غارات الطائرات من دون طيار متواصلة في عهد أوباما. غيتي

غارات الـ «بدون طيار» تجتذب أعداءً أكثر من عدد قتلاها

كثر الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى في الآونة الأخيرة حول مدى جدوى وقانونية الغارات التي تقوم بها طائرات أميركية من دون طيار في أفغانستان وباكستان، لاسيما أن معظم ضحاياها من المدنيين العزل.

وأنا أتساءل مع سياسيين ومحللين في واشنطن حول ما إذا كانت هذه الغارات تعني استمرار الحرب في أفغانستان، وهل أصبحت هذه الغارات مكوناً أساسياً في السياسة الخارجية لأميركا؟

وإذا كان استخدام الطيران للاغتيال السياسي يعود على الأرجح إلى زمن اختراع الطيران، فإن الرئيس الاميركي باراك أوباما، توسع في عمليات القتل بالطائرات من دون طيار، ربما ليخطوا على آثار الكونت روستوبتشن، حاكم موسكو قبل 200 عام، عندما فكر في إرسال منطاد لإلقاء عبوة ناسفة على الزعيم الفرنسي نابليون بونابرت، أثناء غزوه روسيا. ورغم أن هذه الحكاية التي أوردها الكاتب والرحالة والسياسي الفرنسي شاتوبريان في مذكراته رمزية الى حد كبير، إلا أنها تعطي فكرة كبيرة، وهي أن الإنسان حينما فكر في استخدامات مخترعاته من الاجسام الطائرة، كانت فكرة استخدامها في الاغتيال السياسي وقتل الناس هي السباقة على غيرها.

وتسهب مصادر أميركية في تفصيل مدى التوسع في استخدام الطائرات من دون طيار في عهد اوباما، والتي قتلت غاراتها ضحايا بالآلاف، إذ يصعب تحديد نسبة المدنيين من هؤلاء.

وفي باكستان وحدها بلغ عدد هذه الغارات الجوية من هذا النوع من الطائرات ،337 وهي من تدبير وتنفيذ عناصر الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه)، وراح ضحيتها أكثر من 3225 شخصاً منذ ،2004 بينهم ما يراوح بين 1618و2769 من المسلحين، وذلك استناداً الى معهد «نيو أميركا فاونديشن».

وتقدم القوات الاميركية غالباً تفسيرات يصعب القبول بها لتبرير قصفها الجوي لتجمعات ضخمـة للمدنيين ومناسـبات وحفلات أعـراس، باعتبارها «مواكب إرهابيين من القاعدة وطالبان وجماعات أخرى متشددة».

وهناك اعتقاد أصبحت أميل إليه، وهو أن اللجوء الى الطائرات من دون طيار إنما جاء نتيجة فشل أميركا في حربي العراق وافغانستان اللتين كانتا تهدفان الى إنهاء عقدة حرب فيتنام، بل خلفتا في واقع الامر فيتنام أخرى.

وما يتجاهله القادة العسكريون والمسؤولون السياسيون الاميركيون، أو يتعمدون تجاهله، هو أن غارات الطائرات من دون طيار في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق وليبيا والصومال أنما تخلق أعداء لأميركا أكثر بكثير من أعداد ضحاياها، وتغذّي مشاعر الضغينة في نفوس الذين يفقدون أبناء أو بنات وأشقاء لهم في تلك الغارات.

يحلم المسؤولون السياسيون والقادة العسكريون الاميركيون بأن تساعدهم هذه الغارات في حسم الحرب من خلال الإسراع في تصفية المسلحين المعارضين للوجود العسكري الاميركي في باكستان وأفغانستان والعراق، غير أن هذه الغارات لا تحدث فارقاً كبيراً على الأرض، رغم ما تسببه من رعب كبير وذعر في صفوف سكان المناطق التي تستهدفها، وان الهدف الاساس منها سياس داخلي، وهو تأكيد أن البيت الابيض لايزال «يحارب الإرهاب».

وربما كان من أسباب تمسك أوباما بمواصلة هذه الغارات التي بدأها سلفه الجمهوري جورج بوش في 2004 وحتى 2008 هو اعتقاده وكبار مساعديه بأنها أصبحت مكوناً مهماً من مكونات السياسة الخارجية الاميركية في جنوب آسيا والشرق الاوسط وشمال إفريقيا، بعد فشل الولايات المتحدة في تحقيق انتصار واضح في حرب افغانستان وحرب العراق، رغم غزوهما بمئات الآلاف من الجنود، تعززهم أعداد كبيرة من الدبابات والمدافع والطائرات، إضافة أن تراجع الدعم الشعبي والمؤسساتي لتدخل عسكري اميركي جديد إلى أدنى نقطة ممكنة، يزيد قناعة المسؤولين في إدارة اوباما بأهمية المضي قدماً في شن هذه الغارات التي لا تسبب وقوع ضحايا في صفوف الاميركيين، كما أن الجمهوريين واجهوا صعوبة في انتقاد الديمقراطيين بشأن هذه الغارات، حتى لا يواجهوا اتهاماً بأنهم يتبنون موقفاً ضعيفاً من «محاربة الإرهاب» التي هي اختراع جمهوري بكل امتياز.

وفي مناظرته الاخيرة مع اوباما قال المرشح الجمهوري للرئاسة مت رومني «لا يمكننا أن نفقد طريقنا من خلال هذه الغارات»، لكنه أضاف لاحقا أن «هذا لا يعني أنني ضد غارات الطائرات الاميركية من دون طيار».

ومن وجهة نظر البيت الابيض فإن إبقاء تلك الغارات سراً حقق فائدة كبيرة، وان التزام الصمت الرسمي إزاء استمرارها يمكن تبريره بالزعم أنها ضمن الحرب السرية الهادئة على تنظيم القاعدة، وان الابقاء على سريتها يزيد من فاعليتها.

لقد لجأت إيطاليا الى الغارات الجوية السرية في احتلالها لليبيا ،1911 وكذلك بريطانيا من خلال الطائرة القاذفة «هاريس» ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وصولا الى الولايات المتحدة في عهد إدارة ريتشارد نيكسون اواخر الستينات واوائل السبعينات من القرن الماضي في حرب فيتنام باستخدام قاذفات بي 52 العملاقة. كما أن غارات الطائرات بلا طيار لها فائدة اخرى وهي تاجيج الغضب الشعبي في البلدان التي تتم فيها، كما هي الحال في باكستان، حيث تتآكل شعبية الرئيس والحكومة، بسبب تأييدهم لهذه الغارات، إضافة الى أنه يصعب على الصحافيين إثبات كذب وزيف الرواية التي يتم تقديمها عن ملابسات ونتائج أي غارة جوية لطائرة من دون طيار، حيث يستغرق أي صحافي وقتاً كبيراً قبل إثبات حقيقة ما حدث في تلك الغارة. وأخيراً فإن غارات الطائرات من دون طيار تفيد دولاً أخرى مثل روسيا والصين للاستثمار في هذا النوع من الغارات، واستخدامها في تصفية واغتيال خصومها من المعارضين والمنشقين في الخارج، بحجة التآمر الخارجي على أمنها واستقرارها.

باتريك كوكبرن - كاتب ومحلل صحافي، والمقال منشور في «ذا إندبندنت أون صنداي»

الأكثر مشاركة