكتور هشام قنديل، إنه شكل مجموعة عمل من وزارات عدة، لتحضير جدول أعمال، من أجل إقامة نصب تذكاري وجدارية، لتخليد شهداء الثورة الذين ضحوا بأرواحهم من أجلنا، بالإضافة إلى تخصيص مكان حتى يتمكن المواطنون من التجمع وتبادل الحوارات والنقاش في الأمور العامة، وتخصيص مكان آخر لإبراز الفنون والأغاني واللوحات الفنية التي رسمت خلال 18 يوماً مدة الثورة.
وقامت قوات من الشرطة ورجال البلدية بإزالة الخيم والاكشاك والتعديات وطرد الباعة الجائلين والخارجين عن القانون، وبدأت على الفور في حركة تشجير وتنظيف وإنارة للميدان، بعد ان تم اخلاؤه من جميع المقيمين فيه.
وقال صاحب احد المحال بالميدان، المهندس احمد عبدالغفور، إن الميدان تحول في الاشهر الماضية الى ساحة للعنف والبلطجة والسرقات، مؤكداً لـ«الإمارات اليوم»، ان اصحاب المحال في الميدان تكبدوا خسائر كبيرة بعد عزوف الناس عن الميدان للخوف من البلطجية، واعتبر ان حملة تنظيف الميدان تأخرت كثيراً لأنها سنحت بخراب بيوتهم وانتشار الاسلحة والمخدرات وقطاع الطرق بالميدان، وتابع «الميدان عاد من جديد زهرة الميادين وأرى ضرورة اخلائه وفتحه فقط امام السياحة والثورات ولا يتحول الى سوق للباعة الجائلين».
من جهته، قال عضو حزب حراس الثورة المشارك في اعادة الرسوم، محمدثروت، إن جماعة الإخوان تحاول احياء فكرة النظام السابق بتشويه الميدان عبر بنايات كثيرة تحتل وسط الميدان، موضحاً أن هناك خطة لبناء ما يسمى بالمتاحف والمزارات داخل الميدان حتى يتم القضاء تماماً على المساحات الفارغة التي كان يتحرك من خلالها الثوار، مشدداً على ضرورة التصدي لمخطط الإخوان الذي يستهدف تجفيف منابع الثورة قبل اندلاعها، وقال ثروت إن ميدان التحرير هو مهد أي ثورة يمكن ان تشتعل ضد أي سلطة غاشمة، والمساس به يعني انه لا ثورة على حكم الاخوان بعد اليوم، مستشهداً بإزالة صور الشهداء ورسوم الثوار، بحجة تنظيف الميدان، وقال إن ما نطالب به هو ازالة المباني التي لا قيمة لها بالميدان مثل مبنى مجمع الخدمات، وليس اقامة مبانٍ جديدة، وقال اتوقع اندلاغ موجة ثانية من الثورة اذا ما حاولت الحكومة تغيير معالمه.