تفشي الكراهية ضد الأجانب يهدّد مسـتقبل أوروبا
تتكرر أحداث العنف المتعلقة بالعنصرية في أوروبا باستمرار، ما يوحي بأن الكراهية باتت اتجاهاً عاماً في هذه القارة، ففي شوارع أثينا طُعن مهاجر أفغاني في القلب أخيراً، في حين تظاهرت مجموعة يمينية متطرفة في المجر قرب حي يسكنه «الغجر»، وهم يهتفون «سوف تموتون هنا». وفي ألمانيا لقي عمال أتراك حتفهم على أيدي متطرفين من عصابة تكره الأجانب. وفي النرويج قتل متطرف يعارض التنوع الثقافي 67 شخصاً. وقد يقول البعض إن الأحداث تتم بشكل معزول ولا علاقة لأي منها بالآخر، الاعتقاد الذي يبعث على الاطمئنان، إلا ان الحقيقة غير ذلك، فالكراهية وعدم التسامح يتغلغلان الآن بقوة في المجتمعات الأوروبية. وتتجلى هاتان الظاهرتان في الشعبية الكبيرة التي نالتها الأحزاب المتطرفة، التي تكن العداء للمهاجرين وتتبنى سياسة العنصرية ضد الأقليات. وعوضاً عن معالجة هذه المشكلة عادة ما يقلل الزعماء الأوروبيون منها وينحون باللائمة على الضحايا، في الوقت الذي تبدو الحاجة ملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لوقف العنف وتقليص نفوذ الأحزاب العنصرية من دون المساس بالحريات.
وتشارك الأحزاب المتطرفة في الحياة السياسية في العديد من البلدان وتختلف برامجها وحدة خطابها، إلا أنها في الغالب تستهدف المهاجرين والمسلمين في غرب أوروبا، في حين يواجه الغجر التمييز في الشطر الشرقي من القارة. وأشارت دراسة قامت بها مؤسسة «تشاتام هاوس»، عام 2011، إلى أن الدعم لهذه الأحزاب بات توجهاً على المدى الطويل، مع تدخل العوامل الاقتصادية في نسبة هذا الدعم. كما أفادت دراسة لـ«الشبكة الأوروبية ضد التمييز»، العام الماضي، أن شعبية الأحزاب المتطرفة ارتفعت في المناطق التي كانت لا تحظى فيها بالدعم من قبل.
ولم يعد خطاب الكراهية وعدم التسامح مقصوراً على هذه الأحزاب، فقد أصبح السياسيون الأوروبيون من كل الاتجاهات يستخدمون اللغة نفسها تجاه الأقليات غير المرغوب فيها. ووصف نائب يوناني ينتمي إلى حزب «عادي»، المهاجرين بـ«الصراصير» خلال جلسة استماع في البرلمان، في نوفمبر الماضي. وفي 2010، قال سيلفيو برلسكوني، عندما كان رئيساً للحكومة الإيطالية، ان «تقليص عدد الأجانب في إيطاليا يعني عدداً قليلاً من الأشخاص الذي ينضمون إلى صفوف المجرمين».
وأظهر استطلاع للرأي أجرته «مؤسسة فرديريك إبرت»، قبل سنتين، ان نصف المستطلعة آراؤهم يرون أن أوروبا استوعبت عدداً كبيراً من المهاجرين، أكثر مما يجب، وعبر 40٪ من المشاركين عن قلقهم من تزايد أعداد المسلمين. وفي السياق نفسه، تزايد العداء للسامية واشتدت كراهية الغجر وأصبحت على نطاق واسع، ففي المجر، قال 68٪ من مشاركين في استطلاع للرأي، أجري حديثاً، أنهم لا يسمحون لأبنائهم بمصاحبة أطفال من الغجر. في حين عارض 58٪ من المستطلعة آراؤهم السماح لأبنائهم بالاختلاط بأطفال من أصول إفريقية، وفضل 46٪ ألا تجمع أطفالهم صداقة مع أطفال يهود.
مخاوف
تفسر دراسات عدة ظاهرة كراهية الأجانب وغياب التسامح في المجتمعات الأوروبية المتقدمة، بتخوف السكان الأصليين من ضياع الهوية الثقافية وتفشي الجريمة، فضلاً عن التنافس على الموارد الاقتصادية. وفي إيطاليا رصدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المعنية بحقوق الإنسان «هجمات عنصرية ضد مهاجرين أفارقة وغجر وإيطاليين من أصول أجنبية، بما في ذلك حالات تورط فيها مجموعات متطرفة». ولقي إيطالي من أصول إفريقية مصرعه بسبب تعرضه للضرب المبرح بالهراوات بعد سرقته مبلغا بسيطا من مقهى في ميلانو. وفي 2010، تعرض هندي للضرب خارج روما على أيدي مجموعة من الشباب أضرمت في جسده النار. وفي المجر رصدت المنظمة 50 حالة اعتداء منها اثنتان ضد امرأتين حاملتين.
وبحسب دراسة حديثة لـ«الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية»، فإن الغجر في جمهورية التشيك واليونان وبولندا والصوماليين في فنلندا والدنمارك والأفارقة في مالطا وإيرلندا، كلهم يعانون التمييز والتفرقة العنصرية. وتشير الدراسة إلى أن واحداً من أربعة (من كل فئة) تعرض لعنف أو تحرش بسبب الكراهية، خلال الـ12 شهراً الماضية. وتقول السلطات في الدول الأوروبية، إن تلك الأحداث لا علاقة لها بالكراهية، ويقول مسؤول إيطالي ان «الإيطاليين ليسوا عنصريين بطبيعتهم»، على الرغم من التجاوزات التي ترتكب بشكل مستمر. ومع ذلك، فإن العنف والكراهية ما هما إلى الجزء الصغير من الجبل الجليدي، فالأقليات والمهاجرين يعانون أيضاً مشكلات في الإسكان والتعليم والتشغيل.
كراهية الأجانب
وتشير الأبحاث إلى أن المسلمين والغجر يتعرضون للكراهية الدائمة والتمييز في أوروبا. هذه المخالفات الصارخة لمواثيق حقوق الإنسان توحي بأن أوروبا تخلت عن قيمها التي تحاول جاهدة لتمثيلها، كما يعتبر ذلك هدراً للطاقات البشرية كون ملايين الناس لا يستطيعون الحصول على التعليم والعمل من أجل تحقيق أحلامهم والمشاركة في بناء بلدانهم، لذا من الضروري مناقشة مسألة الكراهية، ويتعين على السياسيين الأوروبيين، إن كانوا جادين في مساعيهم لكبح جماح التعصب وعدم التسامح، أن يتوقفوا عن الخطاب المسيء واستخدام لغة التمويه، وأن يدينوا بشدة أولئك الذين يعبرون عن مثل هذه الأفكار المتطرفة.
ويقول الناشطون في مجال الحريات وحقوق الإنسان، إن وجود القوانين ليس كافياً، وعلى السلطات ألاأن تنفذ ألاهذه القوانين وأن تنبذ علناً «جميع الانتهاكات». وهناك بعض الأشخاص الذين ألاتقدموا بدعوى ألاضدألا التمييز بسبب تصرفات رجال الشرطة. ويقول المواطن البلجيكي محمد، ألاوهو من أصل مغربي، «كمواطنين، خصوصاً المهاجرين، لا ألانطلب ألاسوى احترام حقوقنا كاملة، علينا أن نحاول المشاركة في النقاشات، أن نُسمع صوتنا، والإشارة إلىألا أن الحاجة ملحة فعلاً، لأن العنصرية بالنسبة إلى الذين لم يعانوا التمييز لا يعرفونها، ألافي الوقت الذي ألاأؤكد أنها حقيقة ألاتغير حياة الكثير من ألاالأشخاص».
وفي أنحاء القارة، هناك ضغوط على الحكومات ألاتدعو إلىألا احترام القواعد الأوروبية ألاالمضادة للعنصرية وكراهية الأجانب. ويقول محمد بن هادو، ألاوهو مهاجر يعيش في بلجيكا منذ عقود، «في التسعينات ألاكان ألامن السهل ملاحظة الخطاب العنصري، لأن الحجج كانت ألاعرقية تتعلق بالسود والعرب».
ويضيف «حالياً، الأمر ألاأصبح ثقافياً، فالناس يقولون: ليس لدي أي شيء ضد العرب أو السود بل ألابثقافتهم، إنهم يعتقدون أن قول هذا أكثر قبولاً لأن الانتقاد يتعلق ألابالثقافة، في الواقع ألاالنتيجة واحدة، لأنألا هذا يؤدي ألاإلى الاستبعاد».