شبح قرار غزو العراق يطارد ساسة أميــركا وبريطانيا
في مثل هذا الشهر من عام 2003 أقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا على غزو العراق للاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين وبحجة تدمير أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها نظامه، والذي تبين في ما بعد انه لم يكن لديه شيء منها. ومنذ ذلك الحين جرت أحداث عدة كانت من الممكن ان تتسبب في تنحيته من دون أي تدخل خارجي، ومن هذه الاحداث ثورات الربيع العربي التي أطاحت برؤساء دول عربية مثل تونس ومصر وليبيا. ومازال شبح القرار المصيري بغزو العراق الذي ينطوي على قدر هائل من الخطورة يخيم على أميركا وبريطانيا ويرهق عقول السياسيين فيهما بالتفكير في نتائجه وتكاليفه مادياً وسياسياً.
وبعد مضي عقد نطرح سؤالين لابد من الاجابة عنهما: نتساءل مع غيرنا هل كان غزو العراق مبرراً؟ وما الذي تعلمناه من ذلك؟ والإجابة عن السؤال الأول هي «لا، لم يكن مبرراً» مع أن صدام كان طاغية وسجله يشهد على ذلك. وبالغت واشنطن ولندن في الحديث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر اقليمية ودولية، لتتورطا في حرب استمرت 10 اعوام ليتضح للجميع أن غزو العراق كان ولايزال من أكبر الاخطاء الدبلوماسية ما بعد الحرب العالمية الثانية. كما شنت إدارة الرئيس الاميركي آنذاك جورج بوش حملة دولية محمومة في محاولة لايجاد صلة بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن وهجمات 11 سبتمبر 2011. وكان كسب الجانب العسكري من الحرب سهلاً وسريعاً نسبياً، حيث توقفت العمليات العسكرية الكبيرة لكن القوات الاميركية والبريطانية ظلت عاجزة عن منع عمليات التفجير والهجمات وفرض النظام والامن في العراق الذي وجد نفسه غارقاً في حرب طائفية. أما بالنسبة للدروس التي نتعلمها من هذا الخطأ الكبير فهي عدة، وأهمها الحذر من ارسال جنود الى ساحة المعارك مباشرة، ففي ليبيا، تمت المشاركة عسكرياً من خلال الضربات العسكرية الجوية والبحرية مما قلل الخسائر في الارواح.
ومن الدروس الجيدة من غزو العراق أن أي تدخل عسكري يجب ان يحظى بموافقة مجلس الامن الدولي وهذه الموافقة لم يحصل عليها الاميركيون والبريطانيون بشكل صريح قبل قيامهم بذلك، بل قاموا بدلا من ذلك بحملة تضليل بأنهم حصلوا على تلك الموافقة التي تفوضهم غزو العراق.
كما تم الغزو على اساس افتراض اميركي بريطاني مشترك بأنه يمكن تطبيق الديمقراطية في العراق الذي غرق في حرب طائفية شرسة مازالت فصولها مستمرة حيث عمليات التفجير شبه يومية ولا تستثني أيا من المدن او المناطق العراقية. وفي ضوء استمرار سقوط الضحايا في النزاع الطائفي، فإنه يصعب وصف العراق بأنه واحة للامن والاستقرار. ولم تكن جميع الدروس من غزو العراق جيدة ومنها الامتناع عن التدخل كما تفعل الدول الغربية حاليا ازاء الوضع في سورية والاكتفاء بمساعدة الثوار المعارضين لنظام الرئيس بشار الاسد وميل الولايات المتحد مضطرة الى تقديم المساعدات مباشرة الى جماعات سلفية ومتشددة ضمن اولئك المعارضين. كما ان مغامرة غزو العراق خلفت شكوكاً كبيرة لدى الرأي العام الغربي ازاء تقارير الاستخبارات عن احتمالات امتلاك دول منبوذة أسلحة دمار شامل، ومنذ ذلك الحين دأبت حكومات تلك الدول الغربية على اساءة تقدير قدرات ايران وكوريا الشمالية وسورية بشأن امتلاكها مفاعلات نووية واليورانيوم المخصب. وكانت المبالغة الاميركية والبريطانية في امتلاك نظام صدام حسين اسلحة دمار شامل خطأ خطيراً ما يعني انه يتوجب علينا عدم الاستمرار في هذه المبالغة بالنسبة لايران وكوريا الشمالية، كما ان مبالغة الغرب في تقدير الامور في الاتجاه المضاد تعد خطأ لا يقل خطورة. ومما لا شك فيه أن المصريين والسوريين والتونسيين مازالوا يرغبون بقوة في التمتع بالحريات وغيرها من مزايا الديمقراطية، ولكن ليس بمساعدة الغرب لهم على الطريقة العراقية.