فكرة الدولة اليهودية ليست ديمقراطية وتمثل مأزقاً أخلاقياً
نشأت في بيئة يهودية متدينة، وعلى الرغم من أنني وعائلتي لم نكن من الصهاينة الأقوياء إلا أنني كنت أعتقد دائماً أن صهيونيتي «دليل على أن لإسرائيل الحق في الوجود»، وكل من يدخل في نقاش حول الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي سيواجه غالباً هذه العبارة.
ويواجه المدافعون عن سياسة اسرائيل بشكل روتيني انكار منتقديها لحقها في الوجود. وتؤكد جماعة يسارية أنتمي إليها هذا الحق، على الرغم من انتقاداتها المريرة لسياسات اسرائيل.
وهناك توافق عام على فهم انكار حق اسرائيل في الوجود على انه مؤشر واضح إلى معاداة السامية. ماذا يعني أن يحصل شعب على دولة خاصة به؟ وأمضيت أعواماً وأنا في دراسات ونقاشات حول هذه المسألة التي تشكل نقطة ارتكاز مهمة لسياستنا الخارجية الإسرائيلية، ورأيي أن التشكيك في مبدأ حق إسرائيل في الوجود لا يعد معاداة للسامية.
وواحدة من المشكلات الخاصة بهذه المسألة أن عبارة «حق اسرائيل في الوجود» تقارب في المعنى عبارة «حقها في الحياة» ما يعني السماح بإبادة شعبها. وفي ضوء وقائع التاريخ اليهودي وحقيقة انشاء اسرائيل بعد ما تعرض له اليوم من فصول «الهولوكوست» فإنه ليس مفاجئاً أن تحمل عبارة «حق اسرائيل في الوجود» كل هذا المعنى من الأحاسيس والبعد العاطفي. والتفسير البسيط والمباشر الذي أفهمه أنا للعبارة؛ يعني حق اسرائيل في الوجود دولةً يهوديةً، ما يعني أن للشعب اليهودي الحق في تقرير مصيره، وأن هذا يعطيه الحق في إقامة دولته الخاصة به على فلسطين المشمولة بصيغة الانتداب البريطاني باعبتبارها «أرض الأجداد وموطن الأسلاف». وبناء على هذا الفهم فإن كل من ينكر حق اسرائيل في الوجود دولة يهودية هو مذنب ومدان بمعاداة السامية، لأنه ينكر على اليهود الحصول على الحقوق نفسها التي تتمتع بها الشعوب الأخرى. والحقيقة أن هناك ملايين اليهود يعيشون حالياً في اسرائيل وارض الأجداد، وما أريد قوله هو أنه حتى لو منحنا اليهود حقوقهم في الحياة والوجود في تلك الأرض مثل الشعوب الأخرى، فإنه ليس لهم حق في دولة يهودية. وكان القرنان الـ18 والـ19 فترة تحرر اليهود في أوروبا الغربية من عقلية وفكرة «الغيتو»، حيث تمت ازالة الجدران وتم منح اليهود الحقوق الكاملة للمواطنة في الدول التي يعيشون فيها، لكن منذ تأسيس دولتهم اليهودية الخاصة بهم لم يستطيعوا الحفاظ على ولائهم وإخلاصهم كمواطنين لأي دولة اوروبية. ويصر الليبراليون، الذين عارضوا معاداة السامية، على انه يمكن لليهود ممارسة شعائرهم الدينية وتقاليدهم وثقافتهم مع الحفاظ على مواطنتهم الكاملة في الدول التي يقيمون فيها.
ومن المهم أن نلاحظ أن مفردة «شعب» يمكن أن تستخدم بطرق مختلفة ما يؤدي إلى نوع من الفوضى، خصوصاً أن هناك تمييزاً بين شعب لديه إحساس عرقي وشعب لديه إحساس مدني، فالشعب ذو الإحساس العرقي تجمعه اللغة المشتركة والثقافة المشتركة والتاريخ المشترك وملتصق بمنطقة واحدة مشتركة. ويمكن لأي شخص أن يلاحظ بسهولة أن اليهود يمثلون حالة صعبة لأنهم متفرقون وموزعون في مختلف انحاء العالم، ويتحدثون لغات متنوعة، ويتم تعريفهم غالباً، على نطاق واسع، من خلال الدين. وبالنسبة للشعب الثاني ذي الإحساس المدني فإن فكرته الجوهرية قائمة على المواطنة المشتركة في دولة من عرق واحد أو أعراق عدة، فالشعب الفرنسي على سبيل المثال يجمع الصفتين شعب الإحساس العرقي وشعب الإحساس المدني، بينما الشعب اليهودي شعب لديه احساس عرقي.
20٪ من المواطنين الإسرائيليين حالياً ليسوا من يهود فلسطين، والأغلبية الساحقة من الشعب اليهودي ليسوا مواطنين إسرائيليين ولا يعيشون في منطقة جغرافية محددة. وبصرف النظر عن المفهوم الطبيعي لحق الشعب اليهودي في تقرير المصير فإنه انتهاك لحق تقرير المصير لشعوب اخرى من غير اليهود ولاسيما الفلسطينيين.
وكل دولة تنتمي إلى مجموعة عرقية واحدة فإنه غالباً ما يتم انتهاك جوهر المبادئ الديمقراطية، ولاسيما المساواة وحق تقرير المصير لمن هم خارج اطار تلك المجموعة العرقية الكبيرة. واذا كانت مؤسسات دولة ما تفضل مجموعة عرقية من بين مواطنيها فإن أعضاء تلك الجماعة وحدهم سيشعرون بأنهم اعضاء فاعلون في الحياة العامة في تلك الدولة.
وهكذا فإنه يمكن تجسيد المساواة على اساس صيغة من وضع الناشطين اليهود والإسرائيليين والفلسطينيين، تتضمن دولة ديمقراطية تحترم حق تقرير المصير لكل افرادها في اطار سيادتها دولةً لجميع مواطنيها. ومن شأن هذه النقطة الأساسية أن تكشف مدى المغالطة والمناورة، اللتين تقفان خلف فكرة المساواة النظرية والعامة كما يرسمها ويحددها المدافعون عن حق إسرائيل في الوجود دولةً يهوديةً، الذين يحاولون تكريس فكرة هذا الحق بالعمق ذاته لفكرة حق فرنسا في أن تكون فرنسية. وهكذا استنتج أن فكرة الدولة اليهودية ليست ديمقراطية لأن فيها انتهاك حقوق غير اليهود من مواطنيها في تقرير المصير، وبالتالي فهي تمثل مأزقاً أخلاقياً، لأن غير اليهود سيقاومون محاولات تهميشهم وإقصائهم ومصادرة حقوقهم، ويمكن التعامل مع مقاومة غير اليهود من خلال ثلاث استراتيجيات: النفي والإبعاد، والاحتلال، والتهميش المؤسسي، وثلاثتها من بنات افكار الحركة الصهيونية.
جوزيف ليفين - بروفيسور في الفلسفة في جامعة مساتشوسيتس وله كتابات في الفلسفة السياسية، والمقال منشور في «نيويورك تايمز»
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news