الصومال دولة تتجه إلى استعادة سيادتها
تعتبر الصومال من الناحية الشكلية دولة ذات سيادة، لكن خلال العقدين الماضيين، ونتيجة تمزق الدولة بعدد لا يحصى من الحروب الأهلية والحركات الانفصالية والفئوية، بات من المستحيل ان تكون ذات سيادة. وتحرك المجتمع الدولي باعتباره الراعي الواقعي للقضايا الصومالية، في ظل غياب حكومة مركزية تتسم بالصدقية، وجلب الجنود من دول افريقية لتأمين المساعدة الأمنية لهذا البلد.
لكن هذه الحال بدأت تتغير، ففي العام الماضي، تم تشكيل برلمان جديد، والمصادقة على دستور جديد، وانتخاب حسن شيخ محمد أول رئيس للحكومة الدائمة منذ سقوط الحكم العسكري عام 1991. والأمر المثير للاهتمام ان الزيارة الاخيرة التي قام بها الرئيس محمد الى الولايات المتحدة حققت الكثير من الاعتراف المطلوب من الولايات المتحدة.
ومع الاعتراف الرسمي لإدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما، لايزال العديد من الصوماليين يشعرون بالتفاؤل بأن دولة الصومال يمكن ان يتم تمثيلها من قبل كيان وطني واحد يحظى بثقة الصوماليين ويمثل مصالح ناخبيه بصورة متساوية. ويشعر المراقبون الصوماليون بالارتياح لدى سماعهم كلمتي «السيادة» و«الصومال»، من قبل وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون، التي أعلنت في 17 يناير الماضي اعتراف الولايات المتحدة بالصومال دولة ذات سيادة وشريكاً على نحو متساوٍ. ولإعادة العلاقات الثنائية بين الدولتين للمرة الاولى خلال عقدين من الزمن، فتحت كلينتون صفحة جديدة من العلاقات الصومالية ـ الاميركية، مخلفة وراءها «مساراً مضاعفاً» من السياسة التي هددت ببلقنة الصومال، استناداً الى خطوط عرقية ومناطقية. واعتبر هذا التغير السياسي السريع، الناجم عن تطور سياسي ثابت في الصومال، والذي أدى إلى رفع معنويات سكان الصومال، إشارة إلى حسن النيات من قبل الولايات المتحدة. ويأمل داعمو الحكومة الصومالية أن ينعكس صدى هذه الاشارة على المملكة المتحدة، إضافة إلى دول غربية أخرى.
ويأتي مع الاعتراف مسؤولية ثنائية لكل من الولايات المتحدة والصومال، لأن تعامل الولايات المتحدة لن يتوقف على الأعمال فحسب كالعادة. وللمرة الاولى منذ عقدين من الزمن، فإن حكومة الولايات المتحدة ستتشاور حول جميع قضاياها المتعلقة بالصومال مع الحكومة الصومالية المنتخبة شرعياً، خصوصاً في ما يتعلق بالحملة الجارية حاليا ضد «منظمة الشباب» (المجاهدين). وهذا يعني أن الطائرات بلا طيار التي تسبب الرعب للكثيرين، اضافة الى طائرات التجسس التي طالما حلقت فوق الصومال، إضافة الى العمليات السرية الأرضية، يجب أن تؤخذ بالحسبان الآن، كما يجب الحصول على موافقة الحكومة الصومالية.
ولابد من وجود اتفاق يستند إلى التفسير الصادق للعمليات الاميركية في الدولة من أجل حماية المواطنين الابرياء، وتخفيف آثار الغارات التي تجري في الليل على المجتمع الذي يعاني أصلاً مصائب الحروب. وهناك اتفاقات أخرى يمكن ان تتعلق بتأمين ممر آمن لسفن الشحن الدولية على السواحل الصومالية، إضافة الى التعاون من أجل إعادة تطوير المناطق الساحلية، بهدف استئناف صناعة صيد الأسماك التي كانت مزدهرة سابقاً، مثل التخلص من القرصنة والنشاطات الإجرامية الأخرى في البحر.
ومن المؤكد أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ومقديشو سيسمح للطرفين باستعادة ممتلكاتهما المهجورة في كل من الولايات المتحدة والصومال. وستفضي هذه الخطوة الرمزية الى تشجيع نحو 200 ألف صومالي يعيشون في اميركا ويرغبون في السفر والاستثمار في كلا البلدين، ويجب أن يكون من الواضح ان اعتراف الدول الغربية سيكون كافياً لإنقاذ الصومال من حالة الدولة الفاشلة التي تعانيها، والذي يجب ان يتلوه فوراً تحقيق تقدم سريع ويتسم بالصدقية على جميع الجبهات، والتي تتضمن أولاً وأخيراً القطاع الأمني وإعادة بناء الجيش الوطني والشرطة، وحرس السواحل، لحماية الحدود الوطنية والسواحل. ومن المهم تذكير الصومال أن الدول ذات السيادة تتم حمايتها من قبل جيشها الوطني، وليس من قبل القوات الأجنبية.
وبعد ذلك، يتعين على الحكومة أن تقيم حواراً مستمراً مع الشعب الصومالي خصوصاً الكيانات التي تقيم حكماً ذاتياً خصوصاً أرض الصومال، و«بونت لاند» مع احتمال تبادل وفود على أعلى المستويات لتقريبهم من بعضهم بعضاً. وبصورة مشابهة، يحتاج البرلمان الصومالي الى انشاء خطوط ارشاد من أجل إنشاء مناطق متنوعة عرقياً تتمتع بممر سهل على البحر. وينبغي أن تكون هذه المنطقة محدودة العدد، بهدف تطوير مناطق متنوعة قابلة للحياة سياسية واقتصادياً.
وإضافة الى ذلك ينبغي التخلص من سمعة الصومال الفاسدة، عن طريق تبني قوانين حكومية صارمة وأخلاقية، ونظام استحقاق لضمان تجنيد الأشخاص المؤهلين الذين يتم دفع رواتب مجزية لهم، ويجب على الرئيس محمد ان يبدأ العمل عن طريق الطلب من جميع اعضاء الحكومة بالالتزام بمبادئ الدستور الصومالي. ؟ ترجمة: حسن عبده حسن