ذكريات الحرب الأهلية توهن رغبة اللبنانيين في مساعدة اللاجئين السوريين
لم تزل ذكريات الحرب الأهلية في لبنان عالقة في أذهان الكثيرين ممن عايشوها أو سمعوا عنها، بما في ذلك الدور السوري في تلك الحرب، الأمر الذي يثبط عزيمة الراغبين في تقديم يد المساعدة للاجئين من الجارة سورية. واستقبل لبنان إلى الآن أكثر من 200 ألف نازح، يعيش معظمهم في ظروف صعبة، وفي حال استقر هؤلاء هناك، فإن ذلك سينعكس سلباً على التركيبة العرقية والدينية الهشة أصلاً في لبنان. ويبقى «مصنع البصل» وهو مزرعة مهجورة، شاهداً على حقبة الحرب الأهلية، إذ كان يستخدم من قبل المخابرات السورية مركز تحقيقات وتعذيب للمشتبه فيهم من اللبنانيين وحبسهم فيه. واليوم يؤوي «مصنع البصل» 60 لاجئاً سورياً من عائلة واحدة، فروا من نيران المدافع والطائرات، فبعد أن كان سجناً للبنانيين أصبح مأوى للنازحين السوريين.
يقول أحد اللاجئين من الرقة، الذي استقر مع عائلته في مجدل عنجر، قبل أكثر من ستة أسابيع، ويدعى ياسر حداجي «وضعنا هنا بائس جداً. لا يوجد طعام ولا وقود للتدفئة، ولا شيء».
ويعتبر اللاجئون السوريون في لبنان مبعث قلق للأهالي المنقسمين حول الأزمة السورية، وأدى هذا الانقسام إلى احتقان طائفي، في الوقت الذي تعتبر الحكومة اللبنانية ضيوفها «عبئاً مادياً إضافياً» لا تستطيع الالتزام به. ولم توافق بيروت، إلى الآن، على إقامة مخيمات، مثل التي أنشئت في تركيا والأردن. ويبدو أن إنشاء مخيم جديد في البلاد يعتبر أمراً حساساً للغاية، سواء على الصعيد الطائفي أو السياسي، نظراً للأعداد الهائلة من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات رديئة في أماكن متفرقة من لبنان، منذ 1948.
ويرى بعضهم أن وجود جماعات مسلحة في تلك المخيمات كان من بين الأسباب التي أشعلت الحرب الأهلية (1975-1990)، إضافة إلى ذلك، عملت جهات طائفية على مدى عقود من أجل منع اندماج الفلسطينيين داخل المجتمع اللبناني، للحفاظ على التوازن الطائفي في البلاد، ولهذا السبب يعيش الفلسطينيون في لبنان، خلافاً لبقية اللاجئين في البلدان العربية الأخرى، في ظروف اجتماعية واقتصادية مزرية، من دون الحصول على أبسط الحقوق المدنية. وفي غياب المخيمات، ينزل معظم السوريين ضيوفاً على أقاربهم أو أصدقائهم في لبنان، ويقوم بعض المقتدرين باستئجار منزل أو شقة، ويلجأ آخرون إلى بيوت مهجورة أو يقيمون خياماً متهالكة.
خلافاً لتركيا والأردن، اللتين استوعبتا العدد الأكبر من النازحين، لا يمتلك لبنان الموارد الكافية للتعامل مع مثل هذه الأزمات واستقبال عدد كبير من اللاجئين. وطلبت بيروت قبل أيام 180 مليون دولار من جامعة الدول العربية، لسد احتياجات النازحين، ضمن خطة أعدتها الحكومة اللبنانية أخيراً.
ويقول وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبوفاعور، إن «الوضع بات مقلقاً ومتوتراً على نطاق واسع، خصوصاً أن خطط الحكومة صممت على أساس 200 ألف لاجئ، في حين أعتقد أن العدد تعدى ذلك». وأوضح أن المبلغ المطلوب سيستخدم لتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية، ويشمل ذلك تسجيل 30 ألف طفل سوري في المدارس الحكومية.
في سياق متصل، يعارض وزير الطاقة جبران باسيل، إقامة مخيمات للسوريين، محذراً من أن تصبح هذه المخيمات «قواعد عسكرية» للمعارضة السورية. ويقول باسيل في تغريدة على موقع «تويتر»، خلال مناقشات الحكومة للموضوع، «يجب خفض عدد اللاجئين إلى الحد الأدنى من خلال إعادتهم إلى المناطق السورية الآمنة أو ترحيلهم إلى بلدان أخرى»، إلا أن أفكار الوزير اللبناني لا تلقى تعاطفاً واسعاً في البلاد، وعلى الرغم من التناقض بين المؤيدين والمناهضين لنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، فإن معاناة النازحين تحظى باهتمام واسع. وحتى الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصرالله، المؤيد للنظام السوري، طالب بإبقاء الحدود بين البلدين مفتوحة، ملحاً على التعامل مع النازحين معاملة إنسانية بعيدة عن السياسة، «وبالتالي فإن العائلات التي تطلب اللجوء في لبنان، وتعتمد على الحكومة واللبنانيين، يجب دعمها، سواء كانت مع أو ضد النظام السوري»، كما يقول نصرالله.
ولقيت المزاعم التي تقول إن المخيمات ستؤوي مناهضين للأسد القليل من التعاطف في أرجاء لبنان ومن قبل الأهالي المجاورين لـ «مصنع البصل». ويقول أحد النازحين ويدعى صلاح الأحمد، «تركنا ديارنا وبلدنا ليس من أجل تشكيل مجموعات مسلحة، ولكن من أجل أن نعيش ونأكل ونشرب». وأضاف «عندما يتحقق السلام في سورية سنعود مباشرة، فوضعنا ليس مثل الفلسطينيين». ويؤكد الأحمد ورفاقه أنه لم يكن لديهم خيار آخر سوى ترك الديار في الرقة، بسبب عنف القتال بين القوات النظامية والمعارضة، ويقول «دمر منزلي في غارة جوية، وقتل ابن أخي ياسر».
وبمساعدة السكان المحليين، قام النازحون ببناء أكواخ بسيطة من الفلين والبلاستك، وتوفر هذه الأكواخ حماية ضئيلة ضد برد الشتاء، خصوصاً خلال الأسبوع الماضي عندما تعرض لبنان لعاصفة ثلجية هي الأعنف من نوعها منذ أكثر من 10 سنوات، إذ غطت الثلوج منطقة البقاع بالكامل، صاحبتها رياح باردة تأتي من أعالي الجبال المجاورة. وفيما يرفض النازحون الحديث عن ماضي المزرعة وتاريخ «مصنع البصل»، تقول اللبنانية هنادي التي تسكن قريباً من المكان، «أعلم جيداً ما كان يحدث هنا. كان السوريون يعذبون ويقتلون الناس في هذا المكان». وبدا عدد من اللاجئين المستمعين لهنادي متعاطفين معها. ويقول أحدهم، ويدعى جاسم الحسن، «نأمل أن تتم الإطاحة بالأسد قريباً». والمفارقة، أن صوراً على الحائط، تمجد النظام السوري وتمدحه، لاتزال واضحة على جدران المزرعة المهجورة، ويعود بعضها إلى أكثر من 10 سنوات، ويظهر على الصور الحائطية تواريخ محددة.