قصر الاتحادية..من مهابة الملوك إلى جدارية السخرية من الحاكم

قصر الاتحادية حوله مبارك إلى مقر للرئاسة المصرية. أ.ف.ب

المصريون هم أول من أبدع فنون وفخامة قصور الحكم في التاريخ، فقد شيدوا منذ آلاف السنين قصوراً بديعة لآلهتهم أو حكامهم، يتوافد عليها ملايين السياح سنوياً، ليروا فيها تعامد أشعة الشمس على وجه مليكهم يوم ميلاده ويوم جلوسه على العرش، وكما هي العادة منذ ‬7000 عام يبتعد العامة من الناس عن قصور الحكم، خوفاً من ملاحقة العسكر والحراس، لكن ثورة ‬25 يناير، التي أسقطت هذا الخوف الأسطوري، حولت قصر الحكم في الاتحادية بمصر الجديدة الى «ساحة إذلال لحاكمهم»، بالغوا فيه، كأنه ليس احتجاجاً على رئيسهم فقط، لكنه تفريغ لكبت آلاف السنين من القهر والتسلط، وتأكيد على نجاح ثورتهم في تحقيق اعظم اهدافها وهو التحرر من الخوف.

وبدلاً من الرسوم والجداريات التي ظلت تمجد وتعظم «الحاكم الإله» في قصور الفراعنة، تحولت أسوار قصر الاتحادية الرئاسي الى لوحة جدارية تهاجم وتسخر من الحاكم، كأنها انتقام من كل تلك الرسوم الاخرى في وادي الملوك والملكات في الأقصر وأسوان ودندرة بصعيد مصر.

ويقول المهندس المعماري، أحمد مدني، إن قصر العروبة أو قصر الاتحادية، الذي قصفه بالمولوتوف والحجارة، ويعتصم امامه معارضو الرئيس محمد مرسي الآن، هو أحد القصور الرئاسية الكبرى المنتشرة في ربوع مصر، وأحد المعالم الأثرية الفريدة التي تتميز بالطراز المعماري الذي يجمع بين فنون العمارة الإسلامية والفارسية والأوروبية.

وأضاف مدني لـ«الإمارات اليوم»، ان واجهات القصر وأسواره تشكل لوحات متعددة للفنون المبهرة التي تدفع الزائر للتعبير عن إعجابه وانبهاره، وكل غرفة أو صالة في القصر الذي كان فندقاً ينطق بالعراقة والفخامة والضخامة، لدرجة أن ملك بلجيكا عندما زار الفندق عام ‬1911 صاح قائلاً: «هذا عظيم»، وزوار الفندق في ذلك العصر كانوا من عظماء العالم في ذلك الوقت، مثل إمبراطور المال «جون بييربونت ومرجان»، الذي اعتبره أعظم فنادق العالم، وقال إنه «تاج محل» في الصحراء، نسبة إلى تاج محل في الهند. وقد أمضى الملك وزوجته الملكة إليزابيث شهراً كاملاً في الفندق، وكانت الملكة في ذلك الوقت تتعافى من مرض «التيفوئيد». وقد استعادت الملكة صحتها بشكل بطيء وتدريجي، وكان الأطباء البلجيكيون ينصحون بقوة بهواء منطقة هليوبوليس الجاف، وهناك ملك آخر عبر عن إعجابه الشديد أيضاً بالفندق.

ويطالب الأثري، عاصم الجرف، بضرورة وضعه ضمن الآثار والتراث التاريخي، خصوصاً مع مرور ‬100 عام على انشائه، ، لما يضم من تحف وآثار نادرة تؤكد خصوصيته، وقال لـ«الإمارات اليوم»، ان القصور الرئاسية يمكن ان تتحول الى مصدر دخل قومي للبلاد، إذا ما تمت اعادة استخدامها كفنادق للاثرياء، مشيراً الى ان قصر الاتحادية يشكل قصورا عدة، لانه يمتد على مساحة ‬70 فداناً، ويحتوي على اشجار نادرة لا توجد إلا في هذا القصر الفخم.

ويقع القصر في ضاحية هليوبوليس بحي مصر الجديدة بشمال شرق القاهرة، وجرى بناؤه كفندق ضخم في الفترة من ‬1908 حتى ‬1910 في الصحراء وكان يعتبر أحد أضخم فنادق العالم في ذلك الوقت، وتم افتتاحه في عام ‬1910 تحت اسم «غراند اوتيل»، وكانت تمتلكه شركة فرنسية.

وأوضح مدني أن هذا القصر عندما كان فندقاً كان يسمى ايضاً «هليوبوليس بالاس»، وعندما اصبح أحد قصور الرئاسة، صار من النادر أن يكون أحد من عامة المصريين، قد تعرف إلى القصر الرئاسي أو شاهد ما فيه من معمار وديكور، «حيث كانت القصور الرئاسية تتطلب ان يكون المواطن شخصية مهمة أو صحافيا، حتى يسمح له بدخولها».

وفي عام ‬1908 بدا المعماري البلجيكي «ايرنست خاسبار»، في تصميم الفندق الذي اراد له ان يكون منتجعاً سياحياً للاوروبيين في بلاد الشرق، حيث استحضر تراث لويس الرابع عشر والخامس عشر لتشييد ‬400 غرفة و‬55 جناحاً رائعاً وتصميماً معمارياً بديعاً ومفروشات فريدة. وكانت قبة الفندق مثار إلهام وإعجاب للملوك وأباطرة المال على السواء، حيث يبلغ ارتفاعها ‬55 متراً من الطابق الأرضي حتى السطح.

ووضع الديكورات الداخلية للفندق، المأخوذة عن مصنفات للنقوش العربية، الفرنسي «الكسندر مارسيل»، وجرى استيراد الأثاث من الخشب «الماهوجني» للفندق من لندن، كما جرى استيراد الرخام للأعمدة من إيطاليا.

وكان الفندق يستضيف المؤتمرات الدولية وحفلات الزواج وشهر العسل واحتفالات السباقات، وكانت صالة الطعام في الفندق هي الأكبر في فنادق مصر، وتوقف الفندق عن استقبال الراغبين في الإقامة فيه خلال الحربين العالميتين، لأن المحتل البريطاني استخدمه كمستشفى عسكري للجنود البريطانيين.

وفي يناير ‬1972 أصبح الفندق قصراً بعد ان تحول الى مقر لاتحاد الجمهوريات العربية (مصر وسورية وليبيا) وحمل اسم قصر الاتحادية نسبة لهذا الاتحاد، وفي الثمانينات، أصبح المقر الرئاسي لحكم مصر، حيث اتخذه الرئيس السابق محمد حسني مبارك مقراً رئيساً لحكم مصر طوال الـ‬30 عاماً الماضية.

تويتر