أطفال أشقاء من عائلة الدلو. أرشيفية

إسـرائيل قتـلت أطفـالاً ولدوا بيـن حربي ‬2009 و‬2012 في غزة

أطفال غزة يعيشون في ظل معادلة صعبة لا تندرج مع طفولتهم وبراءتهم، فالاحتلال الإسرائيلي يحاول جاهداً أن ينعمهم بالمزيد من صواريخه وقذائفه الحارقة، وهذا ما كان واضحاً خلال عمليته العسكرية ضد القطاع التي عرفت بحرب الأيام الثمانية، والتي انتهت مساء الأربعاء ‬21 نوفمبر الماضي، فقد تعمدت إسرائيل استهداف المدنيين والآمنين داخل منازلهم خصوصاً الأطفال الذين كانوا مرمى لأهدافها.

أغلبية الأطفال الذين ارتقوا شهداء وسقطوا جرحى خلال العملية العسكرية الإسرائيلية تراوح أعمارهم ما بين أشهر معدودة وأربع سنوات، وبالإشارة إلى هذه الأعمار يتضح أن الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في نهاية عام ‬2008 وبداية عام ‬2009 انتهت قبل ما يقارب أربعة أعوام، وهو عمر معظم الأطفال الذين قضوا نحبهم خلال حرب ‬2012، وهذا يعني أن الأطفال الذين ولدوا في هذه الفترة راحوا ضحية عدوان إسرائيل التي تدعي الإنسانية والديمقراطية.

الأمر لا يتوقف عند استهداف وقتل الأطفال وقصفهم بالصواريخ وهم آمنين نائمين في منازلهم وفي أحضان أمهاتهم، بل انتهجت أسلوب الإبادة الجماعية لعائلات وأشقاء، ليستمر مسلسل الموت بالجملة الذي تبدعه إسرائيل ضد سكان القطاع، فالأطفال الأشقاء الذين اعتادوا أن يلعبوا مع بعضهم، اجتمعوا في قبر واحد بعد أن كانت الحياة تجمعهم معاً في لحظات فرحهم ومرحهم.

وبحسب إحصائية وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، بلغت الحصيلة النّهائية لضحايا العدوان على غزة ‬164 شهيدًا من بينهم ‬43طفلاً و‬11 سيدة و‬18 مسنًا، إضافة لإصابة ‬1234 مواطنًا، من بينهم ‬431 طفلاً و‬207 سيدات و‬88 مسنًا.

جراح عميقة

عند الحديث عن عائلة حجازي في غزة، فإن الوجع هنا لا يحتمل، فأطفال هذه العائلة على موعد مع جرائم الاحتلال التي طالتهم خلال الحربين، ففي حرب ‬2009 رافقها الألم باستشهاد ابنها محمد، فيما تعمقت جراحها عندما استهدفت الطائرات الإسرائيلية منزل العائلة المتواضع والمبني من الطوبِ والزينكو، ليرتقي رب الأسرة فؤاد حجازي (‬43 عاماً) واثنان من أطفاله محمد (أربعة أعوام)، وصهيب (عامان)، دفنتهم قوة انفجار الصواريخ تحت التراب، فيما أصيب بقية أفراد أسرته.

الطفلة منى حجازي أحد الناجين من المجزرة التي أودت بحياة أشقائها الأطفال ووالدها، كانت ترقد على أحد الأسرة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، حيث أصيبت بجروح متوسطة، وتقول متسائلة وقد بدت الحسرة على ملامحها،« لماذا فعلوا بنا هكذا؟ فقدت أبي وإخوتي، ووالدتي ترقد في العناية المركزة، ماذا فعلنا بهم؟ نحن ندافع عن أرضنا ووطننا، حرموني من طفولتي، وأن أعيش كغيري من أطفال العالم، حرمت من حضن أبي وحنانه».

وتتذكر ما ألم بعائلتها والدموع تسبق كلماتها، «في تلك الليلة المشؤومة شعر إخوتي الصغار بالخوف الشديد، فقد كان دوِي الانفجارات يهز أرجاء المنطقة بكثافة، فطلب والدي منا أن نجلس معًا ونقرأَ القرآن، وأخذ يحدثنا أنّ اللهَ سينصرُ الفلسطينيين؛ لأننا أصحاب حق، ولن يضيعَنا، وغيرها من الموضوعات، وطلب منا أن ننام في وقت مبكر، واحتضن إخوتي ليفترقوا جميعًا، وما لبثنا أن دمرت الصواريخ بيتَنا ليستشهد والدي وشقيقاي».

نوم إلى الأبد

أما ما حدث مع أطفال عائلة «اسعيفان» في شمال قطاع غزة، فلم يكن نتيجة جُرماً سماوياً أو نيزكاً نزل من السماء وسقط في المنزل، بل إنها صخرة كبيرة تزن نحو ‬170 كيلوغراماً، اخترقت سقف الغرفة الذي يعلوه الزينكو بعد قصف الأرض الملاصقة للمنزل، ما يدلل على شدة الانفجار الذي يحول صخرة بهذا الوزن والحجم الكبيرين إلى طائر يهبط فيستقر على صدر الطفلين تامر (أربعة أعوام)، وأخته جمانة (عامان)، اللذين كانا يغرقان في نوم عميق، فتحول إلى نوم أبدي. لم نجد أشقاء للشهيدين ليتحدثوا عنهما، لأنهما الطفلان الوحيدان لوالديهما، لكن صدمة فراقهما كانت واضحة على وجوه أبناء عمهما الأطفال شهد ونغم وإبراهيم وريم، فهم لم ينفكوا عن الأسئلة المتكررة لجدّهم وجدتهم وعمهم في كلّ لحظةٍ عن مصير تامر وجمانة.

شهادة جماعية

وفي حي النصر بمدينة غزة، مازالت رائحة الدماءِ والدمار شاهداً على جرم الاحتلال، هناك كانت تقطن عائلة الدلو بأمان وسلام، إلا أن بطش وغطرسة الاحتلال جاءا ليفرقاهم بلا ذنب اقترفوه، لتعيش العائلة حكاية قاسية في تفاصيلها ومعاناتها، لم تأت فصولها في أي دراما تلفزيونية ولا روائية، أبطال تلك الرواية خمسة أطفال وأربع نساء دفنوا جميعا تحت انقاض منزلهم الذي استهدفته الصواريخ الغادرة.

والأطفال الشهداء من عائلة الدلو هم الأشقاء: سارة وإبراهيم ويوسف وجمال، وابنة عمهم رنين، والذين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة.

الأكثر مشاركة