حالة الإحباط والاحتقان تفاقمت بعد إضراب الأسرى

انتفاضة فلسطينية جديدة باتت وشيــكة

صورة

تعيش الأراضي الفلسطينية غلياناً شعبياً يوشك أن يتطور إلى احتجاج عام ضد السياسيات الإسرائيلية. وقرر عدد من الأسرى الفلسطينيين الإضراب عن الطعام لمدة غير محددة، الأمر الذي يفتح الباب أمام التصعيد في حال توفي المعتقلون المضربون.

ويرى المراقبون أن التطورات الأخيرة تزيد من الاحتقان بين طرفي النزاع وتهدد بقيام انتفاضة جديدة. وبالفعل بدأت ردود الأفعال الغاضبة تتزايد بعد وفاة المعتقل الفلسطيني (عرفات جرادات) في سجن إسرائيلي الأسبوع الماضي، وتقول تل أبيب انه توفي بسبب أزمة قلبية، في الوقت الذي تقول عائلة الشاب جرادات، البالغ من العمر ‬30 عاماً إنه تعرض للتعذيب. وشهدت الضفة الغربية احتجاجاً من قبل فلسطينيين غاضبين انتهت بجرح العديد منهم. ومهما يكن من أمر حقيقة ما أدى لوفاة جرادات، سواء كان سوء المعاملة في السجن أو غير ذلك، فإنها تبقى رمزا لحالة الإحباط التي تستبد بالفلسطينيين. فقد عجزت السلطة الفلسطينية، بزعامة الرئيس محمود عباس، عن إيقاف التوسع في بناء المستوطنات وإحراز تقدم في مشروع إقامة دولة مستقلة.

لا أحد يعرف إن كانت المنطقة تعيش أيامها الأخيرة قبل بدء انتفاضة أم لا. والواقع ان مثل هذه الاحتجاجات تحدث بشكل عفوي وغير متوقعة من دون تخطيط من قبل شخص أو جهة معينة. وتميزت الانتفاضات السابقة بالعفوية، ولم تكن نتيجة تخطيط بقدر ما كان المنتفضون يشعرون بأن إسرائيل هي المسؤولة عن مخالفات وانتهاكات متكررة.

وفي غضون ذلك يحاول المسؤولون من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حالياً، استباق الأحداث، فالرئيس عباس يقول ان «الإسرائيليين يريدون الفوضى ونحن نعلم ذلك لكننا لن نتركهم». بينما حاولت حكومة بنيامين نتنياهو إسناد مهمة حفظ الأمن في شوارع الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية التي يقودها عباس. وفي هذا السياق، أفرجت تل أبيب عن أموال الضرائب التي كانت تحتجزها عقابا للفلسطينيين بعد حصولهم على وضعهم الجديد في الأمم المتحدة، بحيث لا يكون لدى السلطة حجة، بحسب موفد إسرائيلي إلى السلطة، لعدم فرض الأمن والهدوء في مدن وقرى الضفة. ولا يستطيع المحللون السياسيون ان يحددوا عواقب قيام انتفاضة وتأثيرها في مصالح القيادتين- الفلسطينية والإسرائيلية- فأغلب التحليلات تنتهي في آخر المطاف إلى نتائج متشابكة. ربما بسبب التردد الذي ينتاب الطرفين والخلافات حول فوائد الانتفاضة المحتملة وكلفتها.

‬4500 أسير فلسطيني

رفض الأسرى الفلسطينيون، وعددهم ‬4500 في السجون الإسرائيلية، تناول الطعام احتجاجاً على وفاة المعتقل عرفات جرادات، بحسب إدارة السجون الإسرائيلية. وحث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أخيراً إسرائيل على التوصل لحل سريع لمشكلة الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام، الذين تحتجزهم السلطات الاسرائيلية دون أن توجه لهم تهماً.

بالنسبة للفلسطينيين، فحالة عدم الاستقرار والاضطرابات تجذب انتباه العالم للورطة التي يعيشون فيها، بشكل لا تستطيع الدبلوماسية أو الضغوط المختلفة أن تفعله. ويمكن للمرء أن يتساءل، بشكل نزيه، إن كانت اتفاقية أوسلو للسلام لتتم لولا قيام الانتفاضة الأولى نهاية الثمانينات.

بدأت الانتفاضة في ديسمبر ‬1987 حينما كانت حافلات تقل العمال الفلسطينيين من أماكن عملهم عائدة إلى قطاع غزة المحتل آنذاك، على وشك الوصول إلى حاجز التفتيش، إذ داهمتها شاحنة عسكرية إسرائيلية. وكان الحادث الشرارة التي أشعلت الانتفاضة. من جانب آخر، قد يسهم انتقال الغضب الشعبي ضد إسرائيل إلى الشوارع في تخفيف الضغط على السلطة ورئيسها محمود عباس، التي باتت محل انتقاد وعدم رضا.

في المقابل، تبدو الكلفة والمخاطر دائمة بالنسبة للقيادة الفلسطينية، فقد يصبح قادة السلطة وتل أبيب بسرعة أهدافا للحشود الغاضبة. وفي حال اندلاعها، سيتم تحميل عباس مسؤولية تدهور الأوضاع في الضفة واتهامه بعدم القدرة على ضبط الأمور والتحكم بالشارع الفلسطيني. إلا أن عدم الاستقرار والفوضى لن يخدما توجه عباس الدبلوماسي والسياسي في حملته لوضع أفضل في منظمة الأمم المتحدة. وسوف تجلب أي انتفاضة، بالتأكيد، رد فعل إسرائيلي من شأنه أن ينطوي على سلبيات متعددة، بما في ذلك جعل الحياة اليومية للفلسطينيين العاديين أكثر صعوبة مما هي عليه الآن. أما بالنسبة لحكومة نتنياهو، فسوف تكون الانتفاضة المحتملة دليلاً واضحاً على ضرورة المضي قدما في محادثات سلام جدية. إلا ان فريقاً في حكومته سوف يتحجج بالفوضى والعنف، في الجانب الفلسطيني، الأمر الذي لا يشجع على الدخول في محادثات مثمرة، حسب رأي هذا الفريق. ويقول البعض ان أي انتفاضة تبدأ في الغالب بالاحتجاج السلمي، ثم تتخللها تجاوزات يراها الإسرائيليون دليلاً على «نية الفلسطينيين الحاقدة».

على الجانب السلبي للحكومة الإسرائيلية، فإن رد الفعل الدولي على انتفاضة تبدأ من قاعدة شعبية ينطوي على تعاطف مع الفلسطينيين أكثر بكثير من القدر الذي ستحصل عليه إسرائيل. ومن شأن انتفاضة جديدة، أيضا، صرف الانتباه عن حملة قرع الطبول والتهويل حول إيران التي تبناها نتنياهو. وسيكون هناك خطر سياسي يواجه قادة تل أبيب، إذ من المحتمل أن يرى البعض في المجتمع الدولي، وربما الإدارة الأميركية، أن الاضطرابات سبب وجيه لإحياء عملية السلام. بالنسبة للولايات المتحدة، أول شيء تفعله هو أن تكون جاهزة بموقف مدروس بشكل جيد قبل اندلاع انتفاضة جديدة. ولا يمكن لإدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما أن تسمح لنفسها بأن تبدو كأنها تسعى جاهدة لبلورة موقف واضح. ثم متى تبدأ انتفاضة - و«متى» بدلا من «إذا» هي الصياغة الأصح للموقف السياسي، حتى لو كان توقيت الانتفاضة لا يمكن التنبؤ به، وينبغي أن يشتمل الموقف في مثل هذه الحالات على نبذ تام للعنف بجميع أشكاله، سواء كان مرتكب الجريمة يرتدي «الكوفية» أو الزي العسكري. والفكرة الأخرى المهمة في الموقف يجب أن تنطوي على أهمية استئناف عملية السلام بشكل أكثر جدية، لأن السبب الأساسي للفوضى هو استمرار الاحتلال وحرمان الفلسطينيين من الحقوق السياسية. ومن ثم، لا يفترض التوقف عند هاتين الفكرتين، إذ يتعين على المجموعة الدولية استثمار انتفاضة جديدة لتكون فرصة للتخلي عن الاستراتيجيات الجامدة وغير الفعالة، التي تبنتها في الماضي، وعمل ما هو ضروري على أرض الواقع، بما في ذلك ممارسة النفوذ الأميركي لحل المشكلات العالقة.

 

:

تويتر