تساؤلات حول قوة «لوبي إسرائيل» في أميركا
منذ تسمية الرئيس الأميركي باراك أوباما للسيناتور السابق تشاك هاغل مرشحاً لمنصب وزير الدفاع، خلفاً لليون بانيتا، برزت الى سطح الأحداث في الأوساط السياسية والرسمية الأميركية مرة أخرى تساؤلات كثيرة حول مدى قوة «اللوبي الإسرائيلي» في الولايات المتحدة، وحجم تأثيره. وسواء أصبح هاغل وزيراً للدفاع أم لا، فإنه مستغرق في مبنى الكابيتول ليشرح ما الذي كان يقصده من ملاحظات قالها قبل سنوات من أن «اللوبي اليهودي قام بترهيب الكونغرس وأرعبه وقام بأمور خرقاء». وفي معرض الاستماع إليه، وحينما سأله زميله الجمهوري ليندسي غراهام أن يسمي عملاً واحداً من الأعمال الخرقاء التي قام بها هذا اللوبي، لم يسمّ هاغل أي عمل، ثم أصر غراهام على سؤاله طالباً من هاغل أن يسمي شخصا واحدا قام اللوبي الإسرائيلي بترهيبه في مجلس الشيوخ الأميركي فأجاب هاغل: لا أعرف.
وها نحن أمام أحد الجمهوريين الذين نحوا زملائهم وهجروا حزبهم بالقيام بانقلاب في مواقفه تجاه العديد من القضايا، مثل معارضة غزو العراق الذي قام به الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن. ولا ينسى الجمهوريون أن هاغل ساند الديمقراطي باراك أوباما ضد منافسه الجهوري جون ماكين في الانتخابات الرئاسية 2008. ويبدو من الخطأ استخدام تعبير «اللوبي اليهودي» لأنه يبدو معادياً للسامية، بالاضافة الى أن هذا اللوبي يضم كثيراً من غير اليهود، أبرزهم المسيحيون المحافظون، وأن كثيراً من اليهود الأميركيين لا يدعمون الخط المتشدد للوبي في ما يتعلق بإسرائيل، وهكذا فإن التعبير الصحيح هو «لوبي إسرائيل».
وتكمن القوة في إدراك مدى عمق هذه القوة التي يتمتع بها اللوبي المذكور، منها العضلات المالية والقدرة التي تمكنه من إخماد المواقف والكلمات، وربما كان هذا ما يقصده هاغل حين قال إن اللوبي «يرعب» الكونغرس.
وهناك أمر غير قابل للجدل، هو أن الكونغرس مؤيد بأغلبية ساحقة لإسرائيل، وتالياً لا يمكن وصف أكثر من 10 نواب من 35 نائباً بأنهم مؤيدون للفلسطينيين. وبما أن الديمقراطيين يحتلون 55 مقعداً من مجموع مقاعد مجلس الشيوخ البالغ عددها 100، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن للجمهوريين إفشال تثبيت هاغل وزيراً للدفاع، اللجوء الى التعطيل بمنع إجراء تصويت نهائي. ومازال عالقاً بقوة في أذهان الجمهوريين ليس مواقف هاغل من مسألة العراق أو الملف النووي الإيراني، وإنما تبادل الرأي الذي تم بينه وبين غراهام حول «لوبي إسرائيل»، الذي كان هاغل يسميه «اللوبي اليهودي». وفي واشنطن توجد واحدة من الجماعات التي تعد من أبرز وأقوى مكونات اللوبي، ومن الناطقين باسمها إد كوتش العمدة السابق لنيويورك الذي توفي يوم الجمعة الماضي، وهو مؤيد قوي لإسرائيل واتهم أوباما بإدارة ظهره لإسرائيل بتسميته هاغل لشغل منصب وزير الدفاع، واصفاً هذا التعيين بأنه «خطوة مخيفة ومرعبة». وهناك من يعتقد أن ثمة مبالغة كبيرة في تقدير قوة اللوبي وتأثيره، إضافة إلى من من يظن أنه بعيداً عن اعتبار أن اللوبي هيئة شريرة لتخريب السياسة الخارجية الاميركية في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً، بدفع الأمور نحو باب مفتوح، وحتى من غير وجود لوبي إسرائيلي فإن أغلبية الأميركيين تدعم إسرائيل. وتكمن القوة في إدراك معنى القوة وتأثيرها، فاللوبي الإسرائيلي بقيادة اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك)، لديه الكثير من مظاهر القوة، منها العضلات المالية. ومن الامثلة الكثيرة على قوة اللوبي ما حدث للسيناتور الجمهوري ثلاث دورات عن ولاية الينوي تشارك بيرسي، الذي خسر في انتخابات 1984 نتيجة حملة منسقة وقوية ضده بقيادة «إيباك»، بعد انتقاده أحد مسؤولي لجنة «إيباك» التي اتهمته بعدم إبداء الحساسية تجاه اهتماماتها وبواعث قلقها.
وثمة مثال آخر هو هزيمة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب في حملة إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية في 1992، إثر حملة شنتها ضده «إيباك» بسبب حجبه ضمانات القروض عن إسرائيل لتمردها على الموقف الاميركي المطالب بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. وسواء كان المثالان حقيقة أم تزويراً، فإن النقطة الجوهرية هنا تكمن في الادراك، والأمر غير القابل للجدل هو أن الكونغرس هيئة مساندة لإسرائيل بأغلبيتها الساحقة منذ زمن بعيد، ومن الصعب القول ان هناك أكثر من 12 نائباً من مجموع 435 في مجلس النواب يمكن وصفهم بأنهم مؤيدون للفلسطينيين. وكان هاغل واحداً من الأربعة الذين لم يوقعوا على قرار مجلس الشيوخ الذي وقعه 96 عضواً بدعم إسرائيل. ولم يكن نابعاً من فراغ ما قاله المحلل والمعلق السياسي الاميركي بات بوكانان، ذات مرة، حينما وصف الكونغرس بأنه «منطقة محتلة إسرائيلياً». ومن هنا فإنه يمكن لأي رئيس وزراء إسرائيلي على خلاف مع البيت الأبيض ان يتجاوزه ويتقدم بطلبه وحاجته الى «إيباك» او الكونغرس مباشرة. وعلى سبيل المثال فإن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حينما ألقى خطابه الشهير أمام الكونغرس في مايو 2011، وقف له الأعضاء 29 مرة تحية وصفقوا فيها بحرارة، وهو ما لم يحظ به نتنياهو في يوم من الأيام في الكنيست الإسرائيلي. وإذا لم يواصل هاغل طريقه لتولي منصبه في البنتاغون وزيراً للدفاع، فإن السبب لن يكون اللوبي الإسرائيلي وحده، لكن هناك أمر آخر يمكنك التأكد من وجوده، هو أن مجموعة إضافية جديدة من الأخيار والجيدين في مبنى الكابيتول قد تم ترهيبها.
روبرت كورنويل - صحافي في «الإندبندنت» والمقال منشور فيها