يرتاده زبائن من الناطقين

«أطفالنا».. مطعم للصم والبكم في غزة

نادل من الصم والبكم يتعامل مع اثنتين من مرتادي المطعم. الإمارات اليوم

مطعم للصم والبكم في غزة! إنه الحدث الذي أثار دهشة الكثيرين، فهذا الأمر ليس غريباً على أناس قفزوا في حاجز الإعاقة بإرادتهم الصلبة حتى يكون لهم دور مهم  في المجتمع كغيرهم من الأصحاء، فهذا المطعم يعد أحد البرامج المدرة للدخل التي تنفذها جمعية أطفالنا للصم في غزة، بهدف تمكين الشباب والشابات الصم والبكم من تحقيق طموحاتهم وتلبية احتياجاتهم من خلال دمجهم في المجتمع.

ففي مدينة غزة مقابل مينائها البحري، تلك المنطقة التي تعد من أرقى المناطق السياحية فيها، يقع مطعم «أطفالنا» الذي يعمل فيه الصم والبكم من كلا الجنسين، فالزائر لهذا المكان يلاحظ الأجواء الداخلية للمطعم، التي تبعث الراحة العظمى لدى أي زائر، خصوصاً من الناطقين، فالهدوء سمة المكان الأساسية، والابتسامة اللغة الأكثر شيوعاً على وجوه العاملين الذين يسقبلون الزبائن لحظة وصولهم.

الأمر لا ينتهي هنا، فالمطعم مزين بتصاميم وأعمال تراثية وحرفية من صنع الصم والبكم أنفسهم، حيث توفر جمعية أطفالنا للصم ورشاً حرفية داخل الجمعية، ويعملون بها مقابل راتب شهري، كما زينت جدران المطعم بإشارات الصم، التي تساعد الزبائن الناطقين على فهم إشارتهم والتعامل معهم بشكل سهل، إضافة إلى أنه يوجد نادل من الناطقين يرافق الصم في حال صعب على الزبائن أمر ما.

وتقول مسؤولة المشتريات في جمعية أطفالنا للصم والبكم في غزة  هنادي الريس ل«الإمارات اليوم» إن «الجمعية ترعى الصم والبكم منذ الصغر، إذ يلتحقون بالمدرسة الخاصة بهم داخل الجمعية، وعندما يكبرون نوفر لهم برامج متعددة لدمجهم في المجتمع، ومنها الورش المهنية والحرفية، كالتطريز والأعمال الخشبية، إلى جانب الصناعات اليدوية التراثية، أما هذا المطعم فهو فكرة الصم والبكم أنفسهم منذ البداية».

وتضيف إن «فكرة المطعم تراودنا منذ زمن بعيد كبرنامج يعود بالدخل على العاملين فيه وعلى الجمعية، وكانت الخطوة الأولى لهذا المطعم الممول من مؤسسة (دروسوس) السويسرية هو تدريب الصم على مهارات فن الطهي التي أتقنوها بمهارة عالية، ومنهم من اتجه إلى العمل في مطاعم خاصة، إلى أن جاء التمويل والموافقة على المشروع، وهنا كانت الخطوة الثانية في المشروع التي تكللت بإنشاء وتجهيز المطعم الذي استغرق العمل فيه عاماً كاملاً».

وتوضح الريس أن عملية اختيار الفريق العامل بالمطعم كانت وفق معايير عدة، أولها اعتمد على مدى رغبة الصم أنفسهم في القيام بالعمل، وقدرتهم على التواصل مع الآخرين، والاندماج معهم.

وتشير مسؤولة المشتريات في جمعية أطفالنا للصم والبكم، إلى أن مطعم أطفالنا يوفر فرصة عمل للصم والبكم، ويؤمن لهم عائداً مادياً مستمراً يساعدهم على إعالة أنفسهم وعائلاتهم.

ويعد العمل في مطعم أطفالنا من قبل الصم والبكم، بحسب الريس، نموذجاً واقعياً لكسر الحاجز بين عالم الصم والناطقين، وفرصة لدمجهم في المجتمع، إذ إن الأصم سيتعلم المزيد من الإيحاءات، وسيتمكن من بناء علاقات جيدة، فيما سيتعلم مرتادو المطعم لغة الإشارة كلغة يجب أن يجيدها الجميع لدعم هذه الفئة والاندماج معها.

عمل سهل

الصم والبكم من كلا الجنسين يعملون طوال النهار من دون كلل أو ملل، ويستقبلون الزبائن من مختلف الفئات والأعمار، خصوصاً الناطقين، ويتواصلون معهم، ويقدمون لهم ما يطلبون من دون أي حواجز تعيقهم عن ذلك.

الشاب زهدي مرتجى، وهو أصم، ويعمل نادلاً في المطعم، يقول ل«الإمارات اليوم» بلغة الإشارة التي ترجمت بواسطة مترجم خاص بهم، إن «معظم الزبائن منذ اليوم الأول كانوا مبسوطين من عملنا وطريقة التعامل معنا، ولم نجد صعوبة في التعامل معهم، وإن عملي يقوم باستقبال الزبائن بابتسامة لا تفارق وجهي، ومرافقتهم حتى الجلوس على الطاولة، ثم معرفة رغباتهم وطلباتهم وتقديمها لهم، ولا نجد صعوبة في ذلك، فقائمة الطلبات في المطعم مرقمة بأرقام تميز كل طلب، ومن خلالها يمكن للضيف طلب ما يريد بالإشارة على طلبه الذي سيستطيع قراءة وصفه من خلال القائمة  نفسها».

ويضيف أن «هذا المطعم هو حلم كنا نتطلع لتحقيقه، كما يعد مصدر دخل يساعدني على تأمين احتياجات عائلتي، وإكمال مراحل تعليمي».

لا يأس مع الحياة

داخل المطبخ الخاص بالمطعم يتواصل العمل لإنجاز أشهى المأكولات التي تحظى برضا الزبائن، فهم يمتلكون القدرة والمهارة على صناعة جميع الأصناف، ليكتمل إبداعهم الذي بدأوه منذ أشهر عدة، وهم يخضعون لدورات خاصة في كيفية العمل داخل المطعم، والتواصل مع الزبائن الأصحاء.

فالشابة أمينة، وهي من الصم العاملين في مطبخ المطعم، ترى أن عملها هذا يؤكد لذاتها ألا يأس مع الحياة، فرؤيتها فرحة الزبائن بعطائها وعملها، وإعجابهم بالأطباق التي تعدها، يجلعانها مقبولة أكثر في المجتمع.

وتقول أمينة ل«الإمارات اليوم»، وهي تحضر أطباق السلطة «في البداية كانت فكرة العمل داخل مطعم يرتاده زبائن من الناطقين صعبة إلى حد ما، لكن تدريجياً أصبح الأمر سهلاً، واعتدت عليه، وأصبحت لدي خبرة في العمل بعد فترة التدريب التي خضعنا لها حول كيفية العمل في المطعم، كما أن وجود عدد من الصم والبكم يعملون معي ساعدني أكثر على العمل».

وتضيف أن «الأطباق التي نقدمها نسعى لتكون مختلفة، فنهتم بأن يكون شكل الطبق مميزاً ويلفت النظر، وهذا ما يساعد على تشجيع الزبائن على التردد على المطعم».

تويتر