أمضى ‬261 يوماً مضرباً عن الطعام في الأسر

أيمن الشراونة.. انتصار الإرادة على السجان

الشراونة يعالج في وحدة عناية القلب في مستشفى الشفاء بغزة. الإمارات اليوم

ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين مكشوفة وواضحة، فعلى مدار سنوات الاعتقال مارس بحقهم الكثير من أساليب التعذيب والحرمان المتعددة، وهذا ما دفع الكثير منهم إلى الإضراب عن الطعام احتجاجاً على ذلك، ومحاولة منهم لإثارة الرأي العام تجاه قضيتهم، والضغط على إسرائيل لوقف جرائمها بحقهم.

فأيمن الشراونة هو أحد الأسرى الذين حطموا الأرقام القياسية في إضرابهم عن الطعام، وصمد طويلاً أمام ممارسات إسرائيل داخل السجون، فأجبرها على خوض جولات كبيرة من المفاوضات التي جرت لوقف إضرابه عن الطعام، الذي استمر مدة ‬261 يوماً متواصلة.

وأمام ذلك لم يكن أمام الاحتلال أي خيار سوى القبول بمطالب الشراونة ومنحه الحرية التي سلبت منه، لكن هذه الحرية لم تكتمل، فهو لم يعد إلى بلدته الأصلية جنين، ولم ينعم بحضن والدته وأسرته، إذ قررت إسرائيل إبعاده إلى قطاع غزة لمدة ‬10 سنوات مقابل وقف إضرابه عن الطعام.

فيما فتحت غزة ذراعيها واحتضنت أيمن، بعد أن أدخله الاحتلال عبر معبر بيت حانون (إيرز) شمال القطاع فجر الاثنين الماضي، حيث جرى استقباله بحضور شعبي ورسمي، قبل أن يتم نقله بسيارة إسعاف وعناية مكثفة إلى مستشفى دار الشفاء، لمتابعة حالته الصحية المتدهورة جراء إضرابه عن الطعام فترة طويلة.

ظروف الإضراب

«الإمارات اليوم» التقت الأسير المحرر أيمن الشراونة وهو يرقد في وحدة عناية القلب داخل مستشفى الشفاء، ويعاني مشكلات صحية متعددة.

ويقول الشراونة بصوت متقطع، وقد بدا عليه الضعف الشديد، إن «إرادتي في مواصلة الإضراب عن الطعام والصمود في وجه المعاناة التي كنت أتعرض لها كانت أقوى من الاحتلال الإسرائيلي وكل الضغوط والممارسات التي مارسها بحقي، فقد تحملت كل ذلك وواصلت الإضراب، ولم أوقفه إلا بعد أن دخلت غزة وانتصرت إرادتي ونلت الحرية».

ويوضح أن إضرابه عن الطعام جاء لسببين رئيسين، الأول هو حماية الأسرى المحررين الذين نالوا حريتهم في «صفقة وفاء الأحرار»، وعادوا إلى الضفة الغربية، حتى لا يتكرر معهم ما تعرض له، أما السبب الثاني فهو حفاظاً وإكراماً لدماء شهداء قطاع غزة التي سالت على مدار السنوات الماضية، إلى جانب ما يتعرض له سكان القطاع من حصار وممارسات مذلة. ويضيف «الاحتلال اقترف جريمتين بحقي، الأولى اعتقالي بعد أن نلت الحرية في صفقة وفاء الأحرار، أما الثانية فكانت في إبعادي عن أهلي ووطني جنين، لكن على الرغم من ذلك لن أيأس وسأواصل الحياة في غزة التي تعد جزءاً أصيلاً من وطني فلسطين، وسأقضي أيامي وسط أهلي وأحبابي فيها».

وكان الشراونة قد أفرج عنه من السجون الإسرائيلية ضمن صفقة تبادل الأسرى «وفاء الأحرار» مع الجندي الإسرائيلي الأسير في غزة جلعاد شاليت، لكنه لم ينعم بهذه الحرية طويلا، إذ أعاد الاحتلال اعتقاله إدارياً مرة أخرى، وهدده بإعادة الحكم الذي فرض عليه قبل الإفراج عنه في المرة الأولى، وهو أن يبقى في السجن مدة ‬28 عاماً.

شروط معقدة

في ما يتعلق بالمفاوضات التي جرت من أجل وقف إضرابه عن الطعام، يقول الشراونة «لقد خضت جولة مطولة من المفاوضات من أجل وقف إضرابي عن الطعام، وكانت الاتفاقية التي طرحها الاحتلال مشددة ومعقدة، فقد فرض شروطاً عدة، لكني كنت أرفضها في كل مرة، من أجل كسر الحكم السابق الذي فرض علي».

ويضيف أن من بين هذه الشروط أن يتم إبعاده إلى غزة، بشرط ألا يغادرها، لكنه انتصر عليهم وتقلصت الشروط، إذ تم الاتفاق على أن يتم إبعاده فقط ‬10 سنوات، وأن يخرج ويسافر من غزة إلى الخارج في أي وقت.

ويشير الشراونة إلى أن الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، خصوصاً الذين قضوا سنوات طويلة، وأصحاب الأحكام المؤبدة، يتعرضون لمعاناة صعبة وظروف قاسية، مشدداً على أن السبيل الوحيدة لتحريرهم ليس المفاوضات، وإنما من خلال خطف جنود وإتمام صفقات تبادل، كما حدث في صفقة «وفاء الأحرار».

واحتضن سكان غزة الشروانة، بعد أن توافدوا لاستقباله وتهنئته بالحرية، مؤكدين أنه في وطنه وبين أهله، وأنه لا فرق بين غزة وجنين.

وعن ذلك يقول الأسير المحرر، إن «ما قام به أهل القطاع يعبر عن النصر والاعتزاز والفخر بالنسبة لي، لقد رفعوا معنوياتي إلى السماء عندما استقبلوني واحتفلوا بقدومي، لقد أنسوني الأيام الصعبة التي تجاوزتها برؤية أحبابي وأهلي في غزة العزة».

فرحة وصدمة

في الغرفة نفسها التي يرقد فيها الشراونة كان يقف الأسير المحرر عصمت مطاوع، وبدا على ملامحه شعوران متناقضان من الفرحة والذهول، فإلى جانب سعادته بالإفراج عن أيمن وبالانتصار الذي حققه على السجان، إلا أنه أصيب بالصدمة للحالة الصحية المتدهورة التي تعرض لها بفعل الإضراب عن الطعام وممارسات الاحتلال بحقه.

ويقول مطاوع لـ«الإمارات اليوم»: «أيمن كان رفيقي داخل السجون الإسرائيلية، وقضيت معه عامين كاملين داخل غرفة واحدة، فكان يتمتع بصحة جيدة، وكان وزنه أكثر من ‬120 كيلوغراماً، لكن عندما رأيته فوجئت وصدمت صدمة كبيرة، فقد أصبح هزيلاً وتحول إلى كوم من العظام، بفعل ما تعرض له داخل الأسر».

ويشير إلى أن ما قام به الشراونة من احتجاج وإضراب عن الطعام هو حق لكل أسير حتى يتحرر من المعاناة القاسية التي يتعرض لها داخل السجن، مشيراً إلى أن الإضراب بات هو السلاح الوحيد الذي يملكه الأسرى للدفاع عن أنفسهم والمطالبة بحقوقهم.

وكان الأسير المحرر مطاوع أحد الأسرى الذين تم الإفراج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى مع الجندي شاليت، لكنه لم يعد إلى مدينته الخليل في الضفة الغربية، لكن تم إبعاده إلى قطاع غزة، مثلما تم إبعاد الشراونة.

تويتر