‬27 شخصاً يقتلون يومياً في الولايات المتحدة

لعنة السلاح تلاحق الأميركيين.. وعقبات تمنع تــــــشديد القوانين

مجزرة مدرسة ساندي هوك في مدينة نيوتاون روعت الأميركيين. أ.ب

شهدت مدينة نيوتاون الأميركية مجزرة قد لا تكون الأخيرة، وكان أغلب الضحايا من تلاميذ المدرسة التي شهدت الهجوم، ولم يزل المشهد الدموي يتكرر من فترة إلى أخرى. ومع سقوط ضحايا جدد يتجدد النقاش حول حمل السلاح في الولايات المتحدة، وترتفع أصوات تدعو إلى تشديد قوانين حمل السلاح، الذي أدى إلى مقتل الكثير من الضحايا، إلا أن تلك الأصوات سرعان ما تصمت ويتلاشى غضب أهالي الضحايا مع مرور الوقت. ويبدو أن حمل السلاح مسألة معقدة، ففي الوقت الذي يسعى فيه البعض إلى فرض مراقبة شديدة، يصر البعض على احترام الدستور الأميركي الذي يضمن حق الدفاع النفس واقتناء السلاح عند الحاجة إليه. وتباع في أميركا أكثر من مليون قطعة سلاح كل عام، وارتفع عدد طلبات حيازة الأسلحة منذ ‬1998 بشكل لافت، وأحصى مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف.بي.آي) ‬16.5 مليون طلب العام الماضي، علما بأن كثيراً من الأميركيين يفضلون امتلاك أكثر من قطعة سلاح، كما هي حال والدة الشاب الذي قام بالمجزرة، ويدعى آدم لانزا.

ثقافة السلاح

يقول المؤرخ الأميركي، ريتشارد هوفسداتر، انه من بين البلدان الصناعية والحضرية، غربية أو غيرها، وحدها الولايات المتحدة التي تصر على الاحتفاظ بثقافة السلاح. ويضيف أن أميركا هي البلد الوحيد في العالم، الذي يمتلك فيه المواطنون بنادق ومسدسات بشكل مشروع، انها البلد الوحيد الذي تعلق بفكرة حق حمل السلاح، حتى أصبحت قوانينه تحمي المجرمين وسافكي الدماء والإرهابيين، على حساب المواطنين الشرفاء. وينتقد هوفسداتر العجز الرسمي حيال المشكلة المتفاقمة، في الوقت الذي يعتقد فيه الأميركيون، بذكائهم وتعليمهم، بحسب المؤرخ، أن امتلاك السلاح هو الضمان الأكبر للحفاظ على الديمقراطية والحقوق الشخصية.

ويبدو الرئيس الأميركي، باراك أوباما، غير قادر على فعل شيء لتغيير واقع اعتاده مواطنوه منذ قرون، فقد بات جزءاً من تركيبتهم «الجينية» حسب وصف بعض المراقبين. ولا يجري النقاش حالياً حول حظر الأسلحة الخاصة، بل تقترح بعض الجمعيات الناشطة في هذا المجال تقنين حمل السلاح ووضع شروط صارمة لامتلاك البنادق والمسدسات النارية، ووضع الأشخاص غير المؤهلين لحمل السلاح وأنواع معينة من الأسلحة في لائحة الحظر.

ويقول العارفون بالتشريعات الأميركية إن أوباما سيواجه عقبات جمة، من بينها القانونية، في حال قرر المضي قدماً في تعديل القوانين الخاصة بالسلاح. وتضمن المادة الثانية من الدستور الأميركي حق تملك السلاح للدفاع عن النفس والأرض. وفي استطلاع قامت به شبكة «سي إن إن» بالتعاون مع مؤسسة أخرى، في أغسطس الماضي، تبين أن تسعة أميركيين من ‬10 يتباهون بهذه المادة ويعتبرونها مكسباً لهم.

وفي ‬2008، ألغت المحكمة العليا قرار مقاطعة كولومبيا، التي توجد بها العاصمة واشنطن، بعد منعها حيازة أسلحة نارية، وذلك لمخالفتها المادة الثانية من الدستور. وعلى الرغم من اهتمام المشرعين بحق حماية الممتلكات الشخصية، فإن القانون الأميركي يبدو غير واضح إزاء حمل السلاح في الأماكن العامة.

وتتمتع كل ولاية بهامش كبير من الحرية في سن التشريعات التي تراها مناسبة، إلا أن جهات تمارس ضغوطاً على البرلمانات المحلية كي لا تمنع أو تفرض قيوداً فعلية على حاملي السلاح، وفي الغالب يتم إلغاء تلك القيود القانونية من قبل المحكمة الفيدرالية العليا. ومن بين «لوبيات» الضغط المعروفة في هذا المجال، «منظمة البنادق الوطنية»، التي تسهم بسخاء في الحملات الانتخابية المحلية، ولا تتسامح مع النواب المنتخبين الذين يحاولون تجاوز الخطوط الحمراء، في ما يخص حرية حمل السلاح.

ويلقي البعض باللائمة على المنظمة التي نجحت في تمرير قوانين تشجع على الحرية الكاملة لاقتناء الأسلحة، وبعد مقتل شاب في ولاية فلوريدا، شنت الصحافة المحلية حملة ضد «منظمة البنادق الوطنية»، واتهمتها بإشاعة الفوضى في البلاد. ويذكر أن ‬40 ولاية، اضطرت إلى تخفيف القيود على السلاح، بسبب الضغوط التي تمارس على أعضاء الكونغرس، في حين شددت بعض الولايات قوانينها، مثل ولاية نيويورك. وذكرت صحف أميركية انه في اليوم الذي شهدت فيه مدرسة ساندي هوك في مدينة نيوتاون المجزرة، قبل أيام، وافق البرلمان المحلي في ولاية ميشيغان على قانون يسمح بحمل السلاح في المدارس.

ويقول مؤيدو حمل السلاح انه من حق المواطنين «الشرفاء» الدفاع عن أنفسهم في مواجهة «الأشرار». ومن جهتهم يقول معارضو حمل السلاح، ومن بينهم عمدة نيويورك، إن الحصول السهل على البنادق والمسدسات الآلية جعل من الولايات المتحدة في صف الدول الأكثر خطراً في العالم.

وأشار استطلاع للرأي أجري حديثاً، إلى أن أغلب الأميركيين يوافقون على فرض قوانين صارمة، ومنع أصحاب السوابق الجنائية والمختلين عقلياً من امتلاك السلاح، في حين طالب ‬60٪ من المستطلعة آراؤهم بحظر بيع الأسلحة الأوتوماتيكية التي تزود بأكثر من ‬10 طلقات، وكذا البنادق الهجومية. ويقول الخبير في هذا المجال، أندرو بريغز «يبدو أنه هناك تقدماً في الفهم لدى الجمهور على حساب السياسيين، وواشنطن تبدو عاجزة بسبب المصالح الخاصة»، مشيراً إلى عجز البيت الأبيض أمام ضغوط اللوبيات. ويضيف بريغز «هناك حظوظ ضئيلة جداً في أن يتم تمرير قوانين صارمة في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون». ويقول البروفيسور روبرت سبايتزر، إن «منظمة البنادق الوطنية ولوبي الأسلحة وضعا صماماً محكماً على الحزب الجمهوري، ونجحوا إلى حد كبير في إجهاض النقاش حول السلاح في هذا البلد». ويقتل نحو ‬27 شخص يومياً في الولايات المتحدة بالأسلحة النارية، الأمر الذي يعتبر استثناء في البلدان المتقدمة. وتدر صناعة السلاح أموالاً طائلة فاقت ‬2.3 مليار دولار سنوياً في ‬2007، وتوظف أكثر من ‬10 آلاف شخص. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من ‬300 مليون سلاح يوجد بين أيدي الأميركيين، أي بمعدل سلاح لكل مواطن أميركي.

 

تويتر