خطوط المعركة ارتسمت بين الإسلاميين والليبراليين

أزمة مصر أقرب إلى تصفية حســـــــابات مـــن الديمقراطية

الإعلان الدستوري الذي منح مرسي سلطات واسعة كان الشرارة التي أشعلت الشارع. رويترز

عندما أصدر الرئيس (المصري) محمد مرسي مرسومه الدستوري يوم ‬22 نوفمبر الماضي، ارتسمت خطوط المعركة السياسية واضحة وجلية في مصر، ففي جانب واحد تتكتل قوى الإسلام السياسي بقيادة حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، ويتضمن أيضاً الجماعات السلفية المحافظة مثل حزب النور وحزب البناء والتنمية، فضلا عن غيرها من القيادات المعتدلة مثل الوسط، والحضارة، والأصالة، أما الجانب الآخر فيضم مجموعة من الأحزاب والجماعات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، والتي تمثل الليبرالية والاشتراكية والقوى الوطنية التقليدية، وكذلك الكنيسة القبطية. ومن المفارقات أن تلك القوى تضم أيضا بعض مجموعات الشباب الثوري الأكثر نشاطاً مثل «حركة ‬6 أبريل»، وكذلك بقايا قوية من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذين تعهد الثوار بإسقاطهم وتقديمهم للمحاكمة بتهمة الفساد والقمع.

إلا أن السبب الذي جمع هذه الجماعات العلمانية المختلفة على صعيد واحد لم يكن سوى البغض والكراهية العميقة لـ«الإخوان المسلمين»، الذين كان هناك الكثير من الاسباب لاحتقارهم من قبل الجماعات الثورية في الماضي القريب، ومن بين هذه الاسباب التفاهم الضمني بينهم وبين المجلس العسكري الحاكم خلال الفترة الانتقالية حتى لا يتركوا للمجلس أي مبرر لتأجيل الانتخابات، وتجاهل «الاخوان المسلمون» ايضا وحشية قوات الأمن ضد الشباب الثوري أثناء احتجاجاتهم السلمية، وتراجعهم عن الكثير من الوعود التي قطعوها في الماضي، مثل تعهدهم عدم تسمية مرشح للرئاسة، لكنهم سموا اثنين وتسببوا في شق المعارضة والفوز في نهاية المطاف بالرئاسة، ووعدوا بتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكنهم بدلا من ذلك شكلوا حكومة يهيمن عليها التكنوقراط وعدد من كبار أعضاء جماعة الاخوان المسلمين.

لكن يجب علينا ان نفهم الأزمة الحالية أيضا في سياق هذا الصراع المرير بين هاتين الكتلتين السياسيتين الكبيرتين، حيث انفجر الصراع في الطريق إلى الجمعية التأسيسية للدستور التي عهد إليها كتابة الدستور الجديد، فمنذ إنشائها في منتصف يونيو الماضي، ضمت اللجان الخمس الخاصة جميع الاحزاب العلمانية. إلا ان هذه الاحزاب اشتكت من هيمنة القوى الإسلامية عليها. كما عبر الكثير عن مخاوفهم بأن الدستور سيحول مصر إلى «دولة دينية» على غرار جمهورية إيران الإسلامية، لاسيما المادة ‬219، التي تفسر روح المادة الثانية من الدستور التي تنص بأن تكون «مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع». هناك اعتراض آخر ساقه الممثلون العلمانيون في الجمعية، هو استخدام عبارة «الدولة والمجتمع» في أربع مواد مختلفة، للإشارة إلى بعض تدابير الحماية في مجالات اقتصادية أو اجتماعية (مثل النساء والأطفال والعمال، وما إلى ذلك)، وينبع اعترض العلمانيين على إدراج عبارة «المجتمع» من خوفهم من ان بعض الجماعات الدينية ستكون محمية بالدستور في محاولتها فرض أعرافها وتقاليدها المحافظة على المجتمع.

وفي الوقت الذي بدا انعدام الثقة يتسع بين الجانبين، اعتقدت الجماعات العلمانية في أوائل نوفمبر انه يمكنها التوصل إلى صفقة أفضل، إذا تم حل الجمعية عن طريق المحكمة الدستورية العليا خلال جلسة كان من المقرر عقدها في الثاني من ديسمبر الجاري، إلا أنه تم تأجيلها بعدما حاصر منتمون للتيار الاسلامي مقر المحكمة الدستورية العليا ومنع افرادها من الدخول.

خلال محاولته التوسط لحل هذا النزاع تلقى مرسي تقارير مقلقة، وفقاً لأشخاص مقربين منه (تقريبا في منتصف نوفمبر في خضم جهوده الرامية إلى تأمين اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية حماس)، حيث تشير تلك التقارير التي نشرت في العديد من المواقع بما في ذلك «التغيير» و«المصريون»، عن مؤامرة متقنة تحاك ضد مرسي و«الاخوان المسلمين»، تدعي أن المستشارة في المحكمة الدستورية العليا بمصر، تهاني الجبالي، بالاشتراك مع آخرين على وشك حل مجلس الشورى، والطعن في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، ووفقا لتلك التقارير استبق مرسي احكام المحكمة الدستورية العليا بالإعلان الدستوري الذي وصفه معارضوه بأنه «يصنع دكتاتورا جديداً» في مصر، والذي وصفه بعض المعارضين بأنه يجعل من مرسي «نصف إله» و«الحاكم بأمره».

خطاب مرسي للشعب المصري في السادس من ديسمبر أعطى زخماً لهذه المؤامرة المزعومة، حيث لمح في ذلك الخطاب بأن لديه دليلاً على الأفراد البارزين فيها والمتآمرين ضد الدولة. كما أشار ايضا الى عنوان مكتب النائب البارز، حيث عقد الاجتماع كما يدعي في حي الدقي في القاهرة. وتعهد مرسي بعد ذلك في كلمته ان المدعي العام للدولة سيعرض قريبا للجمهور تفاصيل هذه المؤامرة، عندما يتم توجيه اتهامات رسمية في المستقبل القريب ضد المتآمرين. وعلى هذا الاساس أصدر مرسي مرسومه الدستوري في ‬22 من نوفمبر، من أجل استباق ما كان يعتقد انه مخطط كبير يهدف لزعزعة استقرار البلاد وتقويض مؤسساتها، حيث منحه ذلك المرسوم سلطات واسعة، إلا ان المرسوم تمت مناقشته في دائرة ضيقة جدا وقريبة منه. حتى قال نائبه محمود مكي، وهو قاض كبير سابق، يدعي أنه سمع فقط عن المرسوم الرئاسي من التقارير الإخبارية التلفزيونية.

مما لاشك فيه، انه كان بود معظم الأحزاب السياسية والجماعات الثورية الترحيب بذلك الجزء من المرسوم الذي يقصي المدعي العام السابق (عبدالمجيد محمود)، وهو الذي عينه مبارك والذي فشل في تأمين حكم واحد ضد أي مسؤولي النظام السابق أو رجال الأمن المتورطين «في قتل أكثر من ‬1000 محتج في الأيام الأولى للثورة».

هناك ثلاثة أنواع من المعارضة للمرسوم الرئاسي، النوع الأول يعتبر ان السلطات الاستثنائية المفترضة للرئيس لم يجانبها الصواب وتعتبر سابقة سيئة، وغير ضرورية، طالما ان المرسوم الدستوري بطبيعته لا يقبل المراجعة من قبل المحاكم. ويمثل هذا الرأي المرشح الرئاسي السابق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، فضلا عن غيره من الشخصيات العامة البارزة مثل الكاتب والصحافي فهمي هويدي، الباحث الدستوري ثروت بدوي، والرئيس السابق لنقابة القضاة القاضي زكريا عبدالعزيز.

ويمثل النوع الثاني من المعارضة الأطراف العلمانية التقليدية، والجماعات، والأفراد الذين وجدوها فرصة مواتية لجهودهم لكشف وفضح ممارسات «الاخوان المسلمين» وحزب الحرية والعدالة، حيث نددوا بالسلطات المفترضة للرئيس، ووصفوها بأنها بداية لدكتاتورية فاشية محتملة. فقد علق البرلماني السابق والعلماني الشهير، الدكتور عمرو حمزاوي، بأن مرسي أسوأ من (الزعيم النازي أدولف) هتلر، ووصف المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية ورئيس الحزب الليبرالي «الدستور» محمد البرادعي، مرسي بأنه «فرعون جديد وأسوأ من الدكتاتور مبارك».

النوع الثالث من المعارضة، هم من يسمون بفلول النظام السابق، ظلوا يتربصون من الخلف في انتظار اللحظة المناسبة لاستعادة السلطة المفقودة. فمنذ الأيام الأخيرة للثورة أعادوا تنظيم صفوفهم حول أحمد شفيق في سعيهم ليصبح رئيساً، لكنهم فشلوا في نهاية المطاف على الرغم من تلقيهم الدعم من المجلس العسكري.

عندما أصدر مرسي مرسومه الرئاسي، شكلت المجموعتان الأخيرتان ائتلافاً واسعاً تحت اسم جبهة الإنقاذ الوطني، وتشكلت قيادتها من الامين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، والبرادعي، و(المرشح الرئاسي السابق حمدين) صباحي، وأيمن نور، ورئيس حزب الوفد السيد البدوي. اضافة الى أفراد مرتبطين بشفيق والنظام السابق. وفي عرض نادر للوحدة، انضمت معظم الجماعات العلمانية بما في ذلك مجموعات الشباب الثورية، الى جبهة الإنقاذ الوطني، إلا ان العديد من النقاد يؤكدون أن ما وحد هذه المجموعات المتنافرة هو كراهيتهم لـ«الاخوان المسلمين» والجماعات الدينية الأخرى. وتمثلت استراتيجيتهم المشتركة في الخروج إلى الشارع والبدء في تنظيم حملة مكثفة من أجل طرد مرسي وجماعة الاخوان من السلطة، على غرار الأيام الأولى للثورة ضد نظام مبارك.

عصام الأمين كاتب صحافي مصري

 

تويتر