الشارع مهموم بأمنه وبأزمته المعيشية
المصريون المنهكون اقتصادياً كرهوا الاضطرابات السياسية
يتساءل الحرفيون وأصحاب المتاجر وغيرهم من سكان بلدة الزقازيق، بالدلتا المصرية، المشغولون بكسب قوت يومهم، لماذا تزداد حياتهم صعوبة يوما بعد يوم.
وعندما يعودون في آخر النهار مرهقين ويجلسون إلى مائدة الطعام، يتحول الحديث حتما إلى صعوبات الحياة المتزايدة، والاحتمالات المفزعة المتعلقة بخفض الدعم على الاغذية مع تصاعد الأزمة الاقتصادية في البلاد.
ومع قرب نفاد صبرهم، بعد أكثر من عامين من الاضطرابات، يبدو أن المصريين من سكان القاهرة إلى سكان بلدة صغيرة مثل الزقازيق، يقتربون من النقطة التي قد ينفجر فيها استياؤهم في موجة جديدة من الاضطرابات.
وقالت سهير عبدالمنعم، المدرسة المتقاعدة، وهي تتجول في سوق في الزقازيق، بحثا عن خضراوات يمكن ان تحتمل شراءها «ليس هناك أمن، لا يوجد أي شيء».
وتساءلت في ضيق، بينما كان باعة يحملون سلعهم على الدراجات يشقون طريقهم وسط زحام السوق، «الجنيه ينخفض، زادت أسعار كل شيء، هل هناك شيء لم يرتفع سعره؟».
على مقربة كان هناك ملصق على جدار منزل يحمل صورة ممزقة للرئيس محمد مرسي، كتب عليها «كاذبون كاذبون».
ولا تبشر الحالة العصبية المتصاعدة بخير للرئيس المصري الذي يواجه انتخابات برلمانية في الاشهر القليلة المقبلة، وموجة جديدة من التناحر السياسي التي قد تدفع بمصر إلى صراع داخلي.
ومنذ اندلاع الانتفاضة التي اطاحت الرئيس السابق حسني مبارك عام 2011، هز البلاد اضطرب الاقتصاد المصري الذي كان قويا وجاذبا للمستثمرين.
وتواجه الدولة التي أدى خفض الدعم على الغذاء فيها في الماضي إلى تفجر أعمال شغب مخاطر حدوث المزيد من الاضطرابات، في الوقت الذي يستعد فيه مرسي لفرض إجراءات تقشفية من أجل الحصول على قرض مطلوب بشدة بقيمة 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
وفي الزقازيق يشعر الناس بالقلق من المستقبل، ويقول مدير متجر لبيع الملابس، فاروق سرحان (74 عاماً)، إن المبيعات انخفضت بنحو 50٪ بالفعل عن مستواها قبل بضعة اسابيع فقط.
وقال، وهو ينفث دخان سيجارته بتنهيدة عميقة داخل متجره الصغير الذي تصطف فيه تماثيل تعرض أزياء المحجبات، «لا احد يبيع او يشتري، كان النشاط اكبر في العام الماضي». وأضاف «الزبائن لا يشترون كما كانوا يفعلون في الماضي، بسبب الوضع الاقتصادي».
وعادة ما ترتفع اسعار الأغذية الطازجة في فصل الشتاء، لكن المشترين في سوق الزقازيق قالوا ان الارتفاعات في الاسعار في الفترة الأخيرة كانت كبيرة، فزادت أسعار الطماطم والقرنبيط بنسبة 50٪ على مستواها في بداية العام.
ووجدت مصر نفسها في وضع صعب منذ أن فر المستثمرون والسياح بعد الانتفاضة، عندما خرجت جموع الشعب تطالب بالحرية وبإنهاء سياسات اقتصادية قالوا انها تخدم مصالح الأغنياء.
وعلى الصعيد الاقتصادي، مازالت الصورة تبدو قاتمة، رغم الارتياح الذي استقبل به قرار قطر إقراض مصر ملياري دولار أخرى.
وتتراجع الاحتياطيات بالعملة الصعبة، ويسجل الجنيه انخفاضات قياسية يوميا، وزادت تكلفة المواد الغذائية والمواد الأولية المستوردة، ما اضر الشركات والاسر في بلد صحراوي يعتمد على الواردات في غذائه.
وكما في أجزاء أخرى من مصر، يرى سكان الزقازيق الأوضاع الاقتصادية المعقدة في الصعوبات التي يتعين عليهم تحملها كل يوم، ويلقون اللوم على حكومة مرسي وجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها.
ويقول عماد، وهو في اواخر العقد الرابع، ويبيع الملابس التقليدية على جانب طريق مترب، «مرسي لا يشعر بمعاناتنا». وقال انه اضطر لرفع أسعار بضاعته لتغطية ارتفاع التكاليف، ما يضايق زبائنه. وقال وهو يشير إلى جلابيب سوداء مطرزة «كنا نبيع هذه بسعر 35 جنيهاً (5.40 دولارات). الآن نبيعها مقابل 45 جنيهاً، لم نرفع نحن الأسعار بل رفعها التجار». وأضاف «قليلون من يشترون، كنت أبيع نحو 50 قطعة يوميا، الآن أبيع ما بين 15 و20 قطعة، واليوم لم أبع شيئاً بعد».
ويخشى الاقتصاديون أن يدفع استمرار الأزمة الافراد والشركات إلى تحويل مدخراتهم إلى الدولار بشكل جماعي في ما يعرف باسم «الدولرة»، والتي تسببت في مشكلات في العديد من الأسواق الناشئة من قبل.
لكن سكان الزقازيق يضحكون ساخرين عندما يسمعون ذلك قائلين، إن الأغنياء فقط هم من يمكنهم شراء العملة الصعبة.
وقال نبيل، احد الباعة، معلقاً في حين ضج الباقون بالضحك «دولار؟ أعطني بعض الدولارات، بالطبع ليس لدينا دولارات».
لكن البعض كان مستعداً لإعطاء مرسي فرصة.
ففي قرية العدوة القريبة، التي نشأ فيها مرسي، وهو ابن مزارع من المنطقة زينت صوره الجدران والأسوار.
وهتفت مجموعة من المزارعين يقفون على جانب طريق غير ممهد وهم يلوحون بقبضتهم قائلين «مرسي.. مرسي»، عندما سئلوا عن توجهاتهم السياسية، لكن حتى في العدوة حيث بدا أن مرسي يتمتع بتأييد قوي، يقول السكان إن اي زيادات مفاجئة في الضرائب أو خفض للدعم على الوقود والغذاء قد يكلفه الكثير.
وقال سيد يوسف «إذا حدث ذلك فسيكون أسوأ شيء يمكن أن يحدث، ماذا سأفعل أنا كمزارع؟ من أين سنأتي بالمال؟».
وقال علي صابر (65 عاماً)، إن اسعار الاسمدة ارتفعت بدرجة كبيرة العام الماضي، ما جعل عمله غير مربح، وأضاف «الحياة صعبة هنا في الريف، كل شيء زاد سعره».
ويقول محمد جمال (42 عاما) صاحب متجر صغير يبيع أدوات المطبخ، إن التجارة ساء حالها حتى ان اياما اصبحت تمر من دون زبون واحد.
وقال جمال الذي نشأ مثل مرسي في قرية العدوة، «أنا أبيع البضائع المستوردة. الأسعار ارتفعت ما بين 10 و40٪ منذ اندلاع الثورة، وزادت بدرجة أكبر في الاسابيع القليلة الماضية».
وذكر أن جيرانه يتشككون في ما يدعوه لزيادة الاسعار بهذا الشكل.
وأضاف «الناس لا يصدقونني، لا يقتنعون بأن الاشياء زاد ثمنها لهذه الدرجة، اشتريها وتتكدس ولا تجد من يشتريها».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news