تنشط بقوة في الأعمال الإنسانية ومساعدة الثوار
المرأة السورية تغذي المقاومة بفاعلية
تحل هذا الشهر الذكرى الثالثة لانطلاقة الانتفاضة الشعبية في سورية بغية الاصلاح وتغيير النظام. ومنذ بدء التظاهرات والاحتجاجات ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد سقط اكثر من 70 الف قتيل، وتم تهجير اكثر من مليون آخرين خارج سورية وثلاثة ملايين داخلها.
وتعهد وزير الخارجية الاميركي جون كيري الاسبوع الماضي بتقديم مساعدات غذائية وطبية ومعدات غير قاتلة للجيش السوري الحر، إضافة الى 60 مليون دولار للجناح السياسي للمعارضة السورية.
هذه نقطة بداية جيدة ولكن لمنع تفاقم الازمة الانسانية ووقف انتشار «التشدد الاسلامي» في سورية، فإن واشنطن تحتاج الى عمل المزيد، خصوصاً مساعدة منظمات المرأة في المعارضة السورية، فمثل هذه الاستراتيجية ستساعد على التعاطي بإيجابية وفاعلية اكبر مع الأزمة الانسانية والتأكد من وصول المساعدات الى مستحقيها وتحسين وضع المرأة السورية والارتقاء به.
وكان للمرأة السورية دورها الفاعل في العمل ضد نظام الاسد منذ بداية الانتفاضة والاحداث، حيث لا تغيب عن البال تلك التظاهرة السلمية في مدينة درعا جنوب سورية في 2011 حتى بعد ان اتخذت الاحداث طابعاً دموياً عنيفاً. والتقيت عددا من النساء خلال واحدة من رحلاتي الاخيرة الى المناطق السورية التي يسيطر عليها الثوار في إدلب شمال شرقي سورية، وفي بعض البلدات والقرى على الحدود السورية التركية، حيث تقوم النساء بالمساعدة على عمليات تهريب الاسلحة والمعدات والذخائر من الاراضي التركية الى المسلحين السوريين المعارضين، اضافة الى ان بعضهن يساعدن على تحضير عبوات المتفجرات البدائية البسيطة في مطابخ بيوتهن، كما تعمل النساء السوريات في المستشفيات الميدانية في ارض المعركة خلف صفوف الثوار، ويقمن بتوثيق عمليات التعذيب والاغتصاب وغير ذلك من الاعتداءات التي يتعرضن لها خصوصاً، والسوريون بشكل عام على أمل ان ما يقمن بتسجيله وتوثيقه من معلومات وبيانات ستكون له فائدته يوماً ما في المستقبل اذا ما انعقدت محاكم لجرائم الحرب. وهذه النسوة السوريات بحجاب او من غير حجاب سنيات او كرديات او مسيحيات او حتى علويات يجمعهن هدف واحد يقاتلن من اجله وهو: سورية حرة من الأسد ونظامه. وليس هناك فرق من النساء المقاتلات في صفوف الجيش السوري الحر على خلاف القوات الحكومية وجماعات اخرى مثل حزب العمال الكردستاني او ثوار التأميل في سريلانكا، كما انه ليست في الجيش السوري الحر نساء يقمن بعمليات تفجير كما هي الحال في العراق وعند الفلسطينيين ضد الاحتلال الاسرائيلي.
وعوضاً عن كل هذا فإن النساء في المعارضة السورية ينشطن بقوة في الاعمال الانسانية، لاسيما تأمين امدادات الغذاء والدواء للاجئين والمشردين والجرحى.
وتدعم الولايات المتحدة هذه الانشطة والاعمال التي تقوم بها النساء السوريات بكل صراحة وقوة، ما يجعلهن مرشحات ومؤهلات للحصول على المساعدة الاميركية. ولأنهن غير مشاركات في أعمال ذات طبيعة عسكرية او قتالية، فإن النساء السوريات غالباً لا يتعرضن للازعاج او التوقيف او الاحتجاز للتفتيش الذاتي على حواجز التفتيش التابعة للقوات الحكومية السورية، ما كان له اثره الايجابي في تمكينهن من توصيل وتوزيع المساعدات الإنسانية في مختلف المناطق السورية. وشارك قسم كبير من النساء السوريات في توزيع المساعدات وتوصيلها في مناطق خاضعة للجيش الحر، وأخرى مازالت خاضعة للحكومة. وحتى يتفادين الاعتقال داخل سورية فإنهن يتبادلن المعلومات عن تفاصيل الوضع الامني في مختلف الطرقات الرئيسة والمناطق.
وأما بالنسبة للنساء السوريات في الخارج خصوصاً تركيا فإنهن يقمن بجمع المساعدات وتحويلها ونقلها على الفور الى داخل سورية. وقد التقيت بعضو التنظيم النسائي في الجيش السوري الحر هبة الحجي التي تقول إن هناك اكثر من 300 عضوة في التنظيم يقدمن المساعدة للنازحين والمهجرين خصوصاً النساء والاطفال.
وتقول عضو التنظيم الناشطة رانيا قيصر وهي من دمشق وتعمل حالياً في منطقة إدلب انها شاركت في عمليات تهريب مواد غذائية وبطانيات وأغطية من مدينة ريحانلي التركية الحدودية الى داخل الاراضي السورية ليتم توزيعها في حمص وضواحيها خفية عبر قنوات شبكة الصرف الصحي.
وتحظى قيصر (العقد الثالث، وأم لثلاثة اطفال) بقدر كبير من الاحترام من ضباط وقادة الجيش الحر الذين يقدّرون عاليا تعاونها معهم في الاعمال الانسانية.
وتوضح قيصر انها وعضوات فريقها يعرفن بدقة واكثر من غيرهن التجمعات والمناطق التي تشتد فيها الحاجة للمساعدات الانسانية ويميزن الممارسات الخاطئة التي قد يقوم بها البعض مثل سوء استخدام المساعدات الانسانية وسوء توزيعها، مشيرة الى انه تم تحديد حالات من الفساد وسوء توزيع المساعدات قام بها بعض الرجال في المستشفيات ومخيمات النازحين ومعسكرات إيوائهم وتم كشفهم على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» والمعسكرات.
من جانبها، تضيف الحجي التي أنشأت مدرسة خاصة للأطفال في أحد مخيمات النازحين، انها تشرف بنفسها على مراقبة معدات المدرسة وتجهيزاتها وموادها ومخزونها من المواد المختلفة حتى لا يتم بيعها في السوق السوداء. وشأنها كشأن المعارضة السورية فإن المرأة فيها لا يحتويها تنظيم نسائي موحد بل تنظيمات عدة، ولكنها أكثر تماسكاً وتنوعاً من جماعات الذكور وتنظيماتهم.
وعلى سبيل المثال فإن السيدتين ريناس سنو، ورجاء التلّي طالبة الدكتوراة في جامعة نورث ايسترن الأميركية تشتركان في تمويل مركز «المجتمع المدني والديمقراطية» في سورية، الذي يتخذ من مدينة غازي عنتاب في تركيا مقرا له. ويقوم هذا المركز بعمليات تدريب على أنشطة وفعاليات المجتمع المدني داخل سورية وخارجها وقام بتعليم 50 امرأة وفتاة سورية من الناشطات من مختلف الفئات والطوائف وتدريبهن على خطوات تغيير المجتمع السوري، وكيفية المرونة والانفتاح على الجماعات الاخرى ذات النشاط والتفكير المماثل. كما تتمتع الناشطة سهيلة رحال من حلب باحترام كبير وعملت بكل تعاون مع السيدتين الحجي والتلّي في العديد من الانشطة الإنسانية، وتقول إن «النساء من مختلف الطوائف في سورية قادرات على التعاون والعمل الجماعي بكل انسجام، لأنه لا يمكن للمرأة السورية أن تصبح في يوم من الايام رئيسة للجمهورية، لذا فنحن النساء لا نهتم كثيرا بالسلطة والنفوذ وكل ما نريده ان تكون بلادنا حرة».
وبديهي أن تكون النساء في المعارضة السورية هن زوجات الثوار وأمهاتهم وشقيقاتهم، ولا ينقصهن ابداء التعاطف مع الثوار وتأييدهم، ويعرفن خبايا المعارضة السورية اكثر مما تعرفه واشنطن، ويمكنهن ضمان عدم وصول المساعدات الاميركية إلى أيدي المتطرفين الذين يعتبرون عدواً مشتركاً للناشطات السوريات والولايات المتحدة.
فوتيني كريستيا - أستاذ العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news