اغتيال بلعيد سلط الضوء على مشكلات جوهرية تهدد الاستقرار

«ثورة الياسمين» تعرضت للتشويه

اغتيال بلعيد تسبب في موجة غضب شعبية من الحكومة التونسية. رويترز

ضاعف اغتيال الحقوقي التونسي المعارض شكري بلعيد وتيرة العنف، وجلب مزيداً من سحب التشاؤم إلى سماء تونس، التي أصبحت مفتوحة على الخطر الحقيقي، الذي يهدد استقرارها، واستكمال مسيرتها نحو الحرية والديمقراطية والتغيير والتنمية.

وبعد الصدمة التي تعرض التونسيون لها باغتيال بلعيد، وهو الأمين العام لحزب الوطنين الديمقراطيين، المنتمي لتحالف الجبهة الشعبية اليسارية، خرجت جموع غفيرة في تظاهرات حاشدة غاضبة، بينما اتهم عبدالمجيد شقيق بلعيد، الحزب الإسلامي الحاكم بالمسؤولية، رغم مسارعة حركة النهضة الإسلامية إلى إدانة الاغتيال.

وذهب بعض السياسيين والمحللين في تونس بعيدا إلى التشاؤم، بالقول إن تونس لم تعد النموذج الرائد والسباق إلى النجاح في ثورات الربيع العربي، وفي هذا المعنى قالت رئيسة منظمة «فكّر بمستقبل تونس»، غير الحكومية، الناشطة جليلة هيدلي بيوجينت، في مقابلة مع قناة «فرانس ‬24» بعد اغتيال بلعيد: «لم يتم اغتيال الرجل في ظل حكم الديكتاتور (الرئيس المخلوع) زين العابدين بن علي، بل تحت جناح الديمقراطية التي تنادي بها حركة النهضة الإسلامية، وإن لم تكن الحكومة التونسية مسؤولة عن مقتله، فإنها لم تقم بما يجب لحمايته».

ومن السهل ملاحظة أن حدة التوتر آخذة في الازدياد في البلاد، رغم أنه يشار دائما إلى أن «ثورة الياسمين» في تونس ناجحة، لأنها لم تشهد العنف الذي عاشته مصر، ولم تزهق أرواح أبنائها، ولم تسبب نزوح وتشريد الكثير من أبنائها، كما هو الحال في سورية.

وعلى الرغم من أن تونس، هي التي أطلقت الشرارة الأولى لثورات الربيع العربي، واستطاعت إجبار الديكتاتور بن علي على التنحي، ثم انتقلت إلى إجراء انتخابات نزيهة، عكست صورة من الاعتدال، فإن اغتيال بلعيد سلط الأضواء على الحكومة التونسية، وما تواجهه من مشكلات جوهرية، وتحديات صعبة.

وكان بلعيد ـ العلماني النزعة والتوجهات ـ ممثلا للأحزاب المعارضة، ورمزاً كبيراً من رموزها، إذ لا يمكن تجاهل مواقفه، إذ طالـب ـ قبيل اغتياله ـ بحوار وطني حقيقي شامل، لمعالجة الأزمة التي تعصف بتونس والتونسيين.

ويقول مثقفون وإعلاميون تونسيون «على الرغم من استنكار حركة النهضة اغتيال بلعيد، إلا أن الشكوك تدور حول الجماعات السلفية، التي لم تكن سعيدة بالتحرر الاجتماعي والعلمانية اللذين انتشرا في تونس، منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة».

وتشير منظمة «هيومن رايتس ووتش» لحقوق الإنسان ـ في تقرير لها ـ إلى تصاعد ملحوظ بالهجمات على الناشطين السياسيين، والصحافيين، والمثقفين، خلال العام الماضي، وإلى أن معظم الدوافع لهذه الهجمات تبدو لخدمة أجندات وأهداف دينية.

وعقب وفاة منسق حزب «نداء تونس» المعارض لطفي نقد، متأثرا بإصابات وجروح لحقت به، جراء اشتباكات وأعمال عنف مع متظاهرين من جماعات سلفية، محسوبة على حركة النهضة في تاتويني، أكتوبر الماضي، قالت الحركة إن نقد توفي بسبب أزمة قلبية، لكن أسرته قالت ـ الأسبوع الماضي ـ إن سبب الوفاة تعرضه للضرب المبرح، الذي أفضى إلى الموت.

كما نبهت منظمة العفو الدولية (أمنيستي)، أخيرا، إلى أن مشروع الدستور التونسي الجديد، وعلى الرغم من تطوره عن الدساتير السابقة، إلا أنه لايزال غامضا، بشأن قضايا المساواة بين الجنسين، وحرية التعبير، واستقلال القضاء.

وهناك قلق متزايد بين التونسيين، من أن حركة النهضة، وحلفاءها من السلفيين، لا يبذلون أي جهد حقيقي، لإظهار استعدادهم لتقاسم السلطة وتداولها.

ويقول معارضون إن اغتيال بلعيد يؤكد أن ما قاله أمين الحركة راشد الغنوشي، من أن الحركة والحكومة تعملان على إعادة بناء تونس الحديثة، لتكون نموذجا إقليميا للازدهار والتقدم، ولتكون للجميع «إنما هو غير دقيق، وغير صحيح».. وتعهد رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي تشكيل حكومة من المهنيين الاختصاصيين (التكنوقراط)، لتفادي أزمة سياسية، لتسهيل الطريق نحو إقرار الدستور الجديد، وإجراء انتخابات برلمانية في يونيو المقبل.

وفي أكتوبر ‬2011، فازت حركة النهضة في أول انتخابات برلمانية حرة ونزيهة، تشهدها تونس منذ عقود، لكن بلعيد المنتقد العنيد لها كان يمثل العديد من الأحزاب الليبرالية والقوى العلمانية المعارضة لها، ولا يكف عن الدعوة إلى حوار وطني شامل، لاحتواء العنف والتوتر، وحل جميع الخلافات.

وتتهم شخصيات من المعارضة حكومة الجبالي بأنها لا تدخر جهدا لـ«أسلمة» المؤسسات والوزارات والمرافق في تونس، وأنها لم تتخذ أية إجراءات، أو خطوات ملموسة، للحد من الخطابات والدروس الدينية التحريضية ضد القوى والأحزاب العلمانية والليبرالية، وما يستتبعها من ثقافة، وفنون، وآداب، وانفتاح على العالم.

وتشير معظم الشواهد إلى أن «ثورة الياسمين»، التي أشعل شرارتها محمد البوعزيزي، لتكون ثورة رائدة سباقة وملهمة لثورات الربيع العربي، ومع التصاعد الخطير في وتيرة التوتر والعنف، وبعد اغتيال بلعيد لم تعد تلك الثورة «الأيقونة» والملهمة، وتعرضت للتشويه.

 

راشل شابي - محررة ومحللة صحافية في «الغارديان» والمقال منشور فيها

 

تويتر