حرب المال تكتسب أهمية خاصة في أفغانستان. غيتي

حرب «الحسابات المصرفية» تفوق معركة الإرهاب في أفغانستان

خرج إمبراطور البناء الأفغاني حاجي أسد الله غزناوي من مكتبه ذات يوم تحت تهديد السلاح، واحتجز في مسلخ نحو ثلاثة أسابيع.

وفي وقت لاحق أصيب غزناوي بصدمة بعد اكتشافه أن شخصاً سرب بيانات حسابه المصرفي إلى العصابة التي اختطفته في سيارة، في وضح النهار بالعاصمة كابول قبل عام.

وأثارت العصابات الإجرامية العنيفة التي تحصل على معلومات سرية تخص أثرياء أفغاناً مثل غزناوي تساؤلات مثيرة للقلق، بشأن مخاطر ممارسة الأنشطة التجارية في واحدة من أشد دول العالم فقراً وأكثرها فساداً.

وقال غزناوي لـ«رويترز» من مكتبه الفخم في العاصمة الأفغانية «قبل ثمانية أيام من اختطافي وضع شريك لي في العمل مليون دولار في حسابي المصرفي. أبلغني الخاطفون بأن رصيدي في البنك زاد مليون دولار، فكيف لهم أن يعرفوا ذلك؟».

ويقول بعض رجال الأعمال إن التسريبات تأتي من أشخاص يفترض أنهم يحمون المواطنين الأفغان ويساعدونهم على الازدهار، وهم مسؤولو المخابرات والشرطة والمصرفيون.

ولا تقل حماية اقتصاد أفغانستان أهمية عن السيطرة على المواجهة المسلحة التي تقودها «طالبان» من أجل استقرار هذا البلد المضطرب الواقع في جنوب آسيا، في الوقت الذي تنسحب القوات القتالية لحلف شمال الأطلسي بحلول نهاية عام ‬2014.

ويقوم أفغان أثرياء يخشون من نشوب حرب أهلية جديدة أو نجاح «طالبان» في الاستيلاء على السلطة بتحويل أموال طائلة بالفعل إلى بنوك في الخارج، ما دفع السلطات إلى فرض إجراءات للحد من هذا التدفق النقدي إلى الخارج.

ويخشى مسؤولو الحكومة من أن تؤدي عمليات سرقة الحسابات المصرفية والخطف إلى تسارع وتيرة تحويل الأموال إلى الخارج، ما قد يتسبب في انهيار الاقتصاد الأفغاني الوليد. وقضى غزناوي ‬17 يوماً في المسلخ الكائن بالطابق السفلي وهو يشعر بالقلق على سلامته الشخصية، فضلا عن قلقه من أن خاطفيه باتوا على علم بحجم ثروته بالضبط. ودفع شريك له في العمل ‬820 ألف دولار لإطلاق سراحه.

وبات رجال الأعمال الأفغان يشعرون بقلق شديد، إلى حد يدفع الكثيرين منهم لاستئجار فرق كبيرة من الحراس المسلحين لحمايتهم على مدار الساعة.

ويقول بعض المنتقدين إن عملية التنظيم والإشراف ضعيفة رغم الجهود المنسقة الرامية لإعادة بناء القطاع. وكانت أكثر الحالات إثارة للقلق هي سرقة ‬935 مليون دولار من مصرف كابول، بنك شديد الصلة بالساحة السياسية، والذي كان ذات يوم أكبر بنك خاص في أفغانستان، في عملية احتيال عبر نظام القروض كشف عنها النقاب عام ‬2010. ويقول رجال أعمال ومسؤولون بارزون من غرفة التجارة والصناعة الأفغانية، إن موظفي البنوك يسربون معلومات عن أرصدة الحسابات إلى عصابات متقدمة تنظم عمليات خطف. وقال رئيس الاتحاد الصناعي الأفغاني شير باز كامن زاده، الذي يدير شركة مربحة للطباعة والتغليف ويتنقل في سيارة مقاومة للرصاص «هذه العصابات التي تقوم بعمليات الخطف تتمتع ببعض العلاقات الجيدة وتعمل كفرق، وتعلم من هم الأثرياء.». وأضاف «مصارفنا ليست آمنة بدرجة كبيرة، وهناك بعض المصرفيين نشتبه في أنهم يمدون المجرمين بالمعلومات».

وذهب بعض رجال الأعمال إلى أبعد من ذلك، إذ يقولون إن مسؤولين مارقين من جهاز المخابرات الأفغاني الذي يعرف باسم «مديرية الأمن الوطنية» يحصلون على السجلات المالية للأثرياء. ولم يتسن مقابلة أي مسؤول من المخابرات الأفغانية.

وصار الخطف عملاً مربحاً في أفغانستان حيث تتجاوز الفدية المليون دولار غالباً. وثمة الكثير من حالات الخطف لا يتم الإبلاغ عنها بينما يتعذر حل معظم الحالات.

واستشرى الفساد والفوضى في أفغانستان حتى إن بعض رجال الأعمال يشتبهون في أن هناك مسؤولين بالشرطة يتعاونون مع العصابات ويتقاسمون معها الفدى، أو على الأقل يغضون الطرف عنها.

وقال أحد نواب رئيس غرفة التجارة والصناعة أحمد توفيق داواري «لدينا الكثير من ضحايا الخطف بين أعضائنا، وتحل المشكلة في معظم الأحيان بدفع الفدية دون تدخل الشرطة». وأضاف «إنهم (الأعضاء) يستأجرون من ‬10 إلى ‬15 حارساً خاصاً على نفقتهم الخاصة وهذا أمر مكلف. عندما لا تتدخل الشرطة لمنع الخاطفين كيف يمكننا الثقة بها لحمايتنا». وأجرت «رويترز» مقابلات مع عدد من ضحايا الخطف، لكن معظمهم خاف بشدة من الكشف عن تفاصيل التجربة.

وأثار أكثر من ‬100 من كبار رجال الأعمال الأفغان مخاوف بشأن ما تردد حول تسريب بيانات أرصدتهم المصرفية مع كرزاي قبل شهر. وقال الخبير ألوكوزاي، إن الرئيس الأفغاني «غاضب بشدة» من هذه التسريبات ويطالب بوقفها، قائلاً لرجال الأعمال إن مديرية الأمن الوطنية ليس من حقها الحصول على معلومات خاصة بشأن الحسابات المصرفية. وقال محافظ البنك المركزي نور الله ديلاواري لـ«رويترز»: «إن أجهزة الدولة التي تسعى للحصول على معلومات مصرفية لعملاء لا يمكنها الحصول عليها إلا من خلال البنك المركزي دون غيره». ويلقي رجال الأعمال اللوم على أجهزة الأمن. ويشدد رئيس إدارة التحقيقات الجنائية في كابول محمد زاهر، على أن الشرطة تتخذ إجراءات صارمة ضد العصابات. ويقول إن التسريبات تأتي على الأرجح من موظفين أو أقارب.

الأكثر مشاركة