طهران ترسل إشارات متضاربة لأهداف سياسية
الوجود العسكري الإيراني في ســورية حقيقة مؤكدة
حتى وقت قريب كان تدخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سورية يكتنفه الغموض. لكن عندما عرض الجيش السوري الحر عدداً من حراس الثورة الإيرانية على محطة «العربية» الاخبارية، أصر المسؤولون الايرانيون أن هؤلاء الرجال المخطوفين كانوا «حجاجاً»، وأن دعم ايران لسورية كان محدوداً بالدعم المعنوي والمساعدات الاقتصادية.
لكن خلال الأشهر الأخيرة، كان هناك تحول في التصريحات الايرانية. وأصبح مسؤولو النظام ميالين أكثر للاعتراف بوجود العسكري الإيراني في سورية، ولكنهم حافظوا في الوقت ذاته على بعض الغموض ازاء طبيعة هذا التدخل العسكري. وفي 16 سبتمبر الجاري، اعترف قائد قوات الحرس الجمهوري، محمد علي عزيز جعفري، بأن قوات القدس، وهي ذراع انجاز العمليات الخارجية للحرس الثوري، «موجودة» في سورية، لكنه أضاف أن «ذلك لا يعني أن ايران لها وجود عسكري» هناك، وان المساعدات الايرانية كانت مقتصرة على «الاستشارة والمساعدات الاقتصادية».
وربما يعكس هذا الغموض الاختلافات بشأن الاستراتيجية بين النخبة الحاكمة في الجمهورية الإسلامية، ويمثل تهديدا مبطنا مفاده أن ايران يمكنها أن تعرض عضلاتها العسكرية بشكل يفوق ما هو ظاهر حالياً.
وما زاد في تعقيد تفسيرات الرسالة الإيرانية أن المتحدث باسم وزير الخارجية الايراني، رامين محمان براسات، قد تحدث بعد اعتراف الجعفري بيوم واحد، ووصف بعض وسائل الاعلام بأنها «انتقائية» وغير أمينة في نقل الاخبار، وتحفزها أسباب سياسية في انتقاء الاخبار، وأضاف «ايران ليس لها أي وجود عسكري في المنطقة خصوصاً في سورية».
وهذه ليست المرة الأولى التي ترسل فيها ايران اشارات مختلطة بشأن طبيعة مشاركتها في سورية، ففي 26 مايو اعترف نائب قائد قوات القدس، العميد اسماعيل قاني، بأن قوات ايرانية موجودة في سورية لمحاولة منع «حدوث مجازر عظيمة» هناك. وبعد ذلك وفي 22 أغسطس أعلن وزير الدفاع، احمد فاهينيد، استعداد ايران «للتمسك بالتزاماتها الدفاعية والأمنية حسب طلب سورية، لكن لم يعترف بأن ايران تحتفظ بوجود عسكري في سورية في الوقت الراهن.
وعندما يتعلق الأمر بخلافات محتملة بين أفراد النخبة الحاكمة في ايران، فإنه ليس من المستغرب أن مسؤولي قوات الحرس الثوري يمكن ان يتبجحوا صراحة بالوجود العسكري الإيراني في سورية.
ومن الواضح ان هذه المنظمة لديها مصلحة في جعل هذا الوجود معروفاً كي تعزز قوتها في فروع أخرى للحكومة الايرانية.
وهذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها هذه الظاهرة، ففي ربيع 2008 بعث قائد قوات القدس، اللواء قاسم سليماني، برسالة الى الجنرال ديفيد بيترايوس الذي كان وقتها قائد القوات الدولية في العراق، يدعي انه يسيطر على السياسة الايرانية في العراق، وغزة، ولبنان، وافغانستان.
وكانت رسالة سليماني واضحة ومفادها «ان الولايات المتحدة يجب ان تتفاوض مع قوات القدس وليس مع طرف اخر في الجمهورية الاسلامية، بهدف حل المشكلات التي تواجهها واشنطن في الشرق الاوسط و جنوب شرق اسيا».
وبالطبع فإن رسالة سليماني الى بيترايوس تنطوي على خدمة ذاتية، فإذا اثبتت الولايات المتحدة انها مستعدة للانخراط في مفاوضات معه، فإنها ستعزز من هيبته، وسيطرة قوات القدس على صانعي القرار في ايران.
وبصورة مشابهة، فإن اعتراف جعفري وقاني بوجود قوات حرس الثورة الإيرانية في سورية يمثل طريقة في الاتصال مع الذين يرغبون في التفاوض من أجل حل للأزمة السورية، بأنه يتعين عليهم التعامل ايضا مع قوات الحرس الثوري.
ومن ناحية اخرى فإن وزارة الخارجية ربما تعارض تورطاً عسكرياً إيرانياً في سورية لئلا يؤدي ذلك الى تبوؤ قوات الحرس منزلة متقدمة في السياسة الايرانية السورية.
وربما لا يفسر ذلك تشديد محمان باراسات على ان ايران «ليس لها أي وجود عسكري في المنطقة»، وانما المحاولات الممنهجة لوزارة الخارجية في التوسط بين المعارضة والرئيس بشار الأسد.
ويمكن تفسير التصريحات الايرانية بالتورط العسكري باعتبارها أسلوب قوات الحرس الثوري في التهديد بزيادة تدخلها، الأمر الذي يحول الحرب الاهلية في سورية الى حرب اقليمية.
ويهدف التهديد، على ما يبدو، الى اجبار الدول الغربية، والأتراك، وغيرهم، على التفكير مرتين قبل زيادة تورطها في حرب بالوكالة.
لكن هذه الخدعة يمكن ان تكون قليلة الأهمية ومتأخرة، اذ ان نظام الأسد أصبح في وضع يستحيل فيه انقاذه، كما أن زيادة وجود قوات الحرس الثوري ليست ضمانة للنجاح.
وحسبما ذكرت صحيفة ووال ستريت جورنال، فقد تم إرسال العميد حسين حمداني للإشراف على عمليات قوات القدس، وليس من الصعوبة بمكان ان نفهم اختيار العميد حمداني، وحسب سيرته المهنية الرسمية، فإنه يتمتع بخبرة كبيرة في قمع حركات الانفصاليين الأكراد في كردستان الايرانية، وفي أعقاب ثورة عام ،1979 وخلال الحرب العراقية الايرانية. وفي عام 2005 عين حعفري، وهو القائد المؤسس لمركز الدراسات الاستراتيجية لقوات الحرس الثوري، حمداني نائباً له، إذ ابتكر الاثنان معا مبادئ مواجهة الثورات المخملية، وفي عامي 2009 و2010 تمكن حمداني من قمع التظاهرات المناهضة للنظام في طهران بصورة فعالة.
ويبدو ان خلفية حمداني وخبرته لن تساعداه الآن، فنظراً الى أن التظاهرات السورية تطورت الى عصيانات مسلحة ، بعد أن تمكن الثوار من الحصول على اسلحة متطورة، فإنه ربما يجد نفسه يحارب جيشاً مختلفاً تماماً عن المتظاهرين المسالمين الذين انتصر عليهم في طهران.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news