يجمعها وروسيا الكثير من القواسم المشتركة في ما يتعلق بسورية
إسرائيل تتخوف من فوضى ما بعد رحيـل الأسد
ستكشف الأيام المقبلة اتفاقية سلام أبقتها إسرائيل في طي الكتمان، لا أقصد تلك الموقّعة مع مصر، لكن تلك الاتفاقية غير المكتوبة مع سورية، وأعني ما اقول.. فمنذ أيام الدبلوماسية المكوكية لهنري كيسنجر عام 1974، أصبحت لإسرائيل اتفاقية سلام الأمر الواقع المتفق عليها بشكل او بآخر مع عائلة الأسد. وفي جميع الأحوال ظلت هناك خطوط حمراء واضحة يلتزم الطرفان عدم تخطيها، وكذلك قدرة على التنبؤ معقولة من كلا الجانبين. لن يهمنا هنا التزام الكف عن الخطب النارية، وشروط تبادل السفراء، والسياسة العامة الأخرى التي تحدد عادة متطلبات معاهدات السلام، ما يهمنا في هذه الحالة أن كلا الجانبين يلتزم حدوداً وقيوداً، لكي تظل الحدود المتنازع عليها بينهما آمنة، وبما انه لا يوجد اتفاق سلام رسمي مكتوب، لا يلتزم أيّ من الطرفين القيام بتنازلات عامة او استراتيجية، وعلى سبيل المثال لا تلزم الاتفاقية إسرائيل التخلي عن هضبة الجولان. وإذا تخطت سورية الخط الأحمر في لبنان، أو قل مثلاً سعت للحصول على قدرة نووية كما فعلت، فإن لإسرائيل الحرية في معاقبتها من خلال الضربات العسكرية المستهدفة، ولن تكون هناك أي معاهدة سلام مكتوبة تستطيع إسرائيل أن تنتهكها.
بنى السوريون ترسانة كيميائية، واستضافوا الإيرانيين في جميع أنحاء بلادهم، وأيضاً في لبنان، لكن مع عدم وجود معاهدة رسمية على أرض الواقع، وبالنظر إلى طبيعة النظام السوري، فيمكن لإسرائيل الاعتراض على مثل هذه الأمور. وفي مواجهة كيان تسيطر عليه قوة سافرة، اتصف آل الأسد على الأقل بالمهادنة. وعلاوة على ذلك، فهم يمثلون طائفة ذات أقلية، ما حال دون أن تصبح سورية نسخة أكبر حجماً وقوة من النظام الراديكالي السني في غزة. في فبراير عام 1993 أخبرت قرائي في صحيفة «أتلانتيك» الشهرية، بأن سورية ليست دولة، بل عالم سفلي تتقاسمه الطائفية والعرقية، وأن آل الأسد قد ينهون هذه المرحلة من خلال تأسيس دويلة للعلويين شمال غرب سورية، ويمكن أن تستمر بدعم صامت من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية.
قد يصرح الزعماء السياسيون الإسرائيليون لوسائل الإعلام من وقت لآخر بأن أيام الأسد قد باتت معدودة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الإسرائيليين يعتقدون أن رحيل الأسد أمر جيد تماماً بالنسبة لهم. وأنا أعتقد كذلك ان الإسرائيليين والروس يجمعهم الكثير من القواسم المشتركة في ما يتعلق بسورية. روسيا تدعم نظام الأسد من خلال عمليات نقل الأسلحة عن طريق البحر وعبر العراق وإيران، وقد يرى الإسرائيليون بعض المصالح في هذا الخصوص. ويبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يرتاح للقائه مع الإسرائيليين الذين لا يلقون على مسامعه محاضرة عن حقوق الإنسان وشرور نظام الأسد، كما يفعل الأميركيون.
ويبدو في الظاهر أن سقوط نظام الأسد سيقوض النفوذ الإيراني في بلاد الشام، وهذا بالتالي سيجلب فائدة عظيمة لإسرائيل وكذلك للولايات المتحدة، إلا أنه من ناحية أخرى، فإن مرحلة ما بعد الأسد قد توجد فوضى من شأنها أن تساعد الإيرانيين على دعم مجموعة حرب عصابات موالية لهم، ويساعدهم هذا الوضع ايضا على نقل الأسلحة. ومرة أخرى نقول إن الأسد هو الشيطان الذي نعرفه. وفي حالة تحوله من رئيس لسورية إلى امير حرب، فإن هذا سيمثل تحديات تفضل إسرائيل عدم مواجهتها.
وماذا عن دور «حزب الله» في هذا الوضع الإسرائيلي الساخر؟ نستطيع أن نقول إن «حزب الله» لا يشكل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل، ولا يستطيع مقاتلو «حزب الله» في الوقت الراهن الزحف بشكل جماعي عبر الحدود إلى حيفا وطبريا. وتستطيع الأنظمة المضادة للصواريخ، مثل القبة الحديدية، ومقلاع داود، احتواء التهديد العسكري القادم من الشمال. ثم هناك الملاجئ الإسرائيلية الحصينة ضد الصواريخ، ثم إن «حزب الله»، علاوة على ذلك، يحتاج إلى إسرائيل، لأنه من دون إسرائيل قوية، فإن «حزب الله» سيخسر خصماً يمنحه وجوداً وهيبة في الكيان السياسي اللبناني، ما يجعل «حزب الله» أكبر من مجرد مجموعة شيعية تحارب السنّة.
تعد حرب إسرائيل ضد «حزب الله» عام 2006 كارثة، لكن لها آثارها الجانبية الإيجابية: صارت إسرائيل تنعم بسلام نسبي لسبع سنوات على حدودها الشمالية، وكشفت الحرب العديد من أوجه القصور في الجيش الإسرائيلي ونظام الاحتياطي الذي تم تكوينه لسنوات، حيث جرى إصلاح ذلك بشكل حاسم، ما جعل إسرائيل أقوى نتيجة لذلك.
هناك الكثير من التهديدات المقبلة، فقد يؤدي انهيار نظام الأسد إلى توفير الأسلحة مجاناً للجميع، تماماً كما كانت الحال في مرحلة ما بعد القذافي في ليبيا، ما يدفع إسرائيل إلى مواجهة المخاطر مرة أخرى في جنوب لبنان.
وربما كان زعيم «حزب الله»، حسن نصرالله، هو أيضاً الشيطان الذي تعرفه اسرائيل، حيث انه التزم بشكل غير رسمي الخطوط الحمراء مع إسرائيل منذ 2006. ويبدو أن «نصرالله» أقل تطرفاً من نائبه نعيم قاسم، الذي سيتولى القيادة إذا اغتالت اسرائيل «نصرالله»، إلا إذا عجل السنة في لبنان وسورية باغتياله خلال الفوضى التي تعقب رحيل الأسد.
ثم إن غزة مرة أخرى، مثل جنوب لبنان، تتعرض للاحتكاكات الإسرائيلية، ولا تشكل غزة تهديداً وجودياً لإسرائيل، على الرغم من عدم وجود حل لهذه الحالة، وبغض النظر عما يقوله دبلوماسيون.
يتحدث المثاليون في الغرب عن السلام، والواقعيون داخل إسرائيل يأملون في أن تتباعد فترات الحروب بما فيه الكفاية، بحيث يستطيع المجتمع الإسرائيلي الاستمرار في الازدهار خلال تلك الفترات. وشرح لي محلل امني اسرائيلي رفيع المستوى، قائلاً إن الساحل الشرقي للولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي يتعرضان للأعاصير الدورية. وبعد كل اعصار يعيد الناس البناء، على الرغم من انهم يدركون أنه بعد عقد أو نحو ذلك سيأتي إعصار آخر، ويقول المحلل إن حروب إسرائيل شيء من هذا القبيل.
ظلت اسرائيل تتمتع بوضع مريح لعقود عدة، وتحيط بها ديكتاتوريات عربية مستقرة، تعتمد عليهافي استقرارها، والآن يتساقط الطغاة وتزداد الفوضى. وكان يسهل على اسرائيل محاربة جيوش الديكتاتوريين العرب التي بنوها خلال حروب 1948، 1956، 1967 و1973، أما الآن، وبما أن العرب لا يثقون دائماً بالجيوش النظامية التابعة للدولة، فإن تنظيمات مثل «حزب الله» و«حماس» تعد التحدي الأكبر لإسرائيل. في الأيام السابقة كانت تستطيع إسرائيل تدمير سلاح الجو المصري على الأرض، وتستطيع حل المعضلة الأمنية في الجنوب. وفي الوقت الراهن لا توجد حلول لإسرائيل: فهناك خصوم داخل تلك الدول يتخفون بين التجمعات المدنية لمهاجمة المدنيين الإسرائيليين، لا يوجد سلام أبداً وانما حروب دورية تأمل اسرائيل أن تكون متباعدة.
الانقسامات داخل الصف الفلسطيني، إلى جانب الفوضى المتزايدة في العالم العربي، تعني انحسار فرص التنازل من جانب إسرائيل. ولهذا فإن الخيار الوحيد امامها هو الانسحاب من جانب واحد. وربما هذا هو الشيء الوحيد الذي يدعو المستوطنين للقلق.
ولكن ماذا عن المثالية؟ ماذا عن شرق أوسط افضل وأكثر إنسانية؟ ماذا عن رجال الدولة الحكماء والموهوبين الذين يرون فرصاً لا يراها الآخرون؟ ماذا عن محاولة وضع حد لانجراف إسرائيل نحو مجتمع شبيه بمجتمع الفصل العنصري، يتميز بالهيمنة الإسرائيلية على العرب الأكثر عدداً وبالتأكيد هي ليست من مصلحة إسرائيل؟ هذه كلها أشياء حقيقية ينبغي أن نضعها نصب أعيننا على الدوام، ونناضل من أجلها. ولكن لاتزال بلاد الشام موقع صراع من أجل البقاء المادي، لكنه أيضاً المكان الذي يعود بالفوائد من خلال مقارعة الحكام المستبدين.
روبرت دي كابلان - صحافي أميركي شهير
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news