40 سيناتوراً جمهورياً فضلوا تقديم مصالح تل أبيب على واشنطن
«الكونغرس» يخون أميركا لمصلحة إسرائيل
تعرض الأميركيون لتلطيخ سمعتهم بوحل العار مرات كثيرة على أيدي ممثليهم الذين يتم انتخابهم بطريقة ديمقراطية حرة لعضوية الكونغرس، والذين يرضخون بكل نذالة وجبن لمصالح ضيقة لجهات معينة ويخونون الشعب الأميركي وتطلعاته. ولكن لم يبلغ أي سلوك أميركي مشين ومتخاذل في السابق ذلك الحد الذي بلغه سلوك الجمهوريين في مجلس الشيوخ، خلال جلسات الاستماع التي عقدت في الاسبوعين الأخيرين، لتثبيت ترشيح الرئيس باراك أوباما للسيناتور تشاك هاغل ليكون وزيراً للدفاع خلفاً لسلفه ليون بانيتا، فقد أكد 40 سيناتوراً جمهورياً في مجلس الشيوخ بكل وضوح وصراحة للأميركيين والعالم أنهم لا يرفضون تقديم مصالح إسرائيل على مصلحة الولايات المتحدة فحسب، بل يرفضون ايضاً وضعهما على قدم المساواة.
ومما لا شك فيه أنه عار على كل أميركي ان يظهر هؤلاء الجمهوريون للعالم أنهم سلع وشركات مملوكة للوبي الاسرائيلي، وهذا اللوبي ليس وحده سيدهم بل إنهم مملوكون أيضاً لجماعات ومصالح أخرى مثل «وول ستريت»، وذاك المزيج من المصالح الأمنية والعسكرية الضاغطة.
ولعل ذروة السلوك المحرج والمخزي كانت من جانب السيناتور ليندسي غراهام الذي أبدى قدرا كبيرا من التخاذل حينما تحدى هاغل، وطلب منه تسمية شخص واحد في الكونغرس الأميركي يظهر خوفاً من اللوبي الاسرائيلي. ولو أنني كنت مكان هاغل لرددت كتابياً: «نعم أنت يا سيناتور غراهام وزملاؤك الـ40 الجبناء المتخاذلين»، وكان بإمكان هاغل تقديم إجابة أخرى وهي: «الكونغرس جميعه بما فيه راند بول الذي يتظاهر بأنه مختلف عن زملائه، لكنه ليس كذلك في واقع الأمر».
والسؤال الحقيقي هو: أي من أعضاء الكونغرس لا يخشى اللوبي الإسرائيلي؟ وربما كان أكبر وأقوى إهانة تتلقاها أميركا من إسرائيل هو الهجوم الإسرائيلي على السفينة الحربية الأميركية «يو اس اس ليبرتي» في 1967، وتلقى الناجون من أفرادها تعليمات صارمة بالتزام الصمت حتى 12 عاماً مضت، إذ قرر أحدهم الخروج عن صمته والكشف عما حدث.
وثمة سؤال آخر وهو: لماذا يبدي الجمهوريون في مجلس الشيوخ حماساً كبيراً لتدمير هاغل خدمة لمصلحة اسرائيل؟ الجواب من قسمين أولهما: أنه بالعودة الى حين كان هاغل عضواً في المجلس رفض محاولات الترهيب والتخويف، وقال «أنا سيناتور أميركي ولست سيناتوراً اسرائيلياً»، وبكلمات أخرى فإن هاغل قام بما هو ممكن وجائز، وقال انه يمثل المصالح الأميركية وليس الاسرائيلية، فهو يرى أن هذه المصالح ليست متماثلة أو متطابقة.
وثانيهما: من الجواب السابق لا يعتقد هاغل أن مهاجمة الولايات المتحدة لإيران أو سماحها لإسرائيل بالهجوم عليها فكرة جيدة. وتحاول اسرائيل ومعها حلفاؤها من المحافظين الجدد أن يفرضوا على إدارة أوباما شن حرب على إيران انطلاقاً من رغبة إسرائيل في التخلص منها، لأن ايران تدعم «حزب الله» اللبناني في جنوب لبنان، الذي يتصدى لمخططات إسرائيل بضم مناطق من الجنوب، بما فيها من مصادر مائية وثروات طبيعية، إضافة الى أن ايران تساند حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الفلسطينية التي تتصدى لمخططات إسرائيل بمصادرة الأراضي الفلسطينية وسرقة ثرواتها، على الرغم من أن ايران لم تزود «حماس» بأسلحة فعالة او فتاكة.
ويمثل «حزب الله» و«حماس» واجهة لمناهضة خطط التوسع الإسرائيلية، ويعبران عن موقف نسبة كبيرة من أبناء الامة العربية. ولأنهما تتاخمان حدود اسرائيل فقد تم اعتبارهما «منظمتين ارهابيتين»، من جانب وزارة الخارجية الاميركية الخاضعة والمتذللة للوبي الاسرائيلي، والتي كان من الأجدر بها منذ وقت طويل تسميتها وزارة الخارجية الاسرائيلية، لأنها لم تقدم في يوم من الايام المصالح الاميركية على المصالح الإسرائيلية. وبكلمات أخرى فإن هاغل لم يخضع للوبي الإسرائيلي، ولم يتذلل له، ولم يفصح الى أي مدى يحب إسرائيل، ولم يبد استعداده لنيل شرف التضحية بكل المصالح الأخرى في سبيل المصلحة الاسرائيلية، ولم يقل إنه انتظر بفارغ الصبر طوال سنوات حياته لانتهاز هذه الفرصة لخدمة إسرائيل كوزير لدفاع الولايات المتحدة.
إن هاغل ليس معارضاً لإسرائيل وكل ما قاله «أنا أميركي أولاً وقبل أي شيء». ان عدم قابليته للتذلل والخضوع غير مقبول بالنسبة للوبي الاسرائيلي الذي دمغه بتهمة «معاداة السامية». وعلى النقيض منه يأتي السيناتور لندسي غراهام، لذا فهو يبدو كأنه الاختيار الإسرائيلي الأمثل لمنصب وزير الدفاع الاميركي، وهو الاختيار الذي يشيع الارتياح والابتهاج في صفوف مسؤولي اللوبي الإسرائيلي، فهو على استعداد للتصرف بكثير من التذلل والخضوع لجماعة ضاغطة لدولة أجنبية لإرباك الرئيس الاميركي وعرقلة تثبيت مرشحه لمنصب وزير الدفاع، وهو المرشح الذي يعتقد بكل بساطة ان الكونغرس والسلطة التنفيذية يجب أن يقدما المصالح الأميركية اولاً على ما سواها. وقد عمل زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد على الاستفادة من لوائح وأحكام المجلس للابقاء على ترشيح هاغل قائماً. وإذا نجح غراهام في القيام بكل ما يريده اللوبي الإسرائيلي من اعمال ومهمات قذرة، فإن ذلك يعني إلحاق هزيمة بالرئيس الأميركي الذي حاول رئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) إضعافه بسبب رفضه مجاراة الرغبة الاسرائيلية القوية في مهاجمة ايران. ويمكن القول إن الأميركيين شعب مستعمر وحكومته تمثل أدوات وقوى الاستعمار: وول ستريت، واللوبي الاسرائيلي، وخليط المصالح الامنية والعسكرية، ومصالح المشروعات الزراعية والمهن الصيدلانية والطاقة والتعدين وتجارة قطع الأخشاب. وتبدو العلاقات بين الحكومة الاميركية ومصالح المواطنين الأميركيين في طريقها الى الضرر لأسباب عدة، منها ان الحكومة خاضت حربين في العقد الأخير على غير رغبة الشعب الأميركي.
بول كريغ روبرتس كاتب ومحلل سياسي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news