فشل في إصلاح الاقتصاد وتحفيزه على النمو وتعديل الأجور المتدنّية
مرسي يحبط آمال كثير من المصـريين
تحليق 10 طائرات إف -16 حربية على ارتفاعات منخفضة يوم الأحد الماضي فوق ميدان التحرير والعاصمة المصرية القاهرة بشكل عام كان له تفسيره البسيط والمباشر عند جماعة الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية المؤيدة لها، وهو أنه يصب في إطار تعزيز إجراءات الامن، بعد احتشاد جموع غفيرة من المتظاهرين حول قصر الاتحادية للرئاسة، وحينئذ قال الناطق باسم حزب النور السلفي إنه لو تعرض الرئيس المصري محمد مرسي لأدنى خطر بالاغتيال، فستقوم ثورة إسلامية عارمة، بهدف جعل الحكم في مصر كله إسلامياً بالكامل «ولو كنت أنا مرسي لأبديت حذراً وحرصاً، وكثفت النظر والتدقيق من حولي»، وذلك في معرض شرحه لإجراءات الأمن المشددة التي تم اتخاذها حول قصر الاتحادية للرئاسة.
ويسارع قادة الإخوان المسلمين إلى إعطاء تفسير إسلامي لكل مسألة تعترضهم أو قضية مثيرة للجدل تحاول المعارضة الليبرالية والعلمانية طرحها، فهم يرددون أنهم وصلوا إلى الحكم والرئاسة من خلال الانتخابات وصناديق الاقتراع، وأن الرئيس وحكومته يحكمان بشرع الله، وكل من يعترض أو يحاول الخروج عليهما إنما يخالف الشريعة. ويبدو أن الرئيس مرسي يحاول إرضاء أطراف عدة، أولها جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها، ثم القوى والأحزاب الإسلامية والسلفية الاخرى التي لا تعتبر الاخوان إسلاميين ومسلمين بما يكفي، ثم الاميركيون، ثم بقية القوى التي قامت بثورة 25 يناير التي أطاحت بحسني مبارك ونظامه.
وقد طالب الشعب المصري أثناء الثورة بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، إلا أن مرسي قدم له سيلاً من الدماء، ولايزال كثير من المصريين يموتون من التعذيب في السجون ومراكز الشرطة في طول البلاد وعرضها، وكانت مطالب الثورة واضحة، لكن مرسي رفض إعادة هيكلة أجهزة الأمن، وعيّن الرجل الذي كان رئيساً للأمن العام في عام 2011، الذي شهد مقتل العديد من الابرياء في ارجاء البلاد، وزيراً للداخلية. وبالنسبة للاقتصاد، فإن مرسي سار على الطريق نفسه الذي انتهجه سلفه السابق مبارك، فقد زار الصين، وكثر الحديث عن العديد من الصفقات معها، وعن قروض من البنك الدولي، التي أصبحت فجأة مقبولة وغير محرمة لضرورتها، بعد أن كانت محرمة قبل وصول الإخوان المسلمين الى السلطة.
ويريد رجال الأعمال وأصحاب الشركات والبنوك أن يبادر مرسي إلى بدء خطوات ثورية جريئة وحازمة لاصلاح الاقتصاد وتحفيزه على التحرك والنمو، وكذلك الحال بالنسبة للامن. بكل بساطة كان مرسي قادراً على توسيع صلاحياته وتحصينها من خلال الاعلان الدستوري، بينما لم يكن قادراً على التقدم خطوة واحدة نحو معالجة مسألة تعديل الاجور والرواتب المتدنية أصلاً. وفور طرح الاعلان الدستوري خرجت جموع الى الشوارع للتظاهر ضده، غير أنهم لم يتوقعوا أن يتعرضوا للهجوم من عناصر ميليشيات تابعة للاخوان المسلمين، مسلحة بالمسدسات والسكاكين والهراوات، كما أنهم لم يتوقعوا أن يخرج أحد ممثلي الاخوان ليقول «قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار»، فكيف يكون أحدهم شهيداً والثاني مجرماً أو قاطع طريق وكلاهما مسلم؟ وماذا عن القتيل القبطي كرم جرجس؟ وحين تقول الثورة إن مرسي خسر شرعيته، فإن هذا يعود لأن أكثر الذين صوتوا له من أبناء الثورة لإبعاد العسكر ونظام مبارك، شعروا بقوة بأن مرسي يخون الثقة التي اعطيت له، وأصبحت يداه ملطختين بالدماء.
وإذا كان مرسي وبعض القادة يرغبون في استعادة وحدة الشعب والبلاد من خلال الاستعانة بتطبيق دستور 1971، فإن الرئاسة ترى بأم عينيها المصريين يقتل بعضهم بعضاً في الشوارع قبل التخلي عن ممارسة السياسة بمنطق حزبي ضيق، قبل أن تحاول قيادة البلاد بأمانة لتحقيق مصالح الشعب المصري كله. وقد هجرت مجموعة من أفضل العقول جماعة الاخوان المسلمين، وخرجت من صفوفها، بسبب ممارساتها وقراراتها وسياساتها التي فقدت كثيراً من منطقيتها، ولم تعد مرضية. وفي التظاهرات حول المدينة الإعلامية، تم التقاط لقطة فيديو لرجل ضخم الجثة كث اللحية وهو يضع يده على فم إحدى المتظاهرات، وتدعى شاهندة مقلد، لكنها ترفع يده وتدفعها بعيداً، قائلة «لن نسكت ولن يتم اسكاتنا».
أهداف سويف - روائية وكاتبة صحافية مصرية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news