عقوبات كوريا الشمالية وإيران بلا جدوى
أثارت كوريا الشمالية بإعلان إجراء تجربتها النووية الثالثة، انتقادات الأمم المتحدة والغرب عامة، والولايات المتحدة واليابان، بل وحتى حليفتها التقليدية الصين. وبينما سارع مجلس الامن الدولي الى الاجتماع للتداول في أمر الرد على التجربة هددت الادارة الأميركية بعواقب وخيمة، في اشارة منها الى تشديد العقوبات الدولية المفروضة على بيونغ يانغ منذ سنوات.
أعتقد أنه كما هو الحال بالنسبة لايران فإنه لا جدوى على الإطلاق من تشديد العقوبات على كوريا الشمالية، لأن معظم الدلائل تشير الى انها لن تحقق الهدف المرجو منها، ولكن هذه العقوبات ستفاقم معاناة الشعب الكوري الشمالي وفقره بسبب حكومته، فالعقوبات هي الأداة التي تؤدي إلى أكبر نتائج عكسية في عالم الدبلوماسية، وكثيرون غيري يتساءلون عن السبب في الاصرار عليها.
وتشير كل الأمور حالياً إلى أن المزيد من تشديد العقوبات لم يفعل شيئاً في كبح جماح برنامج إيران النووي، بل إنها أثرت في الاقتصاد الوطني، وسببت تضخماً وانهياراً للعملة المحلية، (الريال الإيراني)، وأضرت بالمواطنين الايرانيين العاديين وأسهمت في تعزيز الشعور المناوئ للغرب وأميركا التي وصفها «زعيم» الثورة الاسلامية الراحل آية الله الخميني ذات يوم بـ«الشيطان الأكبر».
كما أن العقوبات لم تضعف النظام السياسي في طهران او من سلطة رجال الدين في إيران أو الحرس الثوري، ولم تلحق بأي منهما أي ضرر، بينما يمضي البرنامج الإيراني قدماً على ما يبدو بصورة مستقلة حتى عن أجهزة الدولة.
ومنذ الانتخابات المتنازع عليها في إيران عام 2009، فإن التهديد والعقوبات لم يضعفا عزم النظام على المضي قدماً، بل على العكس أضعفت المعارضة الداخلية له، وهذا ما أكده الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة ، فما الذي يا ترى يحمل الغرب على الاصرار على جعل إيران كوريا شمالية أخرى؟
من الطبيعي أن تدفع العقوبات الدولة التي يتم فرضها عليها الى التحرك والرد المضاد على الضغوط الخارجية، وتوظيف امكاناتها الدبلوماسية في هذا الشأن. وما يسمى بـ«العقوبات الذكية» هو في واقع الحال عقوبات غبية اذا اعتقد من يفرضها انه يمكن معاقبة الاغنياء دون المساس بالفقراء وايذائهم، كما انها لا تمنع زوجات الحكام الطغاة والمستبدين من السفر الى العواصم الغربية للتسوق. وتعتبر العقوبات الاقتصادية امراً شائعاً وعادياً بالنسبة للسياسيين الغربيين، ليس بسبب تاثيرها ومفعولها، وانما بسبب قضية ما لديهم، وهي: الرغبة في الوقوف والشهرة على المسرح العالمي، ليظهروا كأنهم يقومون بشيء ما. كما ان العقوبات تعتبر الاجراء الاقل كلفة إذا ما اردنا الحديث عن «تدخل دولي»، فهي لغة عقاب وحزم وقسوة وعدوانية من دون تعرض فارضها لأية مشقة.
ويقول أحد المسؤولين الايرانيين: «اشعر باننا سنكون اكثر أماناً لو كانت لدينا القنبلة النووية»، فالمخاوف وعدم الشعور بالامان دفع كوبا الخاضعة للعقوبات الى قبول نشر صواريخ روسية على اراضيها. ولا تتوقف الافرازات والنتائج السيئة للعقوبات فهي تدفع الديكتاتور الى تحصين نظامه والتمترس خلف مواقفه، وتزيد من حالة التقوقع والحصار حول الاقتصاد، وتزيد من إضعاف الطبقة الوسطى التي تنبثق منها غالباً حركات معارضة للانظمة الديكتاتورية. وقبل عام قال المرشد الايراني الاعلى آية الله علي خامنئي في خطاب له: «إن العقوبات مؤلمة، لكنها تزيد اعتمادنا على ذاتنا»، وفي واقع الحال فإن الانظمة التي تعرضت للعقوبات، مثل نظام فيدل كاسترو في كوبا، وايران، ونظام معمر القذافي في ليبيا، والمجلس العسكري في ميانمار (بورما سابقاً)، وافغانستان، وكوريا الشمالية، حصلت بشكل او بآخر على اكسير الحياة الذي أطال بقاءها وبلغت مرحلة النهاية، وهذا لا يعني ان العقوبات كانت تؤدي الغرض المطلوب منها، بل ربما كانت تحتاج الى «حرب» لكي تعمل بفاعلية، فالعقوبات ايديولوجية دبلوماسية اكثر مما هي علم.
وايران دولة فخورة بذاتها تضم نحو 80 مليوناً، وهي واحدة من دول كثيرة تصارع لشق طريقها بين التقليدية والماضي والمعاصرة والديمقراطية، واذا ما ارادت بالفعل الحصول على سلاح نووي فانها ستحصل عليه، ولن تمنعها التهديدات والعقوبات، فهكذا تتصرف دول مثل ايران كرد فعل للعقوبات عليها.
وهناك بالفعل بوادر على وجود حالة استياء متزايدة إزاء كوريا الشمالية من جانب حليفتها الرئيسة الصين، التي استدعت السفير الكوري الشمالي في بكين للإعراب عن استيائها الشديد من الخطوة الأخيرة التي اتخذتها بيونغ يانغ. ويبدو ان بكين ستجد نفسها مضطرة الى التحرك لتنفيذ تهديدها بخفض مساعداتها لكوريا الشمالية.
سيمون جنكين