استبعاد العرب من قيادة إسرائيل يتعارض مع القيم اليهودية
يرى الكثير من الإسرائيليين، أن رفض زعيم حزب «يش عتيد» (هناك مستقبل)، يائير لابيد، للنائبة العربية في الكنيست، حنين الزعبي هو تأكيد على التزام الدولة العبرية بروح الأغلبية اليهودية، إلا ان استبعاد الأقلية العربية يتعارض مع تاريخ اليهود، الذين كثيرا ما كانوا أيضاً اقلية.
ربما كان من قبيل المصادفة أن تحمل صفحة واحدة من صحيفة «هآرتس»، يوم الجمعة الماضي، موضوعين عن لابيد، الرابح الأكبر في الانتخابات الإسرائيلية الاخيرة، أحد الموضوعين يتحدث عن ان لابيد نأى بنفسه علناً «عن تكوين كتلة تضم ممثلين للأقلية العربية الفلسطينية في الكنيست»، والذين اشار إليهم باسم «الزعبيين» في اشارة الى النائبة، حنين الزعبي، ويفعل ذلك في محاولة منه ليحل محل رئيس الوزراء. اما الموضوع الثاني فيتحدث أن حزب لابيد عبارة عن «احتفالية يهودية»، وان زعيم الحزب نفسه قريب من دوائر التجديد اليهودية.
وما لاشك فيه أن العديد من اليهود الإسرائيليين، يرون ان ما أشار اليه لابيد في حديثه من استبعاد الزعبي، والذي يتضمن أيضا ابعاد الممثلين العرب من مناطق صناعة القرارات المصيرية للدولة اليهودية، هو في حد ذاته «احتفالية يهودية». وهل يمكن أن يكون هناك بيان أكثر «يهودية» من ذلك الذي يعلن أن الأغلبية اليهودية في الدولة العبرية يجب ان تحتفظ بحق السيادة لنفسها؟
إن الاتجاه السائد في إسرائيل هو استبعاد الأقلية العربية من الجسم السيادي للدولة، إلا أن مثل هذا الاتجاه يعبر عن التزام يتعارض مع التاريخ اليهودي نفسه. وهنا لا ننسى أن اليهود عاشوا كأقلية بين المجتمعات التي استضافتهم، والتي كانت تشكل الأغلبية في الأماكن التي يعيشون فيها.
فقد كانت تلك التجربة التي خاضها اليهود كأقليات هي التي ساعدت على تطور الفلسفة اليهودية القومية على مر السنين، والتي عارضت بشدة إخضاع الجنسيات واستبعاد الأقليات. ومن المثير للاهتمام أن نرى، في كثير من الأحيان، المثقفين اليهود العظماء أنفسهم، والذين كانوا يعرفون بولائهم العميق «للقبلية»، يدركون تماما انهم ينتمون الى أقلية قومية مضطهدة، لكنهم في الوقت نفسه، يستطيعون ترجمة مشاعر الحرمان والاضطهاد التي تكتوي بها جماعتهم إلى مقاومة أساسية ضد قمع «الآخر»، بغض النظر عمن يكون هذا الآخر.
على سبيل المثال، كان الحاخام يهوذا بن لوف بتسلئيل (1520-1609)، المعروف باسم مهرال براغ، من اشد المدافعين عن الرأي الذي يقول إن خضوع اليهود لأمم العالم المختلفة كان وضعاً غير طبيعي. وكتب في عمله الذي صدر في وقت متأخر من القرن الـ16، «خلود اسرائيل»، «إنه ليس من المناسب في النظام الطبيعي أن تكون أمة إسرائيل خاضعة لأي سلطة أخرى». وبالنسبة له، لا ينبغي لأمة إخضاع أي امة أخرى.
أما القومي اليهودي، زئيف غابوتنسكي، فينظر الى العالم من حوله، بطريقة سافرة ومن دون اعتذار، من خلال منظور هويته الوطنية اليهودية. ولعل ابرز عناصر هويته الوطنية اليهودية معركته من أجل حقوق الأقلية اليهودية في روسيا القيصرية. وبسبب علاقته المستمرة والمفتوحة مع ذكرى هذا الماضي اليهودي، دافع غابوتنسكي عن حقوق جميع الأقليات، بغض النظر عمن تكون، كمبدأ سياسي مقدس. وفي إسرائيل، فإن خلفاء الأقليات، او من يراهم اليهود أنهم أقليات، هم «الزعبيون»، أعضاء الكنيست العرب. وبعد اعترافها «بما يطلق عليه بالمجموعة اليهودية»، على حد تعبير الراديكالية عضو الكنيست، حنين الزعبي، في مقابلة في صحيفة «هآرتس»، فإن هؤلاء الأعضاء الأقلية في الكنيست يكافحون ضد الخضوع الذي يتعرض له شعبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويكافحون من اجل حقوق الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل. وعلى العكس منهم فإن «اللابيديين» نسبة إلى لابيد، استمروا في دعوتهم لاستبعاد الأحزاب العربية، وينأون بأنفسهم عن هذا التقليد اليهودي عميق الجذور، فكرتهم عن «الاحتفالية اليهودية» ليست أكثر من نعرة عرقية ضيقة وسطحية.
ونأمل خلال هذه الأيام (أو الانتخابات المقبلة) أن يظهر المزيد من اليهود «الزعبيين» أو «الطيبيين» نسبة الى «زعيم الكنيست»، احمد الطيبي، على الساحة السياسية في إسرائيل، وسيكون هؤلاء «قوميين» يهود من النوع القديم والجديد، والذين يعملون على تشجيع الحوار العادل المتعدد القوميات انطلاقاً من الالتزام الواضح للقيم اليهودية التاريخية.
ديمتري شوميسكي كاتب إسرائيلي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news