تردد أوباما أوصل سورية إلى حافة التمـــزق
تخشى إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ردة فعل سلبية في سورية، بمعنى وقوع الأسلحة في أيدي «الجهاديين» وغيرهم من الأشرار، ويمكن للإدارة أن تتفادى ذلك بطريقة واحدة أكيدة، وهي أن ترمي بثقلها لمصلحة مناهضي (الرئيس السوري) بشار الأسد، الديكتاتور «الشرير» الذي يريد البيت الأبيض رحيله.
ويستقر هذا التناقض في صميم سياسة أوباما غير المتماسكة حيال سورية. فإذا خسر الأسد فسيكون الوضع شبيهاً بيوم الجمعة الأسود في الشرق الأوسط، ويفتح الباب واسعاً أمام مبيعات من أحدث أنواع الاسلحة، وإذا ما فاز فسيظل الباب مغلقاً، لكننا لا نريده أن يفوز، ويبدو أنه لن يستطيع الفوز، فالثوار السوريون يحكمون السيطرة بالفعل على أجزاء كبيرة من البلاد، ودخلت الحرب الأهلية الآن عامها الثالث.
وتتمثل المشكلة في التقاعس من جانب الإدارة الأميركية، إذ إن رفضها تسليح الثوار أو فرض منطقة حظر جوي، سمح لما كان يعرف بحركة احتجاجية مسالمة من قبل بعض المهنيين أن تتحول إلى ثأرات دموية بلا نهاية. وشيئا فشيئا، تولى القتال الشرس الجماعات الجهادية التي نرهبها بشدة، وأصبحت سورية بالتالي أفغانستان في طور التكوين.
ليس من المجدي أن نشير الآن إلى الكيفية التي كان يمكن بها من قبل تجنب أو حتى التخفيف مما يحدث الآن، لكن من المجدي أن نسأل الإدارة عن كنه سياستها. ونعلم الآن أن ثلاثة مسؤولين كبار سابقين - مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه) السابق ديفيد بترايوس، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا، كانوا يدعمون تسليح المتمردين، وهذا هو أيضاً موقف بريطانيا وفرنسا والقوى الاستعمارية السابقة في المنطقة.
ربما يدرس الرئيس التطورات في الوقت الراهن، إلا أن واشنطن لم تفعل سوى القليل جداً في الوقت الراهن في هذا الخصوص.
في الآونة الأخيرة، أشار وزير الخارجية، جون كيري، إلى أن هناك عملية إعادة تقييم جارية. وفي أول جولة له في الشرق الأوسط، ذكر في السعودية أن المعارضة السورية لديها «قدرة واضحة»، ولكي نضمن أن الأسلحة تذهب إلى المعارضة الشرعية المعتدلة «علينا في الواقع الوصول إليهم، على الرغم من أن هذه الأسلحة لا تأتي من الولايات المتحدة، لكنها تأتي من المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى. فإذا كان السعوديون يزودون (الثوار) بالأسلحة، فلماذا لا تفعل الولايات المتحدة ذلك؟ فالسلاح هو السلاح، بغض النظر عمن يوفره».
قضى في هذه الحرب أكثر من70 ألف شخص، وربما فر إلى البلدان المجاورة أكثر من مليون مدني، وتحول القتال إلى حرب طائفية، فسورية تتعرض لعملية تمزق، وربما مزقت معها بعض أجزاء المنطقة، وفي نهاية الأمر، سيتراجع الأسد إلى معقل العلويين على ساحل البحر المتوسط، وربما تسمى هناك باسم عائلته الأصلي، (الوحش)، بدلا عن (الأسد). هذا الاسم اختاره جدهم الكبير - رجل كالثور- مقاتل شرس، لكنه قومي سوري.
قد تكسر بريطانيا وفرنسا الحظر الأوروبي المفروض على الأسلحة المرسلة الى الثوار، ولا ينبغي على الولايات المتحدة أن تفعل فقط الشيء نفسه، بل أن تتولى دور القيادة. وفي الوقت نفسه، ينبغي فرض منطقة حظر جوي للسيطرة على سلاح الجو السوري، وينبغي ألا تستمر الحرب بهذه الصورة، فقط صارت هناك كارثة إنسانية وخطر وشيك يلوح في الأفق.
إن تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الحرب الأهلية الليبية أنهى الأمور بسرعة كبيرة، لكن كان هناك رد فعل سلبي، فقد أخذت أسلحة (الزعيم الليبي السابق)، معمر القذافي، طريقها إلى مالي، وانتهى بها الأمر في أيدي الجهاديين، إلا أن الطريقة الوحيدة لتجنب مثل ردود الافعال السلبية هذه هي أن يظل دكتاتور مثل القذافي في السلطة. قولوا ما شئتم عنه، فقد احتفظ بكل هذه الاشياء (الاسلحة) وراء القفل والمفتاح، وتخلى عن برنامجه النووي، وتحول لدينا من غول إلى حمل وديع.
الأسد، أيضا، كان سفاحاً معقولاً جداً، وظلت مرتفعات الجولان تحت قيادته هادئة تماماً، وأمن ايضاً أسلحته الكيماوية. وافتعل مشكلات بطرق أخرى- أنشأ تحالفاً مع إيران، وتبادل الدعم مع حزب الله - لكنه بصفة عامة كان عدواً جديراً بالثقة. في المقابل هناك عناصر مميزة لا يمكن الاعتماد عليها تقود التمرد ضده - ليست الجيش السوري الحر- وإنما هم «جهاديو جبهة النصرة»، التي استولت أخيراً على مدينة الرقة في الشمال، وأصبحت الأمور تزداد سوءاً أكثر فأكثر.
الآن نتوقع رد فعل سلبياً معيناً، وليس هناك طريق أكيد لكي نتجنبه، لكن يمكن احتواؤه. ولن يتم ذلك إلا من خلال تسليح العناصر المعتدلة بسرعة، والضغط من أجل وضع نهاية سريعة للحرب قدر الامكان. أوباما، بوصفه رئيساً للولايات المتحدة، يمكنه أن يضع نهاية للحرب من أجل إنقاذ الأرواح وتجنب كارثة إقليمية، إلا أن تردده جعل الأمور تزداد سوءاً. أمنحوا الرجل مظلة، فقد أصبح في الأيام الأخيرة مثل (رئيس الوزراء البريطاني الراحل الذي آثر السلام على الحرب) نيفيل تشامبرلين.
ريتشارد كوهين صحافي أميركي