تأثيرات الأزمة السورية والمشكلة العراقية تعقّد معالجته للمسألة الكردية

‬2013 عام حاسم لمستقبل أردوغان

أردوغان: سياسته تجاه سورية كلفته اثماناً سياسية. أ.ف.ب

تغير الخطاب السياسي التركي بسرعة، ففي الامس كان يطغى عليه الموضوع السوري، ولكن اليوم أصبح موضوعه الرئيس صنع السلام مع الأكراد. وهذا الامر جاء كنعمة بالنسبة لموقف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان السياسي، على الاقل في الوقت الحالي. وصادف عام ‬2012 ذكرى مرور ‬10 سنوات على وجود حزب العدالة والتنمية، وهو ما قل نظيره في السياسة التركية. وشكّل هذا الحزب أحد الثوابت القليلة في تركيا الجديدة الأكثر حيوية، ولكن الذكرى كانت سيئة وصعبة على أردوغان بسبب الحرب في سورية. وبعد عام من توجيه الانتقادات لمعالجته الحرب في سورية، والتي جاءت من بعض أفراد حزبه، تبدو حظوظ أردوغان السياسية في حالة غير طيبة.

وللمرة الاولى، يفقد رئيس الحكومة التركية دعم الناخبين الأتراك، كما أن جهوده التي بذلها من أجل تحويل النظام السياسي التركي الى نظام رئاسي قوي تواجه الكثير من المتاعب. وبصورة محددة أكثر، لا يبدو أردوغان بانه يمتلك الحجة المقنعة التي تدفعه إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد :وهناك نحو ‬150 ألف لاجئ سوري في المخيمات التركية، إضافة إلى أكثر من ‬80 ألف آخرين في المدن التركية، ناهيك عن التكاليف الكبيرة لكل ذلك، وحتى الآن ليس هناك ما يوحي بأن نظام الأسد سينهار. والأسوأٍ من ذلك فان خروج قوات الأسد من المدن التي يعيش فيها الأكراد، سمح لقوات حزب العمال الكردستاني بالحصول على مزيد من السيطرة والقدرة، بحيث انه يستطيع تشكيل منطقة حكم ذاتي في سورية الجديدة.

وتلقى أردوغان ضربة كبيرة عندما أعلن أن الحكومة استأنفت المفاوضات مع زعيم حزب العمال عبدالله أوجلان، وسمح لأعضاء البرلمان التركي من الأكراد بلقاء أوجلان للمرة الاولى بعد ‬14 عاماً من بقائه في زنزانة منفردة. ونالت الخطوات التي قام بها أردوغان استحسان العديد من مكونات الطيف السياسي التركي باستثناء القوميين، ولعبت دوراً لإبعاد الانتقادات المتعلقة بالوضع الكارثي في سورية. وشعرت تركيا بالتفاؤل من إمكانية تحول الحوار مع أوجلان إلى مفاوضات مستمرة لإنهاء الصراع ومعالجة مطالب أكراد تركيا، وعددهم ليس يسيراً، وظل معدل قبول حزب العدالة والتنمية لدى الناخبين فوق ‬50٪.

ولكن هذه العملية السلمية تبدو صعبة، إذ إن أسباب كل طرف تبدو غير مثبتة حتى الان، والمشاعر متأججة، كما أن تماسك حزب العمال الكردستاني غير مضمون. ولكن الأحداث الإقليمية يمكن أن تنطوي على اثار سيئة على هذه العملية، وعلى جهود أردوغان لتغيير النظام السياسي، ويمكن أن تسوء الازمة في سورية، حتى لو ذهب الأسد، نظراً إلى سفك الدماء الطائفي المتواصل. وثمة توقعات بظهور المزيد من اللاجئين، ومستقبل غير واضح للأكراد في سورية المدمرة، إضافة الى تعمق الازمة بشأن الوحدة في العراق ومستقبل المنطقة الكردية فيه.

انهيار سورية

أظهر انحدار سورية في درك الحرب الاهلية أنه مكلف جداً بالنسبة لتركيا وأردوغان. وكانت الازمة في سورية قد بشرت بنهاية سياسة تركيا المعروفة باسم «الصفر مشكلات»، كما أظهر أيضاً أن نفوذ اردوغان في الشرق الأوسط محدود أيضاً. ودفع ذلك أردوغان الى ترك حلفاء تركيا التقليديين واللجوء الى الولايات المتحدة على أمل اقناع أوباما بإسقاط الأسد، ولكن ذلك لم يحدث، وشعر أردوغان بانه اصبح وحيداً، وأن تركيا تعالج القضية السورية وحدها، ولكن اكتشف الحاجة الماسة الى جذب حلف شمال الاطلسي معه، وطلب الحصول على صواريخ باتريوت.

مشكلات ما بعد الأسد

بالطبع سيستفيد أردوغان من ذهاب الأسد، إذ إنه سيظهر نفسه بصورة الرجل المدافع عن الديمقراطية، كما أنه تصرف كمسلم طيب، حيث أمن الملاذ للاجئين السوريين (وهو الامر الذي فعله بصورة جيدة فعلاً)، ولكن هناك احتمال وقوع مزيد من الصراع الطائفي، في مرحلة ما بعد الأسد، وظهور مزيد من اللاجئين.

القضية الكردية

من المؤكد أن مصير الاكراد السوريين سيؤثر مباشرة في معالجة أردوغان لعملية السلام مع الاكراد. ولابد من الإشارة الى أن حزب العمال الكردستاني الذي يملك ملاذاً آمناً على الحدود التركية في بعض المدن السورية يشكل تهديدا لتركيا، و أردوغان يرغب في تجنبه. وكان هذا الرجل قد اعتبر منح الاكراد اي شكل من الحكم الذاتي في سورية خطاً أحمر، ولكن من غير المؤكد انه يستطيع الدفاع عن كل ما هو خط أحمر بالنسبة للسياسة التركية.

وثمة قلق اقليمي آخر بالنسبة لتركيا يتمثل في تفكك العراق وامكانية ظهور دولة كردية مستقلة. ومن الواضح أن العراق يزداد انقساماً على أساس طائفي. وتبدو علاقات تركيا مع الحكومة المحلية الكردية قد تصاعدت، كما أن انقرة تدعم الاكراد في تعميق خلافاتهم مع حكومة بغداد بشأن التصدير المباشر للنفط، وادعاءات الاكراد بحقهم في مدينة كركوك.

وتعارض تركيا وبشدة رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، خوفاً من سيطرة ايران على العراق. وأوضحت الحكومة التركية ان مشكلة السياسة العراقية هي الاسلوب الديكتاتوري الذي ينتهجه المالكي، ويجب التخلص من هذا الرجل للحفاظ على وحدة العراق. ولكن هذا الموقف وضع تركيا في حالة تناقض مع الولايات المتحدة، التي تعتقد أن المالكي يعتبر أساسياً من أجل وحدة العراق. وترغب تركيا في الحفاظ على العراق موحداً خوفاً من تأثير قيام دولة كردية مستقلة على أكراد تركيا، بيد أنها تسهم في الوقت ذاته في تقسيم العراق، وعليها أن تشعر بالقلق ايضاً لأن عرب العراق يمكن أن يقاتلوا لمنع انفصال المنطقة الكردية عن العراق.

أردوغان في ‬2013

ينطوي المستقبل السياسي لاردوغان على تأثيرات كبيرة في سورية والعراق، وتكلفه سياسته في سورية اثماناً سياسية، وأصبحت علاقاته مع الحكومة الكردية المحلية، التي تحسنت كثيرا، أكثر شعبية ومصدر ارباح كثيرة بالنسبة لتركيا، التي تلعب دوراً حاسماً في تطويرها، ولكن تحقيق اختراق في المسألة الكردية التي يزيد عمرها على ‬100 عام يعتبر أمراً صعباً. ومن المؤكد أن المفاوضات مع أوجلان والاكراد سيستغرق زمناً طويلاً، كما أن مستقبل النجاح يبدو ضبابياً ايضاً، ولكن طالما أن العملية تبدو أنها تحقق بعض التقدم خلال النصف الاول من العام الجاري، فإن اردوغان سيكون قادرا على اجراء تغييرات دستورية بمساعدة أعضاء البرلمان من الاكراد.

ولكن التغييرات الإقليمية يمكن أن تطرأ بسرعة غير متوقعة، إذ إن النتائج السياسية للمزيد من أعمال العنف في سورية لاتزال ماثلة امام أردوغان. وكذلك الحال بالنسبة لتقسيم العراق، ويعتبر عام ‬2013 حاسماً بالنسبة لاردوغان وتركيا، ويجب اتخاذ قرارات حاسمة في ما يتعلق بأحداث لا تقع في نطاق السيطرة. ويبدو أن مستقبل تركيا وجميع المناطق الكردية في تحول نشط، وكذلك هي الحال بالنسبة لمستقبل أردوغان.

تويتر